المهرج عبر العصور…* الجازي طارق السنافي

في القرن الثاني عشر، ظهر في بعض الوثائق مصطلح «فولوس» أو Follus وتعني أحمق أو مهرجا، بعدما سادت اخبار عن حصول المهرجين على أراض وفدادين هدية مقابل «الخدمة الجليلة» التي قدموها للبلاط آنذاك، وفي عهد هنري الثاني، حصل احد المهرجين الذي يدعى رولاند لوبيتور على 30 فدانا مقابل التهريج في البلاط وهي مكرمة كبيرة بالنسبة لمهرج.

في تلك الفترة الزمنية وما بعدها، راج وجود المهرجين أو كما يطلق عليهم Court Jesters، بشكل ملحوظ في البلاطات الملكية الغربية وتحديدا بين الطبقات البرجوازية، حيث كانت وظيفة المهرج ببساطة هي الترفيه من خلال ارتداء لباس المهرج الشهير والقبعة الكبيرة وتلوين الوجه بشكل مبالغ فيه، ليحصل على بعض المال أو الأرض مقابل هذا الترفيه، الذي كان يعتبر «وظيفة» في القصور، كان يجب على المهرج الذي يعين في البلاط أن يكون فطنا ويملك «مهارات» في الرقص والغناء والقص وغيرها، وأحيانا يجب على المهرج أن يحط من قدر ذاته ويهين نفسه ليسعد من في البلاط أمام ضيوفه. وبالرغم من كل ذلك فإن للمهرج «الكلاسيكي» احتراما في القصر لأن التهريج بالنهاية «وظيفة» ، وبعد عصر الثورة الصناعية، وتطهير الامبراطوريات، خرج الكثير منهم للبحث عن جماهير جديدة وحرية أكبر. حتى اصبح دور المهرج لا يقتصر فقط على العروض المسرحية أو في السيرك وغيرها من المراكز الترفيهية بل اصبحوا يتواجدون في شوارع المدن ليحصلوا على بعض المال مقابل الترفيه.

قد يختلف اليوم – بعض الشيء – عن الأمس، فمراحل تطور المهرج أصبحت أوسع انتشارا بسبب التطور التكنولوجي وتنوع التطبيقات التي ساعدت على انتشار اكثر «للمهرجين المعاصرين»، إذ يتواجدون في مختلف التطبيقات ويهينون انفسهم من اجل بعض الهدايا التي ترسل لهم والتي غالبا ما يتم تحويلها إلى أموال في حساباتهم البنكية، ولكن في هذه المرة ليس من قبل الطبقة البرجوازية، بل من كل من «هب ودب» وقد تداخلت وظيفة المهرج مع وظيفة الشحاذ، أي ان المستخدم أصبح يعمل أي شيء/ أو لا شيء بأي طريقة وأسلوب ليشحذ المال من خلال تلك التطبيقات، أصبح التهريج المعاصر أداة لبيع الكرامة وشراء المال، حتى ظن الآخرون أنها وظيفة الأحلام التي لا تتطلب أي مهارة ولا حرفة ولا ذكاء ولا فطنة، بل كل ما يتطلبه «أحمق Follus» يحمل هاتفا وكاميرا.

انتشرت مؤخرا حسابات – للأسف – لشباب وبنات وكبار وصغار، كل همهم «الفلس» لا همهم سمعة، ولا كرامة، ولا خلق ولا رزانة، إعلانات عشوائية، تهريج وإسفاف، إهانة للذات، واستقبال جميع أنواع الإهانات والتنمر من خلال البث المباشر وكما يطلق عليه «لايف ستريم» حتى يحصلوا على بعض المال وترخيص النفس مقابل المال، أصبح المبدأ الرئيسي والغاية هو كيفية الحصول على الأموال بأي أسلوب. لم تعد الوظيفة العادية البسيطة مثار اهتمام، ولم يعد التعليم اساسيا في ظل وجود تطبيقات تلمع وتبرز من لا قيمة له. ولم يعد الخلق الأعلى هو الطموح، هذه التطبيقات كسرت جميع قواعد الحياة الطبيعية، وجعلت الكثيرين ينجرفون خلف تطبيقات مجانية لها أجندات مخفية وصار المستخدمون/ المهرجون هم البضاعة.

بالقلم الأحمر: حتى الكرامات صارت تباع وتشترى.

AljaziAlsenafi@

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري