الشاعرة فلك الرافعي: بنت البلد عصفورة طرابلسية التمست انتماءً لإمارة الشعر

عروبة الإخباري –

اللواء – حاورتها الاديبة والروائية الأستاذة  ضحى عبدالرؤوف المل –

فلك الرافعي ابنة طرابلس الوفيّة لكل تفاصيلها، ابنة العلامة والدبلوماسي القاضي الدكتور مصطفى الرافعي، فهي ربيبة بيت كان معلمه فقيهًا وعالمًا ومجتهدًا وقاضيًا ومؤلفًا ودبلوماسيًا، مع مروحة من ثنايا وعطاف الحنان والتربية والمتابعة بحكمة وصبر ومراس من كبار. تدرجت في مدرسة البيت مُحبةً للعلم والاحترام والتواضع والشرف، مع التركيز على بناء الشخصية الذاتية، ومراعاة الميول العلمية للتخصص المطلوب والمنتقى المرغوب. نشأت في حرية تنتهي عند حدود الشرائع، فالتزمت وعند محاريب الأخلاق، فكانت الطليقة التي تشرفت بتربيتها، وكانت الملتزمة بما يكفل القيمة القصوى لمن جاهدوا وتعبوا في تذليل العقبات. وتعلمت عند كبار لا خيلاء ولا كبرياء تأخذهم إلى مراتع العدم. تقول ابنة طرابلس: “أحمل أكثر من مقاطع لأكثر القصائد مع أرجحية ودلال لقصيدة ‘لست الحبايب المسافرة الحاضرة’ والدتي أكرم الله نزلها ‘توجتك ملكتي'”. صدر لها “مصطفى الرافعي سيرة مستمرة” و”اكتبي يا فلك” وديوانها الشعري الأول “صورة شمسية لبنت البلد”. ومع الشاعرة فلك الرافعي أجرينا هذا الحوار:

 

–    الديوان الأول ومسؤولية الشعر، لماذا الوقوف عند رأس الهرم الأدبي ؟

إنه الديوان الشعري الأول وليس الإنتاج الأدبي الأول. فقد أصدرت كتابين قبله؛ الأول بعنوان “سيرة ومسار” وهو ملخص عن سيرة ومؤلفات والدي العلامة د. مصطفى الرافعي يرحمه الله، وبعده كتاب “اكتبي يا فلك” وهو عبارة عن تجميع مقالات اجتماعية وثقافية ونسيج سياسي كانت قد نُشرت في جريدة البيان الغرّاء. ومن ثم الديوان الأول. فالمَلَكة الأدبية عطاء كريم وتربية وتثمير، ومقاربة الشعر على قمة الهرم الأدبي نسيج من التلازم ومعارج للكاتب والقارئ والمستمع إلى رُبى التألق بالتساوي. فالأدب يلغي معادلة المسافة والعلو والارتقاء، لأن الاهتمام والتذوق الرهيف يجعلنا جميعًا على مستوى واحد، وتحليق واحد، وعزف على وتر المشاركة الثقافية. لقد خضت تجربة القصيدة النثرية من مخزون سهّل المَهمة، والكلمة الجميلة تسابق الكاتب لحجز مكانها بأناقة المقال ووردة باسقة بين الصدر والعجز في ميدان الشعر.

 

–   طرابلس والساعة الأثرية والحفر بالقلم شعراً ونثراً… هل هذا حنين لماضي طرابلس أم هو نظرة لمكانة طرابلس؟

ما بين المكانة والحنين شغف متين لمدينة ذاع صيتها وكانت درّة المدن العربية، حيث مدحها الشاعر المتنبي وأثنى عليها الرحالة النابلسي. كانت طرابلس “ثاني مدينة غنيّة بالآثار المملوكية بعد القاهرة”، وكان اسمها في غُرّة الزمن “المملكة الطرابلسية المحروسة”. هي “الأثر” اسمًا قديمًا ثم المدن الثلاث، هي مدينة العلم والعلماء وبلد الأصالة والشهامة والكرم والضيافة. نعم هو الحنين باللونين الأبيض والأسود من ريشة فنان يرسم بالقلم المعهود ثم الوارفة العارفة ولّادة أقواس الطيف بألوانه القشيبة الزاهية. هو الحنين الشغوف بتاريخها الأمجد، وهي المكانة العلمية الراقية المتأنقة بين العلم والفقه والأدب والشعر وحكايات يلف المعمورة بألف رباط من حرير عن سيرة أهلها الصيد. طرابلس أمانة التقوى في ذمة كل تاريخ، وعند بركات كل مؤرخ، وفي وجدان كل متصالح مع الواقع غير مرتجف من سرد سيرة مدينة خلوقة معطاءة. وهي، وإن غابت عن الخارطة السياحية، فهي الحفر والسكب الذهبي في احتفاظها بحضارتها رغم ألف جرح طال ثقافتها وتراثها وآثارها. مدينة لثقافة الحياة المجيدة ورفعت الأقلام وجفّت الصحف.

– ديوان “صورة شمسية لبنت البلد” مع غلاف يحمل الكثير في طياته من المعاني… فلك الرافعي بنت البلد بين القلم والصورة، ماذا تلتقط وأين هي حاليًا في هذا الزمن الإنقلابي على كل شيء؟

مهما حاول “الانقلابيون” فعبثًا يحاولون، فإن استطاعت الغيوم السوداء لوقت قصير حجب الشمس، فهي عاجزة عن حجب الضوء والدفء والعمارة المشيدة بسواعد مقدودة من صوان القلاع، لا يفت عضدها مراهقة الانقلاب على التاريخ والجهاد وزمن لا يُمحى من ذاكرة عصية على الإلغاء والكيد والتغافل. وصورة بنت البلد حكايات من أدبياتنا ومودتنا وأحلامنا حيكت من رونق وورق لا يبلى وزورق لا يغرق، لأن القبطان والبحارة خبروا الموج وجعلوه ألفًا ودودًا، والعمق ليس السحيق بل المساحة الواعية والهادفة. ولا مكان عند أهل البلد أن يعطوا سمة دخول للخرف المبكر أو أية نزعة إلغائية، تبقى البلد بريشة من يحمل ريشة ولونًا وقلمًا وقرطاسًا وضميرًا ليس برسم البيع ونباهة تطيح بكل مساس بطهر وقامة ومقام مدينة. فكل قصيدة، وإن حملت حقيبة الحب، فهي للوطن والمواطن والتوثيق ملتحفة عباءة سياسية توعوية وتنبيهية، فلا تفريط ولا إفراط لا بالحقوق ولا بقنص ما ليس ملكنا. بنت البلد عصفورة طرابلسية التمست عند باب إمارة الشعر انتماءً لا لجوءًا، مع مراعاة التنوع بلا مفاضلة رقمية أو أوسمة مختلفة المعادن. بنت البلد كل تراثنا الاستمرار بثقافة العرب بتوقيع قلم مداده من ماء الذهب.

–    ما بين “اكتبي يا فلك” و”صورة شمسية لبنت البلد”، ما هو القاسم المشترك بينهما، وهل القصيدة هويتك الجديدة؟

ما بين “اكتبي يا فلك” و”صورة شمسية لبنت البلد” هو التوأمة المتناغمة كتختٍ شرقي فيه التنوع، إنما من مشرب واحد، وإيصال الرسالة بكل أمانة، كالتكامل الموسيقي وحرفية كاتب ومهارة موسيقار وأداء مرتجى أن ينال حظًا من القبول. في مقالتي كنت أنا “المحاولة” أن أقول بجرأة لا يخالطها أذى شخصي مثل باكورة مقالاتي بعنوان “كليلة ودمنة بالمقلوب” بلسان العرب، وإنما بنمطية المبدع عبد الله بن المقفع وشخصياته الرائعة “بيدبا الفيلسوف ودبشليم الملك”، واستطعت بفضل الله سبحانه أن يصل الهدف المنشود والمرتجى. كنت السياسية التي تحاكي أوجاع الناس دون التصويب القاتل الدموي، بل أحيانًا أشعر أن الكلمة الرشيقة والشفافة تعطي المفاعيل المقصودة. وفي الديوان الشعري كان المكمل لأبجدية تفاصيلها مختلفة بالظاهر وجمالية في المضمون ووحدة الكلمات تنام آخر الليل في صندوق الوجدان الهرمي. فالمجتمع لا يعمل عملًا واحدًا بل متنوعًا، وإنما متكاملاً مع باقي الأعمال. مروحة تتضافر للنجاح وباقة من ورود مختلفة العطور، لكنها تأخذ علامة الجودة في مفرداتها وتنوعها. والجدير بالذكر أن كل قصيدة في الديوان لها لوحة فنية بريشتي تعكس مضامينها، وهنا يلتحم القلم والورق والحبر والريشة واللون كقصة الرغيف منذ القطرة الأولى لولادة السنبلة والبيدر والطاحونة الأنيقة والدقيق المجبول بعطر الأرض والفرن. الحروق ليست للتشويه بل لنضج الرغيف والحاجة إليه، مشوار ثقافة الحياة بالعمل التعاضدي. باقة شكر وعطورها المتأنقة للباحثة الجديرة والكاتبة المتألقة والمحترمة الأستاذة ضحى عبد الرؤوف المل على مبادرتها الميمونة لتسليط الضوء على ديواني الجديد الذي ارتقى بمعالجتها الماهرة وحرفيتها الخلّاقة. وكل التقدير لجريدة العرب والوطنية الأصيلة والمصداقية بين الحدث والواقع والتحليل الراقي درّة صحافتنا اللواء، الاسم على المسمى لواء الكلمة الصادقة والحلّة الأنيقة والأقلام المرموقة.

من خلال الحوار تكتشف أن كلماتها تنبض بفخر كبير بطرابلس وبعائلتها، مما يعكس اعتزازًا عميقًا بالتراث الشخصي والجغرافي. فلك الرافعي تتحدث بحب شديد عن مدينتها ووالدها، مما يدل على علاقة نفسية قوية ومتجذرة بالهوية والتراث.  هناك شعور بالمسؤولية تجاه تراث العائلة وإرث والدها، والاحترام الكبير لمجال الأدب والشعر. يتجلى هذا في حرصها على الحفاظ على القيم والأخلاق وتقديم عمل أدبي يعكس الجهد والتفاني في تقدير الثقافة.    يظهر من خلال الحوار أنها تواجه التحديات والصعوبات بتفاؤل وتصميم. التزامها بالمبادئ الأخلاقية وتفانيها في إظهار الحب والشعور بالمسؤولية يظهر ثقة عالية بالنفس ورؤية متفائلة للأدب والدور الذي تلعبه في المجتمع.

الحوار يسلط الضوء بشكل واضح على أهمية التراث الثقافي والهوية، لا سيما من خلال تناول موضوع طرابلس وتاريخها. تشير فلك الرافعي إلى الحنين للماضي والمكانة المتميزة للمدينة، مما يبرز اهتمامها العميق بالحفاظ على الهوية الثقافية. كما   يناقش الحوار تفاصيل حول مسيرتها الأدبية، بما في ذلك كتبها وأعمالها الشعرية. يُظهر التركيز على “الديوان الأول” و”اكتبي يا فلك” اهتمامًا بتنويع الأعمال الأدبية وتقديم تجربة متكاملة بين الشعر والنثر.

الأسلوب الأدبي واللغة المستخدمة تعكس نوعًا من الأصالة والعمق. تتميز بنهج متوازن بين الأسلوب الأدبي العميق والقدرة على التعبير بوضوح عن الأفكار والمشاعر. كما أن إشاراتها إلى “الانقلابيين” و”الزمن الانقلابي” تعكس اهتمامها بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

من خلال الحوار، يتضح أن هناك هدفًا واضحًا للتواصل مع جمهور أوسع وتعزيز الوعي الثقافي. الاستعانة بلغة قوية وتعبيرات مؤثرة تُظهر حرصًا على التأثير الإيجابي وتعميق الفهم لجوانب ثقافية وأدبية هامة.

الرسالة التي تحملها فلك الرافعي واضحة هي الحفاظ على التراث، تكريم الرواد في الأدب، والتأكيد على أهمية التعليم والثقافة. تتناول الحوار بشكل يجذب الانتباه ويعكس الجهود المبذولة في تعزيز القيم الثقافية والأدبية.

من المرجح أن يكون للحوار تأثير إيجابي على جمهورها من خلال تقديم نموذج يحتذى به في الحفاظ على الهوية الثقافية والتزامها بالأدب. كما أن التركيز على القضايا الاجتماعية والسياسية يعزز من دورها كناشطة ثقافية وإعلامية.

الحوار يظهر فلك الرافعي كشخصية أدبية معقدة ومؤثرة تجمع بين الحنين للماضي والالتزام بالحفاظ على التراث الثقافي. تعكس الكلمات المستخدمة والأسلوب الأدبي الرفيع إحساسًا بالمسؤولية تجاه تعزيز الثقافة والأدب. من الناحية الإعلامية، يتضح أنها تهدف إلى توصيل رسائل مهمة بخصوص التراث الثقافي والتحديات المعاصرة، مما يجعلها شخصية بارزة في المشهد الثقافي والإعلامي.

Related posts

مبادرة “فرسان الإعلام العربي” لتكريم الإعلاميين في الوطن العربي

كتب الإعلامي سماح مطر قصة رَجُل من رجال الإستقلال اللذين أسسوا دولة لبنان

قطر ضيف شرف «معرض الرياض الدولي للكتاب 2024»