في شهر رمضان المبارك ، غزة متعطشة إلى الماء والعالم متعطش إلى الكرامة والإنسانية* كتب منيب رشيد المصري

عروبة الإخباري =

يدخل العدوان الغاشم على قطاع غزة مائة وثلاثة وستون يوما ، ومازالت إسرائيل تقصف برا وبحرا وجوا، وتجوع الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمر كل مقومات الحياة والأمل والمستقبل ، وتنتهك كل القيم الإنسانية والأخلاقية ومكونات القانون الدولي وحقوق الإنسان .

أكثر من خمسة أشهر من الإبادة الجماعية ، وما زال العالم عاجزا عن فتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل لائق ، بل وما زال يفكر ويتردد في تمويل وكالة الاونروا ، ويجامل دولة الإحتلال الإسرائيلي في وحشيتها وإرهابها.

أكثر من خمسة أشهر من الإبادة الجماعية ، وما زال الفيتو الأمريكي ، فيتو الإرهاب والعار يلوح في اجتماعات مجلس الأمن معطلا اتخاد أي قرار لوقف إطلاق النار ، ومنع ارتكاب المزيد من المجازر والمذابح والجرائم .

أكثر من خمسة أشهر من الإبادة الجماعية ، وما زال العرب والمسلمين في حالة سبات ، يحترفون الشجب والاستنكار ، ويعجزون الفعل والاستنفار في الأنتصار للإنسانية أولا، ولأبناء جلدتهم من العرب والمسلمين في فلسطين .

أكثر من خمسة أشهر والشعب الفلسطيني يسطر أروع أشكال التضحية والصمود والثبات ، ومن خلفه المقاومة تسطر أروع أشكال البطولة والفداء في الدفاع عن شرف ومقدسات الأمة بأسرها وأخلاق وقيم الإنسانية برمتها .

في شهر رمضان المبارك ،ما زال المشهد هو ذاته ، وقد بدأ العالم يعتاد  هذا المشهد ، ويعيش حياة شبه طبيعية إلا من رحم ربي من الشعوب الحرة التي ترفع صوتها عاليا وتتظاهر أسبوعيا لوقف العدوان الغاشم دون أن تجد من يسمعها .

في شهر رمضان المبارك ، ما زال الشعب الفلسطيني في غزة يصوم صياما مختلفا ، فهو صيام قد يتواصل لأيام ، لا فجر فيه يعلن فيه البداية ، ولا غروب فيه يعلن النهاية، وما بين كل فجر وغروب مزيد من القتل والدمار والجوع والعطش .

في شهر رمضان المبارك نذكر العالم بأسره بأن الظلم والعدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني لم يبدأ في السابع من اكتوبر كما يحاول البعض تبرير الأمور ، وإنما منذ أكثر من 107 أعوام  إبان وعد بلفور المشؤوم 2-11-1917 وثم الانتداب البريطاني، ومنذ عام 1948 إبان الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم يتوقف هذا المحتل عن ارتكاب أبشع جرائم القتل والتعذيب والتهجير، والتهرب من كل محاولات بناء سلام عادل وشامل قدم فيه الفلسطينيون تنازلات كبيرة، وقدم فيه الإسرائليون مراوغات كثيرة ، وأنا أشهد على ذلك وقد رافقت القائد الشهيد ياسر عرفات في معظم المحطات ، وقد ابتعثني في أحدى المرات للقاء نتانياهو وتسليمه رسالة بحضور السفير الامريكي مارتن انديك ، وقد تم في حينه الاتفاق على عقد لقاءات شهرية لدفع حركة السلام للأمام ولكنه لم يلتزم حتى بهذه اللقاءات.

المطلوب قبل كل شيئ ، وقبل الحديث عن إنهاء الإنقسام والإحتلال ، والإعمار والدولة ، هو الحديث عن وقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية فورا لايقاف مجاعة الاطفال والنساء والشيوخ، وإحداث ثورة عالمية للدفاع عن ما تبقى من قيم الإنسانية ، وكسر الحصار الأبشع عن قطاع غزة من خلال قوافل إنسانية برية وبحرية منظمة حتى لو تم قصفها وتدميرها، وهي دعوة لمصر العروبة بالسماح لهذه القوافل بالمرور ، ولكل من يرغب  بالعبور ولكل المنظمات الشعبية بالتحرك نحو شواطئ غزة لمنع المزيد من الاستفراد بأهل غزة .

سيسجل التاريخ بأن جنديا أمريكيا حرق نفسه من أجل غزة ، وبأن جنوب إفريقيا انتصرت بكل جوارحها ومشاعرها لأطفال غزة ، وبأن أمريكا اللاتينية طردت السفراء ، وأغلقت السفارات وقطعت العلاقات ، في الوقت الذي تدافع فيه غزة عن مقدسات ملياري مسلم ، وتواجه مخططات استعمارية تستهدف مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والعراق ، فالحلم الصهيوني بأرض الميعاد من النيل إلى الفرات مرسخ في ذهنية المتطرفين الذين يحكمون إسرائيل حاليا، وقد أعدوا العدة لأجل ذلك منذ اتفاقية سايكس بيكو ، ووعد بلفور المشؤوم ، والقادم أعظم إن لم ننتصر لقضيتنا ولغزة  قبل فوات الآوان. وعلى العالم بأسره أن يدرك تماما بأن السلام العالمي مرتبط بإنهاء الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المسلوبة وأولها حق العودة ، وسيبقى السلام والتعايش هو خيارنا الأول ولكن ليس على حساب قدسنا و أي حقوقنا المشروعة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري