إذا أردنا امتلاك أجهزة كمبيوتر ذكية وقادرة على تحقيق تفاعل طبيعي مع البشر فعلينا أن نمنحها القدرة على التعرف على المشاعر
عروبة الإخباري –
إندبندنت عربي – نيرمين علي
في حين يتجاهل الغالبية العظمى من البشر أهمية تطوير ذكائهم العاطفي ودوره في تحسين جودة حياتهم واتصالاتهم وتفاعلهم مع غيرهم، يسعى مطورو الذكاء الاصطناعي إلى إكسابه الصفة التي يغفل عن عمقها كثير من البشر، فمع تطور الاستخدامات المعتمدة على تلك التقنية وتجاوزها عديداً من العقبات، ترتفع أصوات المتخصصين بضرورة إكساب الذكاء الاصطناعي مشاعر تتيح له التقاط الحالات العاطفية لدى البشر، أثناء تواصله معهم أو توجيههم وتزويدهم بالاقتراحات المناسبة أثناء تواصلهم مع بعضهم بعضاً، لضمان جودة التواصل.
ذكي “عاطفياً”
ومن هنا برز مصطلح “الذكاء الاصطناعي العاطفي”، وفي حين يمكن إرجاع بعض الأفكار الأساسية في هذا المجال إلى التحقيقات الفلسفية المبكرة المتعلقة بالعاطفة، فإن الفرع الأكثر حداثة نشأ عام 1995 مع بحث “روزاليند بيكارد”، الباحثة في مجال الحوسبة العاطفية ومؤسسة لمجموعة أبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حول ذلك المجال، إضافة إلى كتابها الذي يحمل الاسم ذاته.
والذكاء الاصطناعي العاطفي أو الحوسبة العاطفية مجال متعدد الاختصاصات يبحث في تصميم أجهزة وتطوير أنظمة بإمكانها التعرف على العواطف التي يتميز بها البشر وتحليلها بدقة بغرض تطوير شكل الاستجابة والتفاعل مع البشر، وكذلك محاكاتها واكتسابها بحجم البيانات وكثرة التعرض لها والتدريب والملاحظة، مستعينة، فضلاً عن علوم الكمبيوتر، بمجالات رائدة تقودها العلوم المعرفية باعتبارها نقطة التقاء بين علم النفس والأعصاب والأحياء والعلوم الاجتماعية والسلوكية.
وتجادل الباحثة الأميركية أنه إذا أردنا امتلاك أجهزة كمبيوتر ذكية فعلياً وقادرة على تحقيق تفاعل طبيعي مع البشر، فعلينا في المقابل أن نمنحها القدرة على التعرف على المشاعر وفهمها وحتى امتلاكها والتعبير عنها، منطلقة من نتائج علمية حديثة تشير إلى أن العواطف تؤدي دوراً أساساً في اتخاذ القرار وفي عملية الإدراك والتعلم، كما أنها تؤثر في آليات التفكير المنطقي ذاتها، والحقيقة أن المشاعر هي مفتاح فهم التفاعلات، بالتالي تؤثر في نظام الشخصية ولغة الجسد وردود الفعل والاستجابات.
رابط عاطفي مع الآلة
ويشير الذكاء الاصطناعي العاطفي إلى استشعار والتقاط وفهم وتحليل الحياة العاطفية البشرية والتفاعل معها، إذ تهدف تقنياته إلى قراءة العواطف والتفاعل معها من خلال النص والصوت ورؤية الكمبيوتر والاستشعار البيومتري وربما المعلومات حول حالة الشخص، وتستهدف كسر الحاجز الجامد بين الإنسان والآلة وجعل التفاعل أكثر قرباً وحميمية، انطلاقاً من قصد أعمق حاجة في النفس الإنسانية وهي الحاجة للاهتمام والفهم، إذ تخلق رابطاً عاطفياً بين الإنسان والآلة، للتأثير في نتيجة التفاعل وتغييره بناءً على المشاعر بحيث يصبح أكثر طبيعية وفاعلية.
وتؤسس هذه التقنيات من خلال تدريب الآلة على التعرف على المشاعر الإنسانية والحالات العاطفية المختلفة للمستخدم، بحيث يمكن تقديم استجابات شخصية وفقاً لذلك، إذ إن أساس عملها هي المعلومات التي تردها من التفاعلات البشرية وشكلها وآلية عملها، والتي تقدم بعد مسحها بواسطة أجهزة خاصة، تترأسها الكاميرات والميكروفونات ومستشعراتها، بحيث يمكن للآلة التقاط الحالة النفسية والعاطفية من خلال الصوت والشكل ولغة الجسد، وحركة وتعابير الوجه والملامح، إضافة إلى التزود بالمعلومات الصوتية الحاملة لنبرة الكلام وأسلوبه وانفعالاته وتحليلها.
ولوقت طويل استندت التقنيات الخاصة بالحوسبة العاطفية إلى الصوت والكلمات المنطوقة أو الفيديو وتفحص تعبيرات الوجه، لكن الحقيقة أننا اليوم أمام أنظمة أكثر تقدماً تستند بصورة أساسية إلى الوسائط المتعددة، الأمر الذي يعزز قدرتها ويحسن دقتها، وربما يجعلها أكثر كفاءة بصورة أو بأخرى من المستشعرات البشرية.
تراجع دور العاطفة بين البشر
ومن جهة أخرى، في حين قد يفشل كثير من البشر في التقاط مشاعر الطرف الآخر خلال التفاعلات اليومية، وبخاصة في مجال العمل، ويفشل آخرون في التمييز حتى بين المشاعر الحقيقية والمزيفة، ربما بسبب حواجز نفسية وأحكام مسبقة تجعلنا أقل تركيزاً على المحتوى ذاته الذي يصل إلينا من الآخر، سيبرز التطور العاطفي للآلة في كل تطبيق وتفاعل بين الآلة والإنسان، أياً كانت وأياً كان حجمها، لتلتقط مشاعره وتغير ردودها واستجابتها تبعاً لها.
وفي حين يعد استخلاص المحتوى العاطفي من أي تفاعل بخاصة غير اللفظي، سواء عبر لغة الجسد وإيماءاته أو تعبيرات الوجه أو غيرها، والتعرف على المشاعر الإنسانية بصورة غير مباشرة، مهارة يدعي البعض اختصاص فئة من البشر بها أو ربما تعزى في بعض الأحيان إلى قوة الفراسة، يشق الذكاء الاصطناعي طريقه نحوها غير آبه بتبريرات وأحكام البشر، متسلحاً بالحوسبة العاطفية التي تتيح له التدرب وتحسين نتائجه تباعاً.
وربما نشهد يوماً يوصف فيه الذكاء الاصطناعي بالعاطفة والتعاطف، إلى درجة قد يتجاوز فيها حالة التعاطف القائمة بين البشر، وهذا لن يكون بسبب تطوره مقابل نظيره البشري، بل لتوقف البشر عن الاهتمام بهذا الجانب وتقويته أولاً، ولعدم إيلائه الأهمية في عالم متسارع يتطلب السرعة في أداء المهام، على حساب التريث والتقاط مشاعر الشخص المقابل.
سيناريوهات لا تحصى
وإذا أردنا أن نتخيل ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، ربما لن نتمكن من أن نحصي السيناريوهات المحتملة لهذا الاندماج العبقري، إذ ستتمكن أنظمة التعلم من بعد مثلاً من استشعار مشاعر الطالب ومدى تركيزه واستجابته من خلال قياس كم ارتباكه لتقوم بشكل آلي بالشرح مراراً وتكراراً باستخدام أمثلة وطرق عدة، أما في مجال خدمة الزبائن فستتمكن من التعرف على العميل الغاضب وستقوم تلقائياً بتحويل التواصل معه إلى موظف أعلى خبرة لينجز المهمة، أو أن تقدم اقتراحات لأحد الموظفين أثناء تواصله مع أحد العملاء لتحسين تجربة العميل وللحصول على نتيجة أفضل، وكذلك في مجال القضاء يمكن أن تزود قاعة المحكمة بأجهزة لتحليل مضمون السلوك العاطفي للشهود والمتهمين على حد سواء، أما أنظمة تحديد المواقع العالمية في السيارات فستتمكن من إعادة توجيه السائقين إلى شوارع أقل ازدحاماً وأكثر أماناً، بمجرد شعورهم بالإحباط أو ظهور أحد مؤشرات الغضب عليهم.