منذ نشأتها في العام 1921 والدولة الأردنية محاطة بالأخطار والتحديات فقد نشأت بموازاة أهم تحد في ذلك الوقت وحتى الآن وهو المشروع الصهيوني على أرض فلسطين وكاد هذا المشروع يمد أذرعه إلى شرق النهر لولا طبيعة المرحلة الإقليمية وإصرار الأردنيين والعائلة الهاشمية في ذلك الوقت على إقامة وطن موحد تحت حكم الأمير عبدالله والذي جعل بريطانيا وأمام هذه الرغبة والضغط تمارس كبح جماح المشروع الصهيوني ولجمه عند حدود قرار التقسيم بعد ذلك بحين، لكن لم يختف هذا الخطر بعد ذلك ابداً واستمر يهدد الأردن كيانياً ووجودياً.
ومثل الكثير من الدول العربية وبعد عقود من الصراع المسلح الدامي توصل الأردن مثل غيره إلى أن الحسم العسكري للصراع مستحيل في ظل دعم الولايات المتحدة والغرب عموماً لإسرائيل وأنتجت هذه المقاربة إلى أن اتفاق سلام مع إسرائيل يمكن أن يضمن الحقوق الأردنية وكذلك الأمن الأردني وينهي مطامع اسرائيل فيه وعلى هذا النهج سارت منظمة التحرير الفلسطينية على أمل تحقيق حُلم الدولة الفلسطينية، لكن كل ذلك تبخر بصعود اليمين الصهيوني الديني المتطرف والذي بدأ يعلن خططه التوسعية على الملأ دون خجل أو وجل، وبنتيجة الغضب الكامن من تعسر ولادة الدولة الفلسطينية ورفض اسرائيل الانصياع لما وقّعَت عليه من اتفاقات، بدأ الغضب الفلسطيني ينتج تنظيمات جديدة أكثر راديكالية كانت ذروة تجلياتها طوفان الأقصى وما تلاه من تدمير وابادة جماعية للفلسطينيين، وبسبب كل ذلك تولدت مجموعة لا متناهية من الأخطار والتحديات على كاهل الدولة الأردنية وعلى عدة مستويات تبدأ من المستوى الغزي والفلسطيني عموماً والداخلي الأردني وكذلك الإقليمي والدولي.
حجم التدمير والتخريب والقتل الذي أحدثته اسرائيل في غزة بعد الطوفان وضع الأردن وجميع الدول العربية في حرج كونها لم تستطع بكل ما تملكه من إمكانات التدخل لوقف هذا العدوان مما أوجد حالة من الغضب المبرر ناتج عن أمل الأخ بأخيه، أما البعد الفلسطيني عموماً والذي يأتي في صميم التفكير الاستراتيجي الأردني والذي بنى نظريته الإستراتيجية على أن الجزء الأهم من استقراره يتأتى عند وصول القضية الفلسطينية إلى مرحلة الحل بقيام دولة فلسطينية، ولأن هذا لم يحدث فهذا يبقي المنطقة غارقة في اللايقين والفوضى، طبعاً ينعكس كل ذلك على الداخل الأردني بشكل كبير، إذ إن البنية الديمغرافية الأردنية والتي تحتضن الملايين من المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية، وهؤلاء سيضعون جزءا كبيرا من اللوم على الدولة الأردنية خاصة ان الناس العاديين وبعض القوى الشعبوية لا تفكر بنفس العقلية التي تفكر بها الدول بل وترى نفسها متحللة من التفكير في طبيعة الإكراهات التي تواجهها الدول عند تعاملها مع القضايا ذات الأبعاد المتعددة وهذا يزيد الطين بلة.
ويُخشى أن يؤدي ذلك إلى انقسامات اجتماعية بشكل عامودي تتطور إلى اضطرابات اجتماعية، وقد احسنت الدولة عندما قررت استيعاب هذا الاحتمال بالانفتاح السياسي على إنشاء الأحزاب لأن من شأن ذلك أن يستوعب المواطنين بشكل أفقي ويؤطر مخاوفهم باتجاه عمل سياسي ينتج عنه الشعور بالمصير الواحد، طبعاً هذا مرهون بإدراك هذه الأحزاب لأهمية دورها الوطني في هذه المرحلة، ولا يقتصر الأثر على البعد الاجتماعي والسياسي الداخلي فالخشية من أن انتصار إسرائيل على قوى المقاومة الفلسطينية قد يفتح شهيتها كقوة بلطجة في المنطقة بالذات باتجاه الأردن وقد بدأت ذلك بادعائها أن الأردن هو مصدر تهديد بسبب وصول الأسلحة المهربة عن طريقه، ولأجل ذلك تفكر في إنشاء جدار عازل مع الأردن وإنشاء فرقة عسكرية لهذه الغاية، وهذا الأمر يشير إلى شيئين خطيرين أولهما أن حدود الأردن باتت مع اسرائيل وهذا ينسف فكرة الحديث عن دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، والثاني أن اسرائيل تُعد العدة لخلق المبررات للتدخل على الحدود الأردنية، وتصريحات الساسة الإسرائيليين في هذا الشأن لا تُحصى.
أما على الصعيد الإقليمي فإن الخشية تبدو اكثر واقعية عندما يتم الحديث عن صفقة ترسم حدود التحالفات على أساس الأقوى، وهنا تبرز ايران واسرائيل كفاعلين مهمين في هذا الشأن، فالخوف أن تصل القوى الدولية إلى قناعة بأن استقرار المنطقة مرهون بتحقيق مصالح الطرفين لأن الخيار الثاني بالنسبة للولايات المتحدة بالذات هو المواجهة الإقليمية وهذا يدخلها والجميع في أتون احتمالات معقدة يصعب التنبؤ بها، وكلا الرؤيتين مأساوي بالنسبة للأردن والعرب لأنه سيطلق يد الدولتين في الإقليم بدون رادع، وهذا يحتم على الأردن السعي لإقامة تحالف عربي وإقليمي يعتبر اسرائيل خطراً كبيراً ينبغي مواجهة احتمالاته الكارثية التي تهدد الأردن والمنطقة العربية، أما إيران فمن الواجب التعامل مع طموحاتها بحكمة لأن صراعاً عربياً إيرانياً سيكون هدية كبرى لإسرائيل ولكل الأعداء.