عروبة الإخباري –
وثّق كتاب “الانتقال الكبير” الذي صدر عن صندوق الملك عبد الله قبل أيَّام، لخط سير الدولة الأردنية في القرن الـ21، والذي تسبب حتى الآن بالازدهار والتطور في كل المجالات ومواجهة للتحديات واكتساب المناعة الطبيعية التي جعلته يحافظ على استقراره وسط عالم مليء بالفوضى والانتكاسات.
الكتاب بدأ بمقولة لجلالة الملك عبدالله الثاني قالها قبل 12 عامًا وتحديدا في الـ23 من تشرين الأول (اكتوبر) 2012 وقال فيها “هذه الدَّولة الأردنية ليست إنجازًا لشخص، أو طرف واحد، وإنمَّا هي إنجاز تراكمي لكل الأردنيين من جيل إلى جيل”، وبذلك فإنَّ الأردن دولة ذات قيادة لا تؤمن بالفردية مطلقًا، ويتحقَّق إنجازها أو إخفاقها في عدد من الملفات بصورة جماعية، وأنَّ الإصلاح أيضًا يكون جماعيًا وعبر كل شخص في المجتمع، وبهذا نجا الأردن من كثير من الأزمات، ونجح في إدارة الدَّولة حتى تحقَّق الازدهار والنَّماء.
(بترا) قرأت الكتاب الواقع في أكثر من 500 صفحة خلال 3 أيَّام، ويتكون من 8 فصول، وسألت أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد حمد القطاطشة عن محتواه، فقدم ملخصا، بين فيه أنَّ الكتاب مراجعة وتوثيق للأحداث التي أوصلت الأردن لما هو عليه اليوم، وقد يكون وثيقة لإصلاح الأخطاء وتجاوز المعضلات الشائكة في الإقليم، والتي يتأثر بها الأردن بشكل مباشر وغير مباشر.
وبين القطاطشة، أنَّ الأردن ومنذ إنشائه وهو يعيش في منطقة أزمات، وكانت الظروف الجيوسياسية تفرض عليه التعامل مع الوضع القائم بين القوى المؤثرة في المنطقة على حدوده الأربعة، وبدأت القيادة الأردنية منذ التأسيس وحتى اليوم، في التعامل ببراغماتية عالية مع كل الظروف، واستطاع أن يمرِّر للجميع بأنَّ السياسة الأردنية عقلانية لا تؤمن بالتوسع ولا بالثورية التي كانت تحصل في دول الإقليم.
ولفت إلى أنَّ الكتاب تحدث عن الهوية الوطنية وصعودها في زمن تفتت الهويات، وبين أن عهد جلالة الملك وخلال 25 عامًا، أوجد توازنا بين الهويتين الأردنية والقومية العربية، وكان أول من أطلق شعار الأردن أولًا، وأصبح هناك هوية أردنية واضحة.
وأكد أنَّ الكتاب يتحدث في فصله الثاني عن السياسة الأردنية والتحديات الإستراتيجية، وكان الأردن من بين الدول التي تأثرت بالربيع العربي الذي كان في البداية، يبحث عن الإصلاح الشامل والتخلص من الفساد، لكنه حاد عن هدفه الرئيس، واستطاعت قوى وتنظيمات طامحة للسلطة من السيطرة على هذا الربيع، والذي نتج عنه عمليات لجوء وفوضى وانهيار للحدود كان الأردن أبرز المتضررين منها.
وبين أنَّ الأردن كان بالفعل عليه دور أخلاقي بهذه القضية، لكنه كان يأمل بأن تكون الحكومات أكثر قدرة على إدارة هذا الملف، إذ تخلت غالبية الدول عن التزاماتها تجاه اللاجئين، بينما يتحمل المواطن الأردني كلف اللجوء في كل المجالات، وكان هذا واضحا وجليا في كلمة جلالته أمام منتدى جنيف للاجئين قبل أشهر.
وعلق القطاطشة، على الفصل الثَّالث الذي وثق لإدارة الأردن اقتصاديا في القرن الـ20، مبينًا أن الأردن على مستوى الإدارة النقدية، كان ناجحا بشكل كبير، لكنه واجه مشكلة بعلاج المشاكل الاقتصادية والاستثمار، ويشير جلالة الملك بكل لقاءاته إلى التحديات الاقتصادية التي تلقي بظلالها بالدرجة الأولى على المواطنين من بطالة وتضخم.
ولفت إلى أن الحكومات المتعاقبة، واجهت مشكلة بالإدارة الاقتصادية، وأن أفضل طريقة اليوم هي الاستفادة من هذه الأخطاء وعلاجها، وأن ما يعرف عن الأردن طيلة هذه السنوات أن كل أزمة يواجهها يخرج منها بشكل أقوى، وأن الملف الاقتصادي والاستثمار يحتاج إلى جراحة عميقة ليبدأ الأردني بحصد نتائج إيجابية في حياته اليومية بعيدا عن الضغط.
وأكد أن تحديات المياه والطاقة وغيرها التي وردت في الفصل الرابع، ليست سهلة لكن لا يصعب مواجهتها، وأن السنوات الماضية كشفت عن أزمة عميقة في مجالي المياه والطاقة وتحتاج حاليا لمراجعة كبيرة، خصوصا مع دخول الأردن المئوية الثانية، وهناك تحولات وتحديات إقليمية وعالمية كبيرة.
ونوه إلى أنَّ الأردن نجح في الحداثة والخدمات والتعليم والصحة، اذ أن لديه أقل نسبة أمية في العالم، وتجاوز الهشاشة التي مرَّ بها الإقليم، فقد كان هناك جهد واضح وكبير في هذه القطاعات، ونحتاج إلى أن نبني على ذلك مستقبلا من إدارة الدولة واستغلال الموارد وبناء الإنسان والكوادر البشرية.
وقال إنَّ كل هذا الاستقرار الذي وصله الأردن، سببه الاتفاق والإجماع على النظام السياسي الأردني والقيادة الهاشمية، وهذا الاستقرار والاتفاق من مختلف الأطراف على شرعية النظام السياسي، جعلت الأردن يمضي في مسيرته وتجاوز الأخطاء وإصلاح عدد آخر منها والبحث عن حلول.
واحتوى الكتاب على فصل متخصص بتطور التشريعات وسيادة القانون، ومواجهة الفساد بطريقة مؤسسية، وكسر ظهره عبر المحاسبة ووضع تشريعات تجفف منابعه، وتحديث القطاع العام ورقمنة الخدمات العامة، والاتجاه نحو الحكم الرشيد في إدارة الدولة، وكان جلالة الملك يتابع هذا النهج أولا بأول.
وبهذا، يكون الكتاب أول مرجعية تصف بشكل وثيق وبالأرقام طريقة تطور الدولة الأردنية وعمل المؤسسات فيها بكل شفافية، وأنَّ كل يوم يمضي كان هناك مراجعة للأخطاء وعلاجها والبحث عن حلول علمية مدروسة ومؤسسية ومنهجية، والاستفادة من التجارب السابقة والحالية واللاحقة، ومحاولة التعامل مع الأزمات غير الطبيعية بأقصى درجات التخطيط، والبناء على النجاحات التي تحققت عبر هذه السنوات الماضية.