عروبة الإخباري = بقلم سلطان الحطاب
بقيت استمع لقصص عديدة بعضها فيه خيال ومبالغة وبعضها فيه حقائق، ولكنها كانت تتكرر كلما التقى رجال أعمال أو حتى أشخاص عاديين على غداء أو عشاء ويكون الكلام متبوعا عن البطالة، أو البحث عن عمل او غلاء أسعار.
ووصل بالكثيرين الترويج بالقول أن فلاناً ذهب الى مصر وتوفرت له كل أسباب توسع مشاريعه، لأنه وجد اعفاءات ومعاملات أفضل وامتيازات أكثر في الإقامة واستقرارالتشريعات وقلة الضرائب ومن مصر يقفز متحدثون عن تركيا وبعضهم كان يستشهد بلبنان قبل سقوط اقتصاده وعملته.
وظلت الاسئلة حائرة، لماذا.. لماذا بلدنا طارد للاستثمار،
وأدركت أن الإجابة التي اوردها كثير من الباحثين الاقتصاديين وبعض رجال الأعمال المنصفين لا تكفي، وأننا نحتاج ربما الى اطروحات دكتوارة مميزة تجمع ما بين النظري والعملي، والأمثلة المحسوسة، كما نحتاج الى دراسات ميدانية والى بحوث واستقصاءات حتى صحفية لنضع ايدينا على الخلل او الجرح.
ظلت بورصة الإشاعات والشكاوي حتى الواقعية عن تصادم الاستثمار مع الامن وغلبة الأخير واستمرار أسلوب التطفيش قائماً، فموظف براتب اربعمائة دينار ويستدين اضاعفها ليسدد حاجاته، يستطيع ان يطفش مستثمراً بالملايين وبجرة قلم أو بمعاملة مباشرة أو غير مباشرة.
كثيرون ممن تحدثوا عن حماية الاستثمار وعن التغيير من أجل استقطاب المستثمرين وعن إجراءات وتسميات وهيئات ولجان وحتى وزارات مستقلة للاستثمار
ولكن خلاصة ذلك أصبحت مثل وضع المصاحف فوق آسنة الرماح في محاولة لتسجيل موقف لم تصمد أمام الحقيقة، وهو ان نزف فرص الاستثمار لم يتوقف وضياع فرصه تعاظمت بهدوء وبدون ضجيج وربما لاستجابة او لإحساس خفي جرى قبل نقل متابعة الاستثمار الى وزارة الداخلية وانشئت لذلك دائرة يرأسها محافظ مثقف ونشيط دعمه الوزير وأمده بالفكرة والتأييد
وكان الذيي اعتقد بالفكرة قد اكتشف حجر الفلاسفة او قاعدة ارخميدس، فقامت الدائرة وبدأت تعمل دون ترويج كاف
اختفت الكثير من الشكاوي، حين استدل المستثمرون أو حاملوا الاسئلة على المكان وقصدوا الداخلية، وقدموا شكواهم وعرضوا لمشاكلهم، وإذا بالكثير من القضايا تجد حلاً او مخرجاً، وإذا بالداخلين الذين يشعرون بالتافف يخرجون وقد لهجوا بالشكر أو تفاؤلوا بالوعود التي قطعت أو لاستشارات التي قدمت
على مدار ساعة كنت في مكتب مسؤول الاستثمار في الداخلية والذي يعمل على أكثر من مهمة تجعله لا يتفرغ يكون قادراً على توفير إجابات عن الإقامة وتجديدها والدخول والخروج والتعامل مع الأبناء… والعائلة وهذه مسائل أساسية لدى المستثمر الذي يريد أن يطمئن لوضعه وعائلته.
في الساعة التي شربت فيها القهوة مرتين، اطلعت على معلومات هامة وذات دلالة، وانتبهت الى مراجعين وتوقيع معاملاتهم وادركت ان كثير من الأمور التي احمل اسئلتها المبيتة وجدت اجابات.امامي وفي الميدان
يدرك الرجل الخبير الذي سالته وقال علينا ان نعمل بعقلية الدولة لا لموظف وقد عالجت رسالته الاكاديمية الأخيرة جزء من مهامه وعمله وعمقت خبراته واهمية تمهيد طريق المستثمرين حتى يصلوا الى غاياتهم في اقامة مشاريعهم التي يستفيد منها البلد.
قال كان لا بد من محاصرة البيروقراطية وتعبير بعدين ارجع، أو تقديم عبارات مبهمة او الاحالة الى الملفات، كان لا بد من وجود مرجعية لديها المرونة والقدرة على الاجابة والتمتع بعقلية الدولة ورؤيتها وليس بعقلية الموظف ضيق الأفق الذي يطارد الأوراق ويصاب بالرعشة ويرى أن حل مشكلة الفقراء هي في اعدامهم وحل مشكلة المستثمر هي في تاجيل البت في طلبه او احالته الى الضياع بين الدوائر.
المحافظ كان يتكلم بلغة واضحة ومعرفة، واللغة الواضحة كما يقول علماء الاجتماع تعكس وضوح الفكرة.
استمعت للعديد من الأمثلة والأفكار الجديدة التي خرج بعضها للتطبيق وبعضها ما زال منظوراً وأفرج عنه وبعضها ما زال تحت الجدل.
المحافظ قال اننا، أي مجموعة ممن يرون رؤيته انتصروا في اقرار جملة من الاجراءات التي تجعل رؤية الكثير من الدوائر يضطرد عملها بدل ان يتصادم، وان هناك مواقع في الإدارة ما زالت تعطل وتؤجل تقديم فتاوى لا تصمد.
ما اكتشفته من إجابات كان يفترض أن أكتب بتوسع اكثر وأن اذكر اسماء، ولكن محدثي بدا انه يريد ان يبقى متواضعاً،
ولكنني اتجرأ وأقول انه لولا نفس الوزير وثقته وتشجيعه وسعيه في مجلس الوزراء لما اقرت الكثير من الاجراءات التي اصبحت ملموسة، فكثير من شكاوي المستثمرين لا تحتاج الى الذهاب الى القاضي … بل يستطيع موظف عام ومجتهد أن يحلها او يجد لها مخرجاً، إذا فكر بعقلية الدولة الشمولي، وليس بعقلية ضيقة . فيها ممارسة السلطة من خلال الوظيفة.
سأعود الى الكتابة مرة اخرى وبشكل اوسع، مستفيداً من المعلومات التي حصلت عليها وهي عديدة وسيلمس الكثير من المستثمرين الذين وجدوا حلولاً في الداخلية أن الأمور أسهل مما تعتقد كثير من الجهات التقليدية في الحكومة.ليس هناك اشياء مقدسة أو أبقار هندية لا يجوز المساس بها حين يتعلق الأمر بالمصلحة
المهم اين تقف المصلحة العامة ومن يراها ويجرؤ ان يدافع عنها ويتبناها في الداخلية.
الآن في الداخلية رجال امنوا بضرورة أن يخدموا وطنهم وأن يحلوا كثيراً من الاشكاليات ليصبح الامن.. في خدمة الاقتصاد والاستثمار وليس العكس.
يجب ان ينتهي زمن الذرائع وزمن ذبح لاستثمار قربانا .للامن لان الامن يتعزز بسلامة الاقتصاد الذي يشكل الرافعة الحقيقية للأمن فقد وصلنا ذات يوم الى قاع البئر نتاج الذرائع وبقينا نقول لا يمكن أن ننزل.
ليكن كل شيء في خدمة الوطن والمواطن، سواء الامن أو الاقتصاد ومع الاستثمار، ويجب فك ارتباط أو ارتهان اي مكون من هذه المكونات بحجة قضية مكون آخر.
اذا لم يستثمر الامن في بناء الاقتصاد الوطني وضخ الاستثمارات وتعظيمها، فإنه لا قيمة للأمن .. أمام جوع المواطن وحاجاته وبطالته.
لنعطي الخبز للخباز وهناك من يؤمن بالتوازن ويمارسه، ولا اريد أن استعمل مثلاً لا أحبذه وهو القول (لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم).
ولا يجوز استمرار خلط الذئب بالغنم وستكون الكارثة الكبرى حين نجد انه استرعى الذئب الغنم وبدات الخسارة.
أفكار الاستثمار في الداخلية بدأت تثمر وتؤتي أكلها ويستطيع الرئيس أن يطمئن وان يعظم العمل ويدعمه، طالما قام من يوقف شكاوي المستثمرين ويجد لهم الحلول وللوطن المنفعة