في الذكرى الرابعة عشرة لرحيله… أحمد السقّاف… عندما كانت «المجالس مدارس»

النشرة الدولية –

الجريدة – نشمي مهنا

من نِعَم الملتقيات اليومية التي جرت في نسق المجتمع الكويتي، كعادة وتقليد وموروث قديم جداً، ما يسمى شعبيا «الديوانية»، وهذا السلوك الاجتماعي الأصيل يجمع المتقاربين حسب مكان السكن أو صلة القرابة أو الهواية أو غيرها من صلات.

 

وجود القامات الكبيرة من رموز الأدب والثقافة في «ديوانية» رابطة الأدباء واختلاطهم وأحاديثهم مع الأجيال الجديدة بتواضع هو النعمة الثانية الأهم. يقال في إحدى المرويات الشعبية بأن «المجالس مدارس»، وقد كانت مجالسهم فعلاً كذلك، بوجود أحمد السقّاف وعلي السبتي وخليفة الوقيان وسليمان الشطي وسليمان الخليفي وغيرهم.

 

حضور السقّاف ومجموعة الكبار في أمسيات ديوانية رابطة الأدباء كان التاريخ عندما يُروى شفوياً، التاريخ المعيش والمستعاد والحقيقي بصدق الرواية والراوي، محطات غير مرصودة أو صفحات مطوية يغالبها النسيان، لكنها تعود طازجة عندما تُفتح بين المتحاورين وقريبة في أذهان شهودها وأبطالها.

 

سؤال الحريات

 

في التسعينيات شغلني سؤال غياب الحريات والديموقراطية عن أولويات الأنظمة العربية وخصوصاً تجربة عبدالناصر، فتحيّنت الفرصة لسؤال السقّاف وهو الأقرب لهذه التجربة وزعيمها، فكان الرد وكأنه بدهي بالنسبة له، حيث لم تمهلهم الحروب والعداوات الخارجية لإفشال «الناصرية» فكان الهَم هو «الحرب أولاً»، الإجابة كانت مشابهة عندما توجهت بالسؤال للراحل عبدالعزيز الصرعاوي.

 

نصحني الاثنان بقراءة الظروف المحيطة في ذلك الزمان، وعدم قراءة الماضي بعقلية العصر الآني، فلكلّ أولوياته وظرفه. مهما كان التقبّل والاقتناع إلا أننا في تسعينياتنا القريبة كان بإمكاننا أن نفخر بوجود مراجع ثقة وشهادات حيّة وصادقة على عصر مضى.

 

جلسة الشاي والوصية

 

السقّاف كرجل المهمات الثقافية والمشاريع التنويرية كتأسيس مجلة «العربي»، لا تقف موهبته عند الكتابة الشعرية، وإنما كغيره من مثقفي ذاك الزمان، كان منذوراً «للعمل الثقافي» وكل ما يخدم بلده الناهض، كمجايليه عبدالعزيز حسين وأحمد مشاري العدواني أو عمل خليفة الوقيان وسليمان الشطي وإنجازاتهما في المجلس الوطني للثقافة، وهنا يبرز الدور التنويري لرجال الثقافة.

 

في التسعينيات، وفي سنواته الأخيرة، دعاني الراحل الكبير السقاف باتصال هاتفي لزيارته في منزله لجلسة شاي، الدعوة بالطبع كانت مفرحة وحميمية، خرجت منها بوصايا قيمة، مسبوقة بالتشجيع: مهما كان من أمر الخلاف بين الدول العربية وسياساتها، قلمك نابض بالعروبة، فليخدم ما يقرّب بين الشعوب العربية ووحدتها، حتى لو كانت الأجواء حالياً مخالفة لهذا التوجّه.

 

(تنشر بالتزامن مع مجلة البيان الأدبية)

Related posts

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار

انشاء سوق طوعي لأرصدة الكربون قد يساعد شباب ريادة الأعمال على إيجاد فرص عمل* د. حازم الناصر