رحل فاروق القدومي

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –

رحل ابن قرية جينصافوط جوار قلقيلة عن عمر (93) سنة وهو مشوار طويل أمضاه في الحركة الوطنية الفلسطينية حيث كان من القيادات المؤسسة في حركة فتح، وقد شغل فيها مواقع عديدة، أبرزها رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية كما انه أمين سر حركة فتح.
كان فاروق القدومي سليل أسرة اقطاعية في جينصافوط، “أسعد باشا الأحمد القدومي” وعاش يتيماً فاحتضنته العائلة ودرس في قريته جينصافوط، وفي يافا وعكا، وحين كان عمره (18) سنة وحيث كانت الضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، بعد وحدة الضفتين، فقد التحق فاروق القدومي بالجيش الأردني ليجند في القوات المسلحة عام 1949، ولكنه ما لبث في عام 1950 أن سافر الى السعودية ليعمل في شركة ارامكو في مجال النفط وفي عام 1954 أي بعد اربع سنوات التحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة ليتخصص في دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية وتخرج عام 1958، ثم توجة ليعمل بعد تخرجه في ليبيا في مجلس الاعمار الليبي، ثم عاد الى السعودية ليعمل في وزارة النفط، ولم يبقى طويلاً فانتقل للعمل في الكويت عام 1960، حيث كانت الكويت وجهة الكثير من الفلسطينيين.
كان مهتما بالسياسة دراسة وممارسة، حيث انتسب لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو في السعودية، وكان الراحل عبد الله الريماوي أحد قيادات حزب البعث في فلسطين وقد اثر فيه حين كانت يدرسه في مدرسة العامرية في يافا، وقد التقى فاروق القدومي الملقب بأبو اللطف، مع ياسر عرفات اثناء دراسته في مصر والتقى كذلك هناك مع أبو اياد (صلاح خلف) وكان القدومي حينها امين فرع حزب البعث في مصر، والتقى أيضاً باحد الضباط الأحرار من الأردن في القاهرة وهو سعيد السبع واطلع منه على فشل تجربة الاحزاب السياسية في الأردن، وهذا ما دفع القدومي للانتساب الى فتح (حركة التحرير الوطني الفلسطيني بعد قيامها بعمليتها الأولى عام 1965، وفي عام 1969، أصبح رئيساً لدائرة التنظيم الشعبي، ويتم بعدها، أي بعد عملية فردان التي اغتالت فيها اسرائيل القادة الثلاثة (كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار) ان انتقل الى موقع الدائرة السياسية،في المنظمة
كان في الأردن قبل عام 1970 وقد رأيته لأول مرة في منطقة الكرامة قبل معركتها بشهرين وقد كان يتحدث لنا كطلاب في الجامعة الأردنية انذاك حين كان للمقاومة قواعد في الأغوار ومنطقة الكرامة.
وبعد عام 1970 غادر القدومي الأردن الى سوريا ومنها الى بيروت، وحين خرجت فصائل المقاومة من بيروت انتقل الى تونس عام 1983، بعد اجتياح إسرائيل لبنان.
ظل القدومي يمثل مواقع قيادية وعرف بتمسكه برأيه وصلابة مواقفه، وحين قبلت القيادة الفلسطينية اتفاق اوسلو رفضه القدومي بوضوح وحذر منه وقاطعه وحرض عليه ولم يقبل الرجوع الى الضفة الغربية حين عادت قيادات فتح وكوادرها وظل محتفظاً بموقعه في المنظمة، وحين رحل الرئيس الشهيد عرفات ظل القدومي على مواقفه الرافضة لاوسلو كما ظل ضد الخلاف بين فتح وحماس وظل يعتقد بخطورة هذا الخلاف وتأثيره على الوحدة الوطنية والقضية الفلسطينية، ووصف الخلاف واستمراره بانه سيقود الى صراع دموي بين الفصائل الفلسطينية وهذا ما حدث في غزة حين انقلبت حماس على السلطة الفلسطينية وانفردت بحكم غزة.
كما انتقد أجهزة السلطة الأمنية وخاصة جهاز غزة وقائده محمد دحلان، الذي كان مستشارا للأمن القومي الفلسطيني فيما بعد
اعتبر فاروق القدومي السلطة الفلسطينية، سلطة وهمية، ماتت بموت اوسلو الذي مات بموت اسحق رابين الشريك فيه.
وكان القدومي ضد أن تخوض حماس الانتخابات التشريعية من خلال اوسلو لتشارك في السلطة الفلسطينية، وقال أن خوض حماس للانتخابات يعني القبول بأوسلو، وأن دخولها السلطة يعني ان اسرائيل لن تتعامل معها وكان نصحه لها ان تظل في المقاومة لا السلطة خلف فتح وعندها سيلتف الشعب الفلسطيني حولها.
واعتبر القدومي ان ترك الكفاح المسلح خطيئة كبرى، وقال ان التخلي عن الكفاح المسلح والمقاومة كان العامل الرئيسي لما حصل من انعكاسات داخلية وخارجية، وكان له في ذلك نفس رؤية أبو اياد صلاح خلف وكان صديقاً له وكذلك ابو جهاد وابو داوود وعباس زكي، إذ جمعتهم روية متقاربة حول مسألة المقاومة والكفاح المسلح.
رحل القدومي صاحب الرأي وقبول الرأي الآخر، رحل وهو ما زال في منظمة التحرير الفلسطينية لم ينقطع منها ولم ينقلب. على رفاقه بل تعايش مع خياراتهم دون أن يوافق
كنت التقيته عند الدكتور رمزي خوري رئيس الصندوق القومي الفلسطيني في مكتبه،في عمان وقد تحدثنا عن تجربة تونس وكان ابو اللطف متوعكا ويحمل عصاه وكان الدكتور رمزي يقدره ويحبه ويتابع طلباته، لم ينقطع القدومي عن الناس إلا أخيرا بسبب مرضه فقد بقي على صلة وكان يتألم كثيراً لما يجري في غزة وقد أدركه الهرم، واستفجل به المرض والعجز ورحلت زوجته التي كان يحبها دون أن يعرف يومها، فقد كان متعباً وقد رحلت قبله وهي التي رافقت مسيرته وناضلت معه في صفوف النساء الفلسطينيات ورعت الكثير من الطالبات الجامعيات في القاهرة ووجهتهن.وظلت على صلة قوية بالنضال الفلسطيني
كان القدومي علماً بارزاً وقائداً مناضلاً ومثقفاً لامعاً وشخصية سياسية ودبلوماسية ثورية، ستبقى الأجيال تذكره.
فقد كان موسسا في حركة فتح وأحد كبارها المؤسسين ورفيق الرئيس عرفات وقد عرفته المحافل السياسية العربية والدولية.
يليق به ان يذكر وأن يحتفى به وأن تخلد السلطة وقياداتها اسمه وان تدون مذكراته وتنشر وتسمى باسمه شوارع وقاعات، فقد انضم الى كوكبة الراحلين المؤسسين امثال ابو جهاد وابو اياد وابو عمار.
رحم الله فاروق القدومي لما قدم لقضية شعبه والعزاء لأهل الراحل أسرته وذويه واهل بلده وإخوته ورفاقه وللشعب الفلسطيني ولقائده الرئيس محمود عباس وقيادته على الخسارة الكبيرة.التي تحققت برحيل ابو اللطف وانا لله وانا اليه راجعون

Related posts

رئيس حزبي لمجلس النواب العشرين*أ. د. ليث كمال نصراوين

من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟* حسين الرواشدة

توجهات إيجابية في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص* د. محمد أبو حمور