عروبة الإخباري –
جاء نطاق التحديث السياسي الذي اقترحته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وجرى تكريسه تشريعيا في تعديلات دستورية وقانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية واسعا من حيث أثره، ليشمل تمكين المرأة والشباب وحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير الضمانات القانونية بعدم التعرض لأي أردني بسبب انتمائه الحزبي والسياسي، والتأكيد على حق الطلبة في مؤسسات التعليم العالي بممارسة الأنشطة الحزبية وذلك ضمن إجراءات خاصة منصوص عليها في الأنظمة والتعليمات ذات الصلة.
ومن ضمن الفئات المجتمعية التي شملها التحديث السياسي الموظفون العموميون في الدولة بوزارتها ومؤسساتها العامة والرسمية، حيث جاءت القوانين المستحدثة لتعزز من حقهم في المشاركة السياسية، بما لا يتعارض مع واجبات الوظيفة العامة التي يقومون بها.
فعلى صعيد الحق في إنشاء الأحزاب والانتساب إليها، كرس قانون الأحزاب السياسية الحالي لعام 2022 قاعدة تشريعية عامة مفادها أنه يحق لجميع موظفي الدولة المشاركة في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها، باستثناء فئة محددة منهم جرى تحديدها على سبيل الحصر في المادة (6) من القانون، والتي تشمل رئيس وموظفو الديوان الملكي الهاشمي، القضاة، مفتي عام المملكة والمفتون، محافظ البنك المركزي، رئيس ديوان الخدمة المدنية، رئيس ديوان التشريع والرأي، الحكام الإداريون، أعضاء السلك الدبلوماسي، منتسبو القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، وأمين السجل في الهيئة المستقلة للانتخاب.
إن المبررات التشريعية لاستثناء هذه الفئات من موظفي الدولة من الحق في الانتساب للأحزاب السياسية ترتبط بطبيعة المهام الحكومية والسياسية والقضائية والدينية والأمنية التي يقومون بها، والتي تتطلب الحيادية والاستقلالية وعدم الارتباط بأية أفكار أو مبادئ حزبية قد يكون لها انعكاس على كيفية تنفيذ أعمال الوظيفة العامة والقرارات التي تصدر عنهم.
إلا أن هذا الحظر التشريعي ذو طبيعة مؤقتة؛ يقتصر فقط على الفترة التي تكون فيها هذه الشخصيات في الخدمة العامة، بحيث إذا انتهت علاقتهم بالوظيفة العامة لأي سبب من الأسباب، فإنه يثبت لهم الحق الدستوري في المشاركة في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها.
كما استفاد الموظف العام من التحديث السياسي بحيث أصبح يشترط عليه تقديم إجازة من دون راتب قبل تسعين يوما من تاريخ الاقتراع لغايات الترشح للانتخابات النيابية، في الوقت الذي كانت فيه قوانين الانتخاب السابقة تفرض عليه تقديم استقالته من الوظيفة العامة.
في المقابل، فإن هذه المنظومة التشريعية التي عززت من الحقوق السياسية للموظف العام يجب ألا تؤثر سلبا على مركزه القانوني والمسؤوليات الملقاة على عاتقه. فهو شخص قد جرى تعيينه من قبل السلطة العامة في مرفق عام لتقديم خدمة عامة بشكل مستمر ومتواصل، وأن هذا النشاط الإداري الذي يقوم به على درجة عالية من الأهمية يجب الحفاظ على ديمومته وعدم انقطاعه.
ولهذه الغاية، فقد حظرت التشريعات الناظمة للوظيفة العامة على الموظف العام استغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية وذلك عملا بأحكام المادة (69) من نظام الخدمة المدنية. وقد جرى تأكيد هذا القيد في المادة (6) من مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، التي تعد جزء لا يتجزأ من القواعد القانونية التي تحكم عمل الموظف العام، وذلك بدلالة المادة (68) من نظام الخدمة المدنية.
كما توسعت القوانين الوطنية في حماية الوظيفة العامة من أي تأثيرات سياسية أو حزبية عليها. ففرضت المادة (63) من قانون الانتخاب الحالي عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين على كل من “قام من الموظفين العامين بتسهيل مهمات المترشحين أو القوائم المترشحة بقصد توجيه الناخبين أو تقديم خدمات تساهم في توجيه الناخبين لصالح أحد المترشحين أو القوائم، وعلى كل من أثّر من الموظفين العامين في تشكيل القوائم الانتخابية أو مارس ضغوطا على المترشحين”.
إن الحيادية السياسية التي يجب أن يتمتع بها الموظف العام قد جرى التأكيد عليها قبل أيام، حيث أصدر رئيس الوزراء تعميما حظر فيه على شاغلي المناصب العليا وموظفي الحكومة والمؤسسات الرسمية والعامة استغلال مناصبهم الحكومية لخدمة أي من المترشحين أو القوائم الانتخابية التي ستترشح في الانتخابات النيابية القادمة وذلك في أماكن عملهم. كما اشتمل الحظر على عدم جواز استخدام أي من الوسائل والموجودات المملوكة لهذه الدوائر والمؤسسات في الدعاية الانتخابية لأي مترشح أو قائمة انتخابية.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة