عروبة الإخباري –
بيروت تايم – محاسن مرسل
إحتلّ لبنان الصدارة بتقييم إحتساب نسبة الدين العام لحجم الناتج المحلي، مسجلاً نسبة 201.2%، وفقاً لبيانات البنك الدولي للعام 2023. والتي أعلن عنها على هامش إجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي.
سبق تقييم البنك الدولي، تقرير صدر في الأسابيع الماضية من قبل وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد اند بورز» حيث صنّف الدّين السيادي للدولة اللّبنانية بالعملة الأجنبيّة عند درجة التعثّر. (SD)، أمّا الدين المقوم بالعملة المحليّة، وضعه في مرتبة خطر التخلف عن السداد.
(cc ) مبقياً على نظريّة سلبيّة مستقبليّة لكل من الفئتين. وقد قدّرت الوكالة نسبة الدين العام للناتج المحلي للعام 2023 ب 285%، بينما كانت هذه النسبة قبل حصول الإنهيار الكبير أي في آخر العام 2019 تقدّر بـ 160%.
كما وارتفعت نسبة الدين العام المقومة بالعملة الأجنبيّة من 40% بحسب الوكالة إلى 98% في العام 2023، بسبب إحتسابها على أساس سعر صرف منصة صيرفة. الأخطر من ذلك، هو التراجع في حجم الناتج المحلي الكلي من 18 مليار دولار في العام 2023، ومتوقع أن ينخفض إلى 16 مليار دولار في العام الجاري. بعدما كان عند 51 مليار دولار في العام 2019. كما انكمش أيضاً إجمالي الناتج الفردي من قرابة 8 آلاف دولار الى ما يقل عن 3 آلاف دولار.
يقدّر دين الدولة اليوم بـ 33 مليار دولار في العملة الصعبة، بعدما كان 91.64 مليار دولار في العام 2019، يعود سبب هذا الإنخفاض إلى إنهيار سعر صرف الليرة اللّبنانية. وفي كلّ الأحوال ومهما كان هذا التراجع يبقى في خانة العبء على الإقتصاد الوطني، وإنّ تخفيض نسبته من حجم الناتج المحلي وتأمين إستدامته بتخفيضه إلى ما دون الـ 100% ضرورة لكي يعبر لبنان باب الدخول الى برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي. وللتأكيد على حسن النية على أهل السلطة البدء بمبادرات تضع الامور على السكة الصحيحة للخروج من الأزمة..
اذاً سقوط لبنان في دوامة المديونية، وصل إلى حدّ تسارع التقارير الدولية التي تحذّر الدولة وتحثّها على ضرورة إعادة هيكلة الدين العام مع اتخاذ إجراءات أخرى، لتخفيض النفقات الجارية وتقليص العجز في الموازنة العامة. و التحذيرات المتتالية، جرت على وقع سقوط ورقة التوت عن الأزمة في العام 2019، وانكشفت خلال المفاوضات بين أهل السلطة وخلافاتهم حول دفع استحقاق «اليوروبوند» في آذار 2020 أم عدم الدفع ، ما يعني أنّ لبنان قد أعلن التخلف عن السداد غير المنظّم، وبالفعل هذا ما حصل في آذار 2020، حيث أعلن رئيس الحكومة حسان دياب آنذاك عدم دفع إستحقاق آذار من سندات «اليوروبوند» والبالغ 1.2 مليار دولار بسبب شّح العملة الصعبة في البلاد ووصول احتياطياتها إلى مستويات حرجة وخطيرة.
ما لم يقله دياب أنّ الدفع هذا كان سيتمّ من أموال المودعين وتحديداً ما يعرف بالتوظيفات الإلزامية أو الإحتياطي الإلزامي التي تودعه المصارف لدى مصرف لبنان. ويومها قالت وكالة «ستاندرد اند بورز s&p»، بأنّ المعطيات الماليّة تشير إلى أّنّ التوظيفات الإلزامية القابلة للإستعمال لا تتجاوز ال 8 مليار دولار وبأنّ تسديد 2.3 مليار دولار وهو إستحقاق العام 2020 لسندات «اليوروبوند»، لن يبقي إلّا 5.7 مليار دولار فقط من الميزانية المخصصة لاستيراد المواد الأوليّة من مأكل ومشرب وقمح ومحروقات وأدوية. ما يعني أنّ المفاضلة بين «اليوروبوند» والغذاء قد أصبحت أمراً واقعاً يتوجب على السلطة السياسيّة أن تحسمه.
عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري، يرى أنّ لبنان يواجه أزمة ديون هائلة تعود جذورها إلى عقود من الإدارة الإقتصاديّة والماليّة الضعيفة، إلى جانب الفساد المستشري وعدم الإستقرار السياسي، مستعرضاً تفاصيل الموضوعات كالتالي:
تضخّم الدين العام في لبنان يمكن وصفه بأنّه نتيجة للممارسات المالية غير المستدامة والإعتماد المفرط على الإقتراض لتمويل العجز في الميزانّية. العوامل التي ساهمت في تضخّم الدين تشمل السياسات الماليّة المتراخية حيث عمدت الحكومات المتعاقبة الى الإعتماد على الديون لتمويل النفقات بدلاً من تحسين الإيرادات الضريبيّة أو تقليص النفقات، كما إعتماد المصارف الّلبنانية سياسة الفائدة المرتفعة لجذب المستثمرين والمودعين، زاد من عبء الدين العام.
وتكلل ذلك بالأزمات السياسيّة والاقتصاديّة حيث الإضطرابات السياسيّة وعدم الإستقرار الإقتصادي زادا من مخاطر الإستثمار في لبنان، مما دفع البلاد إلى تقديم عوائد أعلى للمقرضين.
وبحسب خوري فالأسباب التي أدت إلى عدم القدرة على السيطرة على الدين وتأمين استدامته هي
– غياب الإصلاحات الهيكليّة: النقص في الإصلاحات الإقتصاديّة والماليّة أعاق القدرة على تحسين الإدارة الإقتصاديّة والحدّ من الديون.
– الفساد وسوء الإدارة: الفساد المنتشر في القطاعات العامة يعيق جهود الإصلاح والتحكّم في النفقات.
– عدم الثقة الدوليّة والإقليميّة: عدم الثقة من قبل المؤسّسات الدوليّة والدول المانحة يصعب من تأمين الدعم المالي اللازم.
بعد إنهيار اللّيرة الّلبنانية، ازدادت قيمة الدين العام بالعملة المحليّة بشكل كبير بسبب فقدان العملة لقيمتها. هذا الأمر يجعل الدين أكثر صعوبة في السداد ويضغط بشكل أكبر على الإقتصاد.
ووفقاً لخوري فإنّ معالجة مشكلة المديونية،تتطلب عدة خطوات استراتيجيّة، بما في ذلك: إعادة هيكلة الدين والتفاوض مع الدائنين لإعادة هيكلة الديون، بما في ذلك تمديد فترات السداد، وخفض أسعار الفائدة، وربما تخفيض قيمة الدين. بما يشمل الإصلاحات الإقتصاديّة والماليّة عبر تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تحسين الإدارة الماليّة، زيادة الإيرادات الحكوميّة من خلال تحسين نظام الضرائب، وتقليص النفقات الحكومية غير الضرورية. بالتأكيد لا يجب إغفال مكافحة الفساد وتعزيز الشفافيّة والمحاسبة في القطاع العام لضمان استخدام الأموال العامّة بشكل فعّال وعادل.
إنّ السعي للحصول على دعم من المؤسسات الدوليّة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يعتبر معبراً ضروريّاً لتوفير التمويل اللازم والخبرة التقنيّة وتحسين البيئة الإستثماريّة عبر تعزيز الثقة في الإقتصاد من خلال الإستقرار السياسي وتحسين البنية التحتيّة، ممّا يجذب الإستثمارات الأجنبيّة.
ممّا لا شك فيه، أنّ لبنان يعاني من نوع من الإعتماد المفرط على الدّين لتمويل عجز الميزانيّة بدلاً من تطوير سياسات إقتصاديّة مستدامة. هذا النمط من الإعتماد على الديون أدّى إلى تفاقم الأزمات الماليّة والاقتصاديّة، مما جعل البلاد في وضع حرج للغاية يتطلّب تدخلّات جذرية وشاملة للتغلب على الأزمة.
إنّ تحقيق الإستدامة الماليّة والإقتصاديّة في لبنان يتطلّب جهدًا جماعيًّا من جميع الأطراف المعنيّة، بما في ذلك الحكومة، المجتمع المدني، القطاع الخاص وخاصّة المالي المصرفي، والشركاء الدوليّين.