النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر
لعلّ الفاتورة الإستشفائيّة، هي أكثر ما يعاني منه اللبنانيون منذ الانهيار المالي في تشرين عام 2019 وما زالوا، بحيث انقلب الوضع الصحي بشكل دراماتيكي، ووجد المنتسبون إلى الصناديق الضامنة أنفسهم من دون أيّ ضمان صحي، بفعل عدم قدرة مؤسسة الضمان الاجتماعي والصناديق الضامنة الأخرى على تأمين التغطية الصحيّة للمنتسبين، على خلفية انهيار سعر الليرة، وما نتج عنه من فجوة ساحقة بين تسعيرة الخدمات في جدوال الضمان من جهة وكلفتها الحقيقيّة من جهة ثانية. بالمقابل لجأت المستشفيات إلى دولرة أتعابها وخدماتها، وتضاعفت أسعار الأدوية عشرات ومئات المرّات، ومعاينة الأطباء كذلك. واقعٌ قلب حياة اللبنانيين رأسًا على عقب، وجعل الغالبية العظمى منهم تعيش مع أوجاعها، ولا تلجأ إلى المستشفيات إلّا في حالة الضرورة القصوى.
الضمان: لا رواتب أقل من عشرين مليون وإلّا..والهيئات الاقتصادية تمتعض
زيادة تعرفات المؤسسات الضامنة، من شأنها أن تعيد إلى اللبنانيين الحقّ المسلوب بالطبابة. تعاونية موظّفي الدولة تعمل على رفع تعرفات الخدمات الطبيّة إلى سابق عهدها. الضمان الاجتماعي رفع تعرفة جلسات غسيل الكلى، أمّا باقي أنواع الإستشفاء فلا زالت تعرفاته قاصرة عن تغطية كلفتها. تعمل إدارته على تحسين واقعه المالي ليتمّكن من تقديم الخدمات للمنتسبين، من هنا كانت التعاميم الأخيرة، منها التعميم رقم 181، طلب بموجبه إلى جميع المديريات والمكاتب الإقليميّة والمحليّة، إحالة المؤسسات التي تتقدّم بتصاريح أجور أو تصاريح استخدام أو ترك، تتضمن أجورًا أقلّ من 20 مليون ليرة لبنانية شهريًا، إلى مديرية التفتيش والمراقبة، لإجراء المقتضى. وبذلك بات لزاماً على كلّ المؤسسات رفع الأجور المصرّح عنها إلى الضمان الإجتماعي إلى 20 مليون ليرة. لم يرُق الأمر للهيئات الاقتصاديّة التي تداعت إلى اجتماع للبحث في مذكّرات الضمان، وذكّرت في بيانها بـ “الحقائق الاقتصادية المرّة” ودعت إلى “ضرورة أن يُبنى أيّ إجراء يتخذ في المرحلة الراهنة، من ضمن إطار شامل وعلى أسس علمية ومنطقية وبحوار إيجابي بناء، على أن يُأخذ بالإعتبار أوضاع جميع الأطراف المعنية وبشكل متوازن، والسعي بالتعاون مع إدارته لمساندته في تحسين خدماته من ضمن الإمكانات المتاحة في المرحلة الراهنة”.
الأسمر: التصريح برواتب غير حقيقيّة عادة قديمة العهد وتتسبّب بخسارة الإيرادات
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر ثمّن في اتصال مع “لبنان 24” ما قام به الضمان لجهة الاحتساب الفعلي للإشتراكات، لافتًا إلى أنّ هناك جزءًا كبيرًا من أرباب العمل لا يزال حتى اليوم يصرّح لدى الصندوق على أساس الحدّ الأدنى للأجور المحدّد بـ 9 ملايين ليرة، بما يتسبّب بخسارة كبيرة في إيرادات الصندوق “علمًا أنّ معظم القطاع الخاص تعافى، بعد ربيع وصيف 2023، وبات يدفع رواتب موظّفيه جزئيًّا أو كليًّا بالدولار، بالتالي أضحت الرواتب أعلى بكثير من الحدّ الأدنى للأجور. من هنا التصريح برواتب تحت الـ 20 مليون سيكون خاضعًا للتفتيش والمراقبة، من قبل مفتّشي الضمان. الأسمر لفت إلى أنّ التهرّب من التصريح بالرواتب الفعليّة مشكلة قديمة ” ففي العام 2019، كان هناك 55% من أجراء الضمان مصرّح عن رواتبهم ما دون المليون ليرة، من هنا أهمية إقرار القانون الذي تقدّم به النائب بلال عبد الله من حيث ربط التصريح عن الأجر ما بين وزارة المال والصندوق الوطني للضمان، لكشف تلاعب المؤسسات التي تعمد إلى رفع الأجور في المالية للتهرّب من ضريبة الدخل، وتخفيضها في الضمان للتهرّب من دفع الإشتراكات”. ولكن كيف يمكن تطبيق تعميم الضمان وإلزام الشركات بأحكامه، خصوصًا أنّ معظمها يصرّح للضمان بأرقام مغلوطة عن الأجور، تهرّبًا من دفع الإشتراكات؟
الأمر ليس سهلًا، يقرّ الأسمر “خصوصًا أنّ الضمان يشكو من نقص في العديد البشري، لكن لا بدّ من البدء من مكان ما، والأمور ستأخذ طريقها إلى التنفيذ ولو ببطء”
52 مليون ليرة كلفة معيشة أسرة من 4 أشخاص بالحد الأدنى
تعميم الضمان حول إلزام المؤسسات بالتصريح عن رواتب لا تقل عن عشرين مليون، هو إجراء بديهي، لاسيّما أنّ راتبًا بقيمة عشرين مليون لا يكفي لتأمين معيشة بحدّها الأدنى. في الإطار لفت الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ “لبنان 24” إلى دراسة أنجزتها الدوليّة للمعلومات حول كلفة معيشة الأسرة اللبنانية المؤلّفة من أربعة أفراد بالحدّ الأدنى والضروري واللازم، ووصلت هذه الكلفة إلى 52 مليون ليرة شهريًّا (582 دولارًا) في القرية، وإلى 71 مليون ليرة (794 دولارًا) في المدينة، موزّعة على عدد من البنود من دون احتساب الكلفة الصحية. وتشمل السّكن والسلّة الغذائية والنقل والكهرباء والتعليم في القطاع الرسمي والاتصالات والمياه.
الأسمر: الضمان يستعيد عافيته خلال 2024
بدأ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مسار رفع التعرفات، وفق ما أكّد رئيس الاتحاد العمالي العام وهو في الوقت نفسه عضو في مجلس إدارة الضمان “أعلنا مؤخّرًا عن رفع التعرفة الدوائيّة للأدوية المزمنة إلى 75% على أدوية الجنريك، و35% على أدوية البراند، وسيصار قريبًا جدًا إلى رفع تعرفات أدوية الأمراض المستجدّة. وتمّ رفع تعرفات غسيل الكلى والتصوير الشعاعي للأمراض السرطانيّة إلى حدود 90 مليون ليرة، وتمّ إقرار التعرفات الإستشفائيّة المقطوعة، وسلنجأ إلى رفع باقي التعرفات وأجور الأطباء. ويمكنني القول إنّنا قد نكون أمام استعادة عافية الضمان الإجتماعي خلال العام الحالي، بفعل الإجراءات المتّخذة في إدارة الضمان، والتي تؤدي إلى تأمين إيرادات بآلاف المليارات”.
تأثير اعتماد سعر الصرف الحقيقي في الضمان على تعويضات نهاية الخدمة
رفع سعر الصرف للدولار الواحد في كل معاملات الضمان إلى 89.500 ليرة أتى تماشيًا مع قانون الموازنة العامة وسياسة مصرف لبنان بتوحيد سعر الصرف، والذي يفترض أن يصدر عن حاكم مصرف لبنان ووزارة الماليّة، وتصويبًا للخلل في تسديد الإشتراكات، يقول الأسمر “بحيث أنّ من يتقاضى ألف دولار شهريًا، أي ما يوازي 90 مليون ليرة، يسدّد اشتراكات على سعر الـ 15 ألف، تمامًا كالذي يتقاضى راتبًا بقيمة 15 مليون ليرة”.
اعتماد سعر الصرف في الضمان على أساس 89500 ليرة بدل 15000 ينعكس إيجابا على تعويضات نهاية الخدمة يلفت الأسمر”في عمليّة حسابيّة، من يتقاضى راتبًا بنسبة ألف دولار، وقضى في العمل مدّة عشرين عامًا، يصبح تعويضه مليار وحوالي 790 مليون ليرة، بدل 300 مليون ليرة، قبل صدور قرار الضمان”.