عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
رغم شهرته التي حققها جهاده العظيم واستشهاده كبطل في معركة القدس عشية حرب 1948/ الاّ أن المجاهد والقائد الكبير إبراهيم أبو دية، لم يحظ بالاهتمام الموجب، كما حظي الكثيرون من الذين ربما لم يبلغوا قامته ولم يبلوا بلائه، ويظل اسمه وسيرته برسم التحدي أمام الباحثين والمؤرخين والمناضلين على درب تحريرفلسطين والتضحية من أجلها حتى ينصفوه.
بعد أن كتبت عن الراحل الكبير والقائد الصلب عزت دروزة، كنت أمر على إسم إبراهيم أبو دية، المولود عام 1919، والمتوفي 1952، بعد جراح في معركة شلته واقعدته،
قلت لنفسي أن أبو دية يحتاج الى كتاب عنه، وجاءت الصدفة أن التقي ابن اخيه الذي يحمل اسم إبراهيم ابو ديه (أبو الهيثم، )فكان السؤال الاول، هل تعرف ابو دية المجاهد القائد؟ نظر الي وقال إنه عمي، فقلت في نفسي، وصلنا، دعني اسأل وبدأ يتحدث … وعرفت ان كاتبة لبنانية قد كتبت عنه فطلبت منه أن يعيرني الكتاب لأصوره ووعدني.
إبراهيم أبو دية، هذا الاسم كان يرجف منه الصهاينة في منظماتهم الإرهابية حول القدس وقبل احتلالها كان رئيس أركان عبد القادر الحسيني ومساعده الأول، وقد كان الحسيني يثق به ويسلمه المهام الصعبة والاستراتيجية لما يمتاز به ابو دية من مقدرة على التعبئة وجمع السلاح وتوفيره وايصاله للمجاهدين في كتائب الجهاد المقدس.
كان أبو دية مقاتلاً صلباً لا يعرف الاستسلام ولا تتعبه الإصابات والجراح عن مواصلة عمله ونضاله وعن تقدمه الصفوف وخدمته للمعركة.
ولد في مدينة صوريف ذمن مناطق الخليل وكان من أسرة فلاحية فقيرة، فما أن بلغ عمره (13) سنة حتى بدأ ينخرط في العمل مع الثورات في مهمة التواصل بين الثوار في منطقة القدس والخليل وأبدى شجاعة وجلد وصبراً وقوة تحمل أهلته لمهمات الكبار.
شارك إبراهيم أبو دية في أبرز المعارك التي شهدتها النكبة كمعركة القلمون ومعركة القسطل التي استشهد فيها القائد عبد القادر الحسيني في 7 / 4 / 1948، وقد أصيب أبو دية بسبع رصاصات سببت له الشلل، فخرج للعلاج في لبنان ولم يعطي نفسه إجازة أو وقتاً للراحة رغم تحذير الأطباء له فكان يطوف على اللاجئين ممن تركوا بلداتهم وهو محمول على يد رفاقه ليزرع فيهم الأمل والمقاومة، وقد تلقى العلاج في مستفى الجامعة الأمريكية في بيروت، وأصبح مقعداً وظل .. من جراحه الجسدية والنفسية حتى توفي عام 1952، ودفن في بيروت، واصبحت سمعته وذكراه في أغاني .. نساء فلسطين ووجدانهن، كما كتبت في سيرته القصائد ومنها:
لـك إبـراهيمُ فـي شـعـبك ذكـرى… تـمـلأ ُ الأنـفـس إعـجابـاً وفخرا
عشت ليثاً في ربى القدس
وفي…
هامة القسطل قد حلقت نسرا
ليت صـوريـف الـفدا قد أنجبت… بدل الواحد مـن مـثـلـكَ عـشرا
وكان هذا من رثاء الشاعر يوسف الخطيب على قبره في بيروت.
تزوج الشهيد إبراهيم أبو دية لسنوات قليلة ولم ينجب أطفالاً، ولكن عائلته أبرته وحفظت اسمه وما زلت اتطلع أن اكتب كتاباً عنه وعن جهاده الموصول منذ صغره وعن المعارك التي خاضها، فقد كتبت عن عزت دروزة وعن الراحل الشهيد القائد أبو جهاد، وعن الشهيد أبو أياد، وأتمنى أن يتوفر لي الوقت والامكانية لاكتب عن هذا المناضل الفذ الذي قال عنه المؤرخ عارف العارف، (لولا إبراهيم أبو دية لاحتل اليهود القطمون من أوائل شهر نيسان لكن ثبات هذا الرجل اجل احتلاله شهراً كاملاً والفضل يرجع اليه والى رفاقه.
انخرط في ثورة عام 1936، وكان شاباً ورافق القائد عبد القادر الحسيني عام 1934، وتنقل يحمل السلاح ويحضره معه من مصر الى فلسطين رغم المعاناة، ولم يبك في حياته الا حين قرأ وصية عبد القادر الحسيني حين استشهد بعد أن عاد من دمشق وخذلته القيادات العربية ولم تعطه السلاح ولم تنصره، وقد كتب الحسيني وصية يومها بعد أن خاطب مندوب الجامعة العربية في الاجتماع غاضباً “لقد اًصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال وليس باستطاعتي ان احتل القسطل الاّ بالمدافع، اعطني ما طلبت منكم وانا كفيل بالنصر
وقد صمت اسماعيل صفوت باشا،وصمت المؤتمرون، فخرج عبد القادر غاضباً دون وداع وكتب في 6 / 4 / 1948، قبل استشهاده بيوم مذكرة الى الأمين العام للجامعة العربية فيها: (اني احملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون او سلاح”
حين قرأ المجاهد ابو دية وصية قائده عبد القادر، بكى وأحس أن ظهره قد قصم، فما اشبه البارحة باليوم، لقد توجه الحسيني في اليوم التالي بكل عزيمة الى معركة القسطل ليستشهد ويحسم علاقته بمن خذلوه من القادة العرب.
أما ابو دية فقد واصل المقاومة، فقد خاض معركة صوريف ومعارك باب الواد واللطرون والقسطل، وكانت اصابته البليغة التي ادت الى استشهاده في معركة رامات راحيل جوار القدس، حيث أصيب في عموده الفقري، فنقل الى المستشفى في بيت لحم ولم يسستطع الاطباء انقاذه، فنقل الى بيروت، وهناك توفي في مستشفى الجامعة الأمريكية عام 1952، ودفن في بيروت في المقبرة الرئيسية واطلق اسمه على مدرسة في مدينة الخليل.
لم يتمكن من مواصلة دراسته ودرس على نفسه وكان ابوه فقيراً، يعمل حلاقاً، .. تزوج عام 1943، ولم يعش حياة الاسرة لمواصلة جهاده.
وفي التاريخ أنه ولد يوم مماته.
ولعل أروع ما كتب عنه هو ما كتبته السيدةالسكاكيني وهي اخت المربي والكاتب الشهير خليل السكاكيني، وهي رسالة عظيمة لا يتسع المجال لايراد مضمونها.