عروبة الإخباري –
من برامج التلفزيون الأردني في رمضان لهذا العام، وهي برامج جادة من جديّة مديرها العام، وسعي كادرها والفريق الإداري والفنّي، في رؤيته إلى البرامج وتنوّعها وثرائها وتلبيتها لذوق المواطن الأردني والعربي والباحث عن المعلومة، والمهتمّ بجانب الترفيه ومتابع الدراما والبرامج السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة،.. البرنامج الحواري «ليالي رمضان»، كبرنامج يتّسم بالطابع العائلي والمعلومة القيمة التي تُقدم أثناءه من خلال المذيعة المتألقة «الطبيعية» رندة كرادشة، ومن خلال ضيوف هذا البرنامج وآليه العمل منذ فقرته الأولى حتى الإيذان بالوداع لحلقة جديدة في مساء اليوم التالي من رمضان.
هذا البرنامج، الذي يشاهده المواطن، ولا يحسّ بالوقت في فقراته التي تقترب من كلّ فئات المجتمع، المتعلمين والنخبة والناس بعمومهم، وأصحاب الاختصاصات والعائلة الأردنيّة،.. من أسباب نجاحه أنّ له هدفًا ورؤيةً فتحت آفاقه على النجاح؛ فلم يكن برنامجًا مقيّدًا بأسئلة صارمة وإجابات معيّنة، وإنما كان يعتمد على الثقة بالضيف ومقدار عطائه وأفكاره ومكاشفته، ومسؤوليته أمام المواطن الأردني وأمام صورة هذا البلد، وأمام نجاحاته، وأيضًا أمام نفسه كنموذج ناجح في الأسماء المختارة والوجيهة لتُقدّم في كل أنواع الإبداع، وحين يقوم البرنامج على هذه الرؤية، فبالتأكيد سيكون ناجحًا وسينتظر الناس حلقاته باستمرار لحضورها والاستمتاع بها والتقاط المعلومة السريعة والمتخصصة.
المنجز الأردني
جاءت حوارات البرنامج للضيوف، باعتبارهم يستضافون ويحاورون بناء على خبرتهم، أو كدعم لمواهب شابّة منهم وتشجيعها، وبيان أنّ التلفزيون الأردني «أبو التلفزيونات الوطنيّة»، يحتفي بهم دائمًا ويشاركهم تطلعاتهم والفرح بإنجازاتهم، فلم يكن البرنامج في تقديمه مشتملًا على سيطرة المذيع وهيمنته، وإن كان المذيع دائمًا هو من يدير دفة الحوار والانتقال بحسن تخلّصه وتأتّيهِ وذكائه وفهمه، ومع ذلك فقد كان متسلسلًا، بحيث كان الضيف لا يمكن التفرقة بينه وبين المضيف، منذ دخول الضيف واصطحابه والترحيب به والبدء بأسئلته واستذكار مجموعة?الصور الحياتيّة والعمليّة، كتقنية جميلة للغوص من خلالها إلى الذكريات، وهذا كلُّه يعطي المشاهد صورةً عن الضيف أولًا، وصورةً عن منجز هذا الضيف بشكل عام، وكذلك يجعله أشدّ ثقةً ببلدنا في نماذجه وريادته، ويعزز صورة انتماء الأبناء وتحلّقهم حول المنجز الأردني وحول هذه الشاشة الوطنيّة التي جمعت الناس، وجعلت الرعيل الأول منهم تحديدًا، يخرجون إلى كلّ مواقع المسؤولية بهذا الإبداع وهذا الحسّ الأصيل الذي صدّرنا منه للجيران العرب في عمل أبنائنا بالتلفزيونات هناك وتأسيسهم مثل هذه البرامج والأشكال الإعلامية في أكثر من مجال.
في حلقة أوّل من أمس، كان ضيف البرنامج هو وزير الإعلام وزير الثقافة الأسبق، ابن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وابن الإعلام، وكاتب المقالة الشهيرة والمعروف بوطنيّته ونبضه وقربه من الناس، سميح المعايطة، الذي أدّى أدوارًا مهمّةً في ظروف عصيبة أيام فترة «الربيع العربي»، وفي مؤلفاته التي قرأ فيها الأردن ورسالته ومناطقه الحدوديّة وأمنه وحضوره العربيّ والإقليمي والعالمي، وكان بالفعل رجل إعلام باقتدار تسلّم أيضًا وزارة الثقافة، وكانت له رؤية واضحة في هذه الوزارة، من خلال الدعم المباشر والوقوف على احتياجات الناس وزيارة ?لهيئات الثقافيّة من جنوب المملكة إلى وسطها حتى شمالها، حين قرر دعم هيئات البادية الأردنية الثقافيّة على وجه السرعة، وهو ما يعتزّ به دائمًا وطرَحهُ كرؤية، خلال البرنامج الذي مرّ المعايطة على محطاته، بكلّ متابعة وشغف وسهولة في الإجابة على السؤال والتعاطي معه، مهما كان هذا السؤال متعلقًا بذكريات يتألم لها الضيف في عدم إنصاف الأردن أحيانًا وقراءة ذاته الحقيقية والعروبية الصادقة والأمينة دائمًا على الأشقاء والأصدقاء في إقليم ملتهب يهدد خطر الإنسانيّة في كلّ مرحلة تستجدّ أو عاتية تهبّ من عاتيات السياسة والدهر.
وفي حديثه عن التلفزيون الأردني، كجزء من المؤسسات «الأم» في الدولة الأردنية، وتمنّيه لهذا الجهاز الإعلامي والثقافي المهمّ أن يُدعم أكثر، أعرب المعايطة عن فرحته بمهنيّة تلفزيوننا، وشغف الناس به وبمصداقيته التي يبثّها في برامجه، كما أشاد بدور التلفزيون وإدارته الحالية وقربها من الناس وتوعيتها لهم، باعتباره يمارس دوره القوي في الإعلام الأردني، وبالتالي فإنّ دعم هذا الجهاز أمرٌ مهم ليستمر في هذا الدور، وهو ما شاطرته فيه المذيعة رنده كرادشة في أنّ التلفزيون الأردني خرّج كفاءات قدّمت نفسها للتلفزيونات العربية وال?جنبيّة، وكان المذيع الأردني يغبط على عمله، وذا حضور عربي كبير وترحيب ويمتلك ميزةً في ذلك، وهي الصورة التي يجب أن تترسخ لدى من يفاضل بين التلفزيونات الوطنية أو التلفزيونات العربية، بأنّ الرسالة والهدف والرؤية، منطلقٌ مهمّ للتلفزيون الأردني القريب من كلّ الأردنيين والمحافظات، وهو المطلوب منه، كما أشار سميح المعايطة، أن يتحدث عن الأردنيين الذين يروا فيه قضاياهم وذاتهم ومشاكلهم وإنجازاتهم وفرحهم وحزنهم وشتاءهم وصيفهم ورمضانهم وأعيادهم، وبالتالي فهو دائمًا مصدر فخر للأردنيين ومحلّ اهتمام في خطابات جلالة الملك ع?دالله الثاني وتوجيهاته.
استعاد سميح المعايطة في الحوار ذكرياته في العمل التلفزيوني، في أول تجربة له، وقد عمل في الصحافة المكتوبة، وكان ذلك له، عملًا مهمًّا في أن يستخدم التلفزيون الأردني عددًا من كتّاب المقالات في الصحف سنه 2001، ليقدموا برامج حوارية تتسم بالعقلية الناقدة، وهو ما ينعكس على أسلوب الحوار وجرأته وقوة المذيع وثقافته، فكانت تجربةً عرّفت الكاتب السياسي بالناس، دون حواجز.
تطرّق المعايطة في حديثه، إلى عدم الخوف من الكاميرا، ونصائح المخضرمين من المذيعين في أنّ «الكاميرا تلحقك ما تلحقها»، خصوصًا وقد قدّم برامج وصفها بأنّها قريبة من الناس.. كما ركّز المعايطة في حديثه على «قضايا البلد»، وقال إنّ كلّ من اشتغل في التلفزيون الأردني يستحيل أن يترك هذا التلفزيون أو ينفصل عنه، لأنّه يشتمل على نوع من الفرح والانتقال إلى مراحل جديدة من التوعية والتثقيف، لتصبح هناك علاقة بين المذيع والجمهور، كما تنقّل سميح المعايطة بين التلفزيون ورئاسة مجلس إدارته والبرامج الإعلاميّة الانتخابية القريبة م? الناس والمحفزة لهم على المشاركة، وفي هذا المجال يؤكّد بأنّ المسؤول السياسي الذي يخاف من الناس ربما لن يقدم منتجًا جيدًا؛ باعتبار النقد جزءًا أساسيًّا من ثقافته، والدليل على أهميّة كسر الحاجز بين المواطن والمسؤول أنّ جلالة الملك عبدالله الثاني يؤكّد دائمًا ضرورة نزول المسؤولين إلى الميدان وخدمة المواطنين، والاستماع للمواطن الذي هو باقٍ على على الأمل وثقافة العطاء.
وفي تعليقه على الصور وما تستجلبه من ذكريات ونوافذ، كانت مدينة الكرك وقلعتها الشامخة حاضرةً في وجدان المعايطة الذي قال بأنّ كلّ إنسان ينتمي لجغرافية بلد يحبّها، والكرك ليست حالة جغرافية بسيطة، وهو ما ينسحب على كل مدننا الأردنية ومحافظاتنا، حيث الجغرافيا والعشيرة والقيم والثقافة والأخلاق وطريقة التعامل مع بلدك وتفاعلك مع قضاياها، ومن لم يتعلّم من بلده ومن ثقافة الناس يكون قد خسر كثيرًا.
وحول الكرك، كان المعايطة يتحدث عن قيم أصيلة وثقافات رائعة وظروف اجتماعية ليست كلّها مواتية في حياة الناس الذين صبروا على ظروفهم وتعاونوا عليها، فكانت البلد التي فيها قريته وقدّمت للأردن الرجال والتاريخ كما في كلّ المحافظات الأردنيّة، مستذكرًا أحوال الناس الاجتماعيه واقتصاديات الزراعة ودخول الكركيين الجيش الذي كان والده واحدًا من أفراده.
يتحدث المعايطة، مواليد 1965، كيف كان والده يخدم في الضفة الغربية، ما يؤكد قرب الأردنيين الأزلي إلى فلسطين، ثم يتعرض لسير وانتقال العائلة من عمان للزرقاء التي خرج منها لعمّان، حيث العمل سنة 2007.
أمّا الزرقاء، فمثل كلّ المدن والمحافظات الأردنيّة، كانت لها روح مختلفة وجميلة متكاملة، حيث استثارت في نفس المعايطة صورةً للمدينة، التي وصفها بأنّها مُنتَجٌ أردنيٌّ جميل، متحدثًا عن أهله وسكناهم الزرقاء والتي هي خليط اقتصادي وثقافي وإبداعي أردني، بحيث كانت تسمى «مدينة العسكر والعمال»، وكانت نموذجًا للخليط الجميل والرائع كفسيفساء، فلم تكن في المدينة أية فوارق، بل لا يسأل أحدٌ أحدًا من أين أنت، كما يتحدث المعايطة عن لهجات الناس والشعراء وكتّاب المدينة وتأثيرهم الأصيل، بما في ذلك من حركه وروح اجتماعيّة، فهو يت?اصل مع الزرقاء بمتعة خاصة، حتى «سندويشة الفلافل بالزرقا غير!»، كما يقول بعد 35 سنة مع تفاصيل المكان وأحياء المدينة وحاراتها وأحيائها وجغرافيتها وتراثها من العائلات والعشائر التي تعتزّ بخدمة الوطن، كمدينة تستحقّ الإنصاف.. وما ينطبق على الزرقاء ينسحب على كلّ المحافظات الأردنيّة التي امتدحها المعايطة بتفاصيلها الثقافية والتاريخيّة عبر الأجيال.
ومن الصور التي عرضها البرنامج صورة أداء المعايطة اليمين وزيرًا لوزارتي الإعلام والثقافة، لافتًا إلى مرحلة صعبة وظروف عصيبة في استمرار الربيع العربي والحدود مع سوريا، وهو ما تطلّب مسؤوليّةً تقرأ الحدث بعين وآفاق أكبر وأوسع، مشيدًا بكلّ أجهزة الدولة التي لم تكن لتبخل عليه بالمعلومة طيلة عمله، كأجهزة رديفة، باعتبار وزير الإعلام هو لسان مهم للبلد، لأنّ أي وزير كما قال، سيصعب عمله مالم تكن لديه معلومة، فهذه المؤسسات هي الهوية القويّة للدولة الأردنية.
وفي حديثه عن الأهمية الحيويّة للإعلام وكذلك موضوع تغيير مسميات الإعلام كوزارة، أكّد المعايطة أنّ الأهمّ هو مدى الحاجة إلى الإعلام كمزيج لحقول كثيرة متداخلة.
أمّا فترة العمل وزيرًا للثقافة، فقد أكّد المعايطة أنّها من أكثر فترات العمل التي استمتع فيها، ففي الوقت الذي كان الإعلام فيه، عملًا مُتعبًا وسياسيًّا وخليطًا من قضايا كثيرة، كانت الثقافة التي استمرّ وزيرًا لها ستة أشهر فقط، رائعة للعمل، وفي ذلك قدم المعايطة الشكر لطاقم الوزارة، متحدثًا عن رؤيته في التعامل وإدارة العمل الثقافي والإبداعي بـ”الورقة والقلم»، فقد كان هدفه التركيز على الهيئات الثقافية خارج عمان في ألا تُظلم أمام المركز الثقافي في العاصمة، مشيدًا بأهمية الزيارات الميدانية، للاطلاع على أحوال الناس?وقضاياهم الثقافية، فقد لقيت البادية الشمالية والبادية الجنوبية والبادية الوسطى عنايته المباشرة، حيث اجتمعت كهيئات ثقافية في منطقة القطرانة وقرر دعمها جميعًا كجزء من رسالة الوزارة نحو توسيع قاعدة التنمية الثقافية في المحافظات، وهو ما رآه يزيد من اهتمامهم وانتمائهم حين يشعرون بأنّ الدولة الأردنيّة تهتمّ بشؤونهم وترعى أعمالهم الثقافية والإبداعيّة والتراثيّة في الشأن الثقافي.
يرى المعايطة أنّ الثقافة ليست فقط في الشعر والقصة والفنون والسرد والأدب، فعلى أهمية هذه الفنون في الثقافة والمشروع الوطني المتكامل، لكنها أيضًا تعبّر عن هوية المجتمع والنأي به عن الأفكار المقحمة والدخيلة التي تجعله يعود سنوات طويلة إلى الوراء، من مثل أفكار التطرف والانغلاق وأفكار عدم التسامح، وما إلى ذلك، وهو ما شاطرته فيه المذيعة كرادشة الرأي بأنّ الشباب والمدارس هم الثروة الحقيقيّة للأوطان، في إبداعهم وقوة شخصياتهم واطلاعهم وانطلاقهم.
وفي سؤال حول مسمّى «وزير النفي» أثناء عمله وزيرًا للإعلام- كطرفة من طرائف الوزارة- قال المعايطة إنّه سعيدٌ بأن ينفي أيّ تهمة عن الأردن، في أخبار كاذبة أو مغرضة وغير حقيقية، في ظل تساؤلات حول الرواية الحقيقيّة والصادقة التي هي دأب وسمة من سمات الأردنيين وصدقهم مع جوارهم ومع الإعلام، بشهادة العرب أنفسهم، فالدولة تستحق أن نقدم لها ونعطيها أكثر ونخلص في إيثار الهوية الوطنية على الذات، خصوصًا في ظلّ ظروف وأزمات عديدة تجتاح العالم والمنطقة والإقليم، فنحن دائمًا بحاجة إلى إعلام قوي وسياسة إعلامية مناسبة لخدمة الدولة الأردنية.
وكمثال على التأثير القويّ للدراما التلفزيونية في الثقافة المجتمعيّة والدفاع عن قضايا الدول والشعوب، يؤكّد المعايطة أهمية دعم الفنانين والمثقفين لصناعة الفرح، وحتى الرياضيين، بقوله: » لا تنتظر من رياضي أن يقدم لك ميدالية رياضية وهو لم يدعم، أو فنان أو أديب أن يظفر بجائزة إذا لم يُدعم!».
ودلل المعايطة على ذلك، بقوة الدراما المصريّة في الدفاع عن مصر، التي اهتمت منذ عام 2013 بقضايا مواجهة الإرهاب بالدراما، فدافع الفنان المصري عن بلده ومكتسباتها وثقافتها وحضارتها وانفتاحها وهويتها، فكانت هذه الأعمال الفنية أعمالًا محترمة وتليق ببلدهم وتدفع عنها الأقاويل والتهم.