رؤية ملكية تواكب العصر.. المحكمة الدستورية مرجعية عليا لحماية سمو القوانين

عروبة الإحبباري –

بعد نحو 92 عامًا من نشأة الدولة الأردنية الحديثة، شهد عهد جلالة الملك عبدالله الثَّاني، إنشاء أول محكمة دستورية في الأردن، لتكون مرجعية عليا لمراقبة تطبيق القوانين والأنظمة النَّافذة في الأردن وتفسير نصوص الدستور وحمايته والمحافظة على سموه، وسمو العمل القضائي الاردني المُواكِب لتطور الدولة على الصعد كافة.
وأثمرت التوجيهات الملكية السامية بإنشاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عام 2021 عن مقترحات تم اقرارها في التعديلات الدستورية عام 2022 تضمنت توسيع سبل الوصول إلى المحكمة الدستورية من خلال إضافة محكمة الموضوع، بعد أن كان ذلك مقصورا على السلطة التنفيذية والتشريعية ومحكمة التمييز.
وتختص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير الدستور من خلال ترسيخ مبدأ سمو الدستور على غيره من التشريعات، لتؤكد مبدأ الحياد والشفافية في بيان مشروعية نشاط مؤسسات الدولة وأعمالها لخدمة الوطن.
وأنشئت المحكمة الدستورية ومقرها العاصمة عمان بموجب التعديلات الدستورية التي طرأت على الدستور الأردني عام 2011 حيث جرى إضافة فصل خاص بإنشاء المحكمة الدستورية في المواد 58 و59 و60 و61 من الدستور وتعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وتتألف من 9 أعضاء على الأقل من بينهم الرئيس، وصدر لهذه الغاية قانون المحكمة الدستورية رقم 15 لسنة 2012 وتعديلاته وتضمن أحكاما إجرائية وموضوعية خاصة بتنظيم المحكمة وتشكيلها وممارسة مهام العمل فيها وفقا لأحكام القانون.
وتولى رئاسة المحكمة منذ إنشائها وحتى اليوم وعلى التوالي وبموجب إرادة ملكية سامية: القاضي طاهر حكمت من العام 2012- 2018، القاضي هشام التَّل من العام 2018 – 2023، والقاضي محمد مد الله المحادين من العام 2023 وحتى الآن. وأصدرت المحكمة أول قراراتها الدستورية قبل 11 عامًا وتحديدا يوم 16 كانون الثاني من العام 2013 أي بعد عامين من تأسيسها، وفيه قالت المحكمة، “إن مجلس الوزراء لا يملك صلاحية منح اي امتياز له علاقة باستثمار المناجم أو المعادن أو المرافق العامة مهما كان مقدارها ما لم يتم التصديق عليه بموجب قانون”، وجاء هذا القرار بعد طلب من مجلس الوزراء لتفسير المادة 117 من الدستور والقيام بهذه الخطوة دون الحصول على قانون.
تقول دراسة لعضو المحكمة الدستورية الاستاذ الدكتور نعمان الخطيب بعنوان “دور القضاء الدستوري في تطوير الأنظمة الدستورية والسياسية”، إنَّ الدساتير الأردنية التي صدرت في الأعوام 1928 و 1946 و 1952 لم تمنح أي جهة قضائية حق الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وتصدى القضاء بمختلف أنواعه لهذه الرقابة وقضى بعدم دستورية بعض النصوص أثناء نظره لبعض القضايا المدنية او الجزائية أو الإدارية لكن تلك الرقابة لم تتعد حقها في الامتناع عن تطبيق القانون أو النظام المخالف للدستور ولذلك وصفت تلك المرحلة من الرقابة برقابة الامتناع.
ويضيف الخطيب، بموجب التعديلات الدستورية الواسعة التي أجريت على دستور المملكة لعام 1952، حملت هذه التعديلات إضافة فصل بعنوان “المحكمة الدستورية” ليكون بمواده الخمس أساسا دستوريا لنشأة المحكمة الدستورية، تكون هيئة مستقلة تتولى الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة ويحق لها تفسير نصوص الدستور.
وأكدت دراسة الخطيب التي اطلعت عليها (بترا) أنه ومنذ أن باشر القضاء الدستوري عمله عبر المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة امتناعا أو الغاء وهو يوفر الآلية المناسبة لحماية الدستور وضمان سموه وهو في نفس الوقت يوجه خطاباته المتتالية إلى السلطات كافة بضرورة احترام الدستور وعدم الخروج عليه نصًا وروحًا. ويبين في دراسة مقارنة أخرى له عام 2019 واطلعت عليها (بترا) وحملت عنوان: “تفسير نصوص الدستور الأردني”، أن المحكمة ومنذ مباشرة أعمالها عام 2012 خطت خطوات علمية وعملية إيجابية في تفسير نصوص الدستور آخذة بعين الاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة الأردنية وآفاق التطور والإصلاح الملازم للدولة المدنية الحديثة بما تملكه من إمكانيات وما تواجهه من تحديات مع فهم وإدراك واسع لما يفرضه النظام العام وما تتطلبه المصلحة العامة.
وصدرت الإرادة الملكية السامية بالمصادقة على قانون المحكمة الدستورية يوم 6 من حزيران عام 2012 ويتكون من 37 مادة، وأصبح ساري المفعول بعد مرور 120 يوما من صدوره في الجريدة الرسمية وتنص المادة الثالثة منه في الفقرة (ب) على أن المحكمة تتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، بينما نصت المادة الرابعة من قانونها على أن المحكمة تختص بالرقابة على القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور.
وتشير المادة 5 من قانون المحكمة إلى أن الملك يعين رئيسها واعضاءها لمدة 6 سنوات غير قابلة للتجديد، وهم تسعة أعضاء بمن فيهم الرئيس، ويشترط في العضو أن يبلغ الخمسين من العمر ويحمل الجنسية الأردنية لا سواها، وممن خدموا قضاة في محكمة التمييز والعدل العليا ومن اساتذة القانون في الجامعات الأردنية الذين يحملون درجة الاستاذية، ومن المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن 15 سنة في مهنة المحاماة، ولا يشترط القانون في المادة 6 أن يكون أحد الأعضاء من مجلس الأعيان بل ممن تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان على أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر.
وخلال 10 أعوام بين 2013 – 2024 منذ أن صدرت الإرادة الملكية السَّامية بإنشاء المحكمة الدستورية، رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) 51 قرارا تفسيريا وطعنًا صدرت عن المحكمة تركت أثرًا بالغا وكبيرًا يصب في أهمية وجودها كمرجعية عليا في الرقابة على القوانين والأنظمة النافذة وتفسير الدستور وحمايته، ودليل على الرؤية الشاملة للملك عبدالله الثاني وحرصه على حماية الدستور وسموه وإرساء العدل والشفافية في تطبيق القوانين ومرجعيتها العيا المتمثلة بالدستور.
ففي العام 2013 أصدرت المحكمة 9 قرارات تفسيرية كان أبرزها، أنه لا يمكن اعتبار المحاكم الإدارية محاكم خاصة بل هي جزء لا يتجزأ من المحاكم النظامية في الأردن تختص بالنظر في الدعاوى التي تحتوي على منازعات إدارية وطلبات التعويض والفصل فيها.
وفي العام 2014 أصدرت 7 قرارات توزعت بين 5 طعون وقرارين تفسيريين، حيث ردت الطعن في اربعة منها، كان من أبرزها، الدفع بعدم دستورية قانون الانتخاب ونتائج الانتخابات النيابية للدائرة الانتخابية الأولى بمحافظة العاصمة، وهنا قررت المحكمة رد الطعن بالأغلبية بعدم الدستورية في حالة الإحالة، وقررت عدم دستورية نص الفقرة (ب) من المادة 14 من نظام موظفي وكالة الأنباء الأردنية (بترا) واعتبارها باطلة، وردت على طلب تفسير المواد 52 و 1/65 و1/68 و 66 و 3/78 و2/75 و76 و93 من الدستور، وفيه قالت “إن عضوية مجلس الأمة أو مدتها غير خاضعة للتقاعد الأمر الذي يترتب عليه عدم استحقاق أعضائه للرواتب التقاعدية مع عدم المساس بالحقوق المكتسبة”.
وخلال العام 2015 حكمت في 6 قرارات من بينها 5 طعون وقرار تفسيري قدمت إليها، من بينها عدم قبول الطعن بالمادة 52 من قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 ورده موضوعا، بينما قبلت الطعن المقدم بنص العبارة الأولى من الفقرة ب من المادة 54 من نفس القانون شكلا وموضوعا والحكم بعدم دستوريتها واعتبارها باطلة، وردت على طلب بتفسير المادتين 120 و 121 من الدستور، وقالت إن عبارة “المجالس المحلية” جاءت عامة ومطلقة لتشمل المجالس البلدية والقروية وأية مجالس محلية أخرى وبالتالي فإنه يجب ألا يتم تفسيرها بشكل ضيق لتنحصر بالمجالس البلدية والقروية فقط.
وردت المحكمة عام 2016 طعنا واحدا دفع بعدم دستورية نظام تسويق الخضار والفواكه المعدل رقم 50 لسنة 2009 وبينت في ردها أن المحكمة الدستورية وفق المادة الأولى من المادة 59 من الدستور تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة دون غيرها وأنها غير مختصة للنظر في هذا الطعن ورده شكلا.
وأصدرت المحكمة خلال العام 2017 قرارها في 7 طعون وقرار تفسيري قدمت اليها، وردت الطعن المقدم اليها بعدم دستورية نظام التكافل الاجتماعي للقضاة وموظفي وزارة العدل رقم 44 لسنة 2015، وقررت عدم دستورية المادتين 26/2 وو52 من قانون نقابة المحامين رقم 11 لسنة 1971، وقالت في قرار آخر لها إن “أحكام المحكمة الدستورية نهائية وغير قابلة للطعن وملزمة لكافة السلطات وقرارها هو قول فصل لا يقبل التأويل أو التعقيب من أي جهة كانت وله حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه مرة أخرى ما يتعين معه عدم جواز النظر فيه مرة أخرى.
وأجابت المحكمة عام 2018 على 7 طعون، من بينها رد الطعن عدم دستورية الفقرتين ج/4 و د من المادة 3 من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية رقم 15 لسنة 2000، والحكم بدستورية قانون الكهرباء العام المؤقت رقم 64 لسنة 2002 والفقرة ج من المادة 44 من نفس القانون.
وبينت المحكمة في 6 قرارات لها عام 2019 رأيها القانوني وفق اختصاصها، حيث أصدرت 3 طعون و 3 قرارات تفسيرية، حيث ردت الطعون المقدمة اليها ومن بينها الطعن بعدم دستورية الفقرة أ من المادة 11 من قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1987 وما طرأ عليها من تعديلات بداعي مخالفتها للمادة 11 من الدستور، والدفع بعدم دستورية الفقرة 5 من المادة 170 من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 النافذ والفقرة 2 من المادة 178 من ذات القانون بحجة أن حكم هاتين الفقرتين يخالف أحكام المواد 1/6 و 1/ 101 و1/ 128 من الدستور.
وقالت المحكمة في أحد قراراتها التفسيرية عام 2019 إنه لا يجوز للوزير أثناء عمله الوزاري ممارسة أي نشاط تجاري مهما كانت صفته ونوعيته وكذلك المشاركة في أي مشروع تجاري أو من خلال الشركات بشراء حصص فيها او المساهمة بواسطة الاكتتاب عند التأسيس او شراء الأسهم فيها لاحقا ويمتنع على عضو مجلس الأمة أن يكون وكيلا لجهة متعاقدة مع الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة.
وأصدرت 3 قرارات خلال العام 2020 ردت الطعن في طلبين وقدمت تفسيرا للثالث، الأول رد الطعن بعدم دستورية المادة 9/ ب/ 2 من قانون الجرائم الاقتصادية، والدفع بعدم دستورية البند 2 من الفقرة ب من المادة 9 من القانون ذاته، وبينت في تفسيرها المادة 33 من الدستور انه لا يجوز إصدار قانون يتعارض برمته مع الالتزامات المقررة على أطراف معاهدة كانت مع المملكة قد صادقت عليها بموجب قانون، ولا يجوز إصدار قانون يتضمن تعديلا أو إلغاء لتلك المعاهدة، وأن المعاهدات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، طالما ظلت قائمة ونافذة ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها واستوجبت الاجراءات المقررة لنفاذها.
وخلال العام 2021 أصدرت المحكمة 5 قرارات طعن من بينها الحكم بعدم دستورية المادة 9 من نظام إعفاء أرباح صادرات السلع والخدمات من ضريبة الدخل رقم 106 لسنة 2016، ورد الطعن بعدم دستورية المادة 126 من قانون الأحوال الشخصية رقم 15 لسنة 2019.
وأجابت المحكمة خلال العام 2022 على 3 طلبات اثنان يتعلقان بالطعون والثالث طلب تفسير، حيث طُلب من المحكمة تفسير المادة 91 من الدستور وقررت عدم الاختصاص بالنظر في بتفسير نصوص النظام الداخلي لسنة 2013 وتعديلاته والذي وضعه مجلس النواب لضبط وتنظيم إجراءاته، وردت المحكمة طعنا يتعلق بعدم دستورية الفقرة د من المادة 3 من نظام رسوم المقالع والتعدين رقم 44 لسنة 2002 و الفقرة د من المادة 3 من نظام رسوم المقالع والتعدين رقم 86 لسنة 2002.
وأصدرت المحكمة 6 قرارات خلال العام 2023 ردت الطعن في خمسة منها وقررت في السادس عدم دستورية الفقرة د من المادة 62 من نظام حماية البيئة في منطقة العقبة الاقتصادية وتعديلاته رقم 21 لسنة 2001 والتي تنص على انه تستوفى السلطة مبلغا إضافيا مقداره 25 بالمئة من مبلغ كلفة إزالة الضَّرر اللاحق بالبيئة أو المقدر من اللجنة الخاصة أو المحكوم به بحسب مقتضى الحال.
وقررت المحكمة خلال العام 2024 عدم دستورية العبارة الواردة في نهاية منطوق المادة الأولى من نظام الاقرارات الضريبية والسجلات والمستندات ونسب الأرباح وتعديلاته رقم 59 لسنة 2015 والتي نصَّت على أنه: “يُعمل به اعتبارا من الأول من كانون الثاني لسنة 2015” واعتبار هذا الحكم نافذا من تاريخ صدوره.
وقال رئيس المحكمة، رئيس اتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية القاضي محمد مد الله المحادين، في التقرير السنوي الأخير، إن المحكمة تفخر بأنها إحدى محطات الإنجاز المؤسسي في مسيرة الدولة الأردنية وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أكدت توجيهاته المستمرة منذ إنشاء المحكمة على دورها في الإصلاح لتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات والدفاع عن حرية المواطنين وحقوقهم عملا بأحكام المادتين 58 و59 من الدستور.
وأضاف، إن المحكمة دأبت على القيام بدورها الإصلاحي بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور وصولا إلى ترسيخ مبدأ احترام سيادة القانون والذي يعزز دولة المؤسسات ويصون حقوق وحريات المواطنين، مؤكدا أن الدعم الملكي المستمر كان له الأثر الكبير في أداء المحكمة لدورها باستقلالية وشفافية وأيضا تعاون السلطات لقيام المحكمة بواجباتها على أكمل وجه ورسم موقف الدولة في مسيرة التحديث والإصلاح الديموقراطي.

Related posts

مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي عشائر الغويري والمعايطة والعليمات

افتتاح مبنى الفصيل النسائي في قيادة لواء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان/التدخل السريع

(فيديو) الرئيس الأستوني: يجب حل العديد من الأمور قبل الاعتراف بفلسطين