عروبة الإخباري –
يُعد قرار محكمة العدل الدولية بمطالبة إسرائيل باتخاذ كل التدابير اللازمة والضرورية لمنع ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة الذي يشهد حرباً منذ 112 يوماً سابقة تاريخية، وإنجازاً حقيقياً، فهو يضع حداً لتمادي إسرائيل على القانون الدولي، إذ جاء من الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وبارقة أمل جديدة لإنصاف الفلسطينيين في مسيرتهم النضالية للتحرر من الاحتلال، وإجباره على مواجهة جرائمه أمام كل المجتمع الدولي.
ويطلب قرار المحكمة الذي صوت عليه 15 قاضياً من أصل 15 من الاحتلال وحماس تنفيذ التالي:
1- اتخاذ كل التدابير الممكنة لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
2- اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني للمدنيين في غزة.
3- على حماس والفصائل الأخرى إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور.
4- مطالبة الاحتلال بتقديم تقرير للمحكمة بشأن الخطوات التي تتخذها في غضون شهر.
واستثنى القرار في جوهره، الدعوة إلى وقف إطلاق النار على الفور في قطاع غزة.
تعريف بالمحكمة
تعتبر محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، المختص في تسوية النزاعات بين الدول، بخلاف محكمة الجنايات الدولية، المختصة في محاكمة الأفراد في الجرائم الخاضعة للقانون الدولي، لكن محكمة العدل الدولية ورغم أهميتها القانونية، لا تمتلك سلطة قادرة إلى إلزام الدول الأعضاء في تنفيذ الأحكام الصادرة عن قضاتها.
وتنص المادة 59 من النظام الأساسي للمحكمة التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقراً لها على إلزامية الحكم بين طرفيه، وبحسب المادة 60 فإن الأحكام الصادرة عنها نهائية وغير قابل للاستئناف، وفي حال وجود نزاع حول معنى أو نطق الحكم، يجب على المحكمة تفسيره بناء على طلب أي طرف، في حين تلزم المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة الدول بتنفيذ تلك الأحكام بحسن نية.
هل يلتزم الاحتلال؟
وبما أن القرار الصادر عن المحكمة اليوم هو بحق إسرائيل، فإن الأسئلة المطروحة تدور حول مدى إمكانية التزام الأخيرة بتنفيذ الأحكام وكافة بنود القرار، خاصة وقد سبق لها أن تنصلت من قرارات ملزمة سابقاً، ويجيب خبراء على هذه التساؤلات بالقول، “في حال عدم امتثال إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية كونها لا تملك سلطة تنفيذية، فإن السلطة التنفيذية الوحيدة هي مجلس الأمن، الذي عليه اتخاذ قرار بموجب الفصل السابع كون الحرب على غزة تهدد الأمن والسلام الدوليين”.
تصعيد محتمل
تأمل جنوب أفريقيا، الدولة التي اتهمت الاحتلال في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2023، أمام محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية من خلال ما ترتكبه من فظائع بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، من الأخيرة بالامتثال للقرار، وتنفيذ بنوده، وعدّ زير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا الحكم انتصاراً للقانون الدولي، فلا يمكن إعفاء إسرائيل من الامتثال لالتزاماتها الدولية، مطالباً العالم بضرورة ضمان عيش الجميع في مجتمع قائم على القواعد.
وتنص اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي صدرت في أعقاب القتل الجماعي لليهود في المحرقة النازية (الهولوكوست)، على أن الإبادة الجماعية “أفعال ترتكب بقصد التدمير، كلياً أو جزئياً، لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”.
وتشمل أعمال الإبادة الجماعية المذكورة في الاتفاقية، قتل أعضاء جماعة، وإلحاق أذى بدني أو ذهني خطير بأفراد جماعة، وتعمد التسبب في أحوال معيشية يراد بها تدمير جماعة كلياً أو جزئياً.
وبحسب الخبراء فإن تحويل القضية إلى مجلس الأمن الدولي قد لا يأتي بنتائج إيجابية، في ظل استمرار الولايات المتحدة باستخدام ورقة الفيتو في كل القرارات الصادرة ضد إسرائيل.
ويشير الخبراء، إلى أن خطوة مجلس الأمن غير مقلقة بالنسبة لإسرائيل، فهي تضمن مسبقاً عدم نجاح التصويت على أي قرار يتخذ في ظل وجود الولايات المتحدة الأمريكية كعضو دائم في المجلس، فهي حليفتها الرئيسية التي تدعم جهودها، وتقف في وجه أي مساع للإضرار بمصالحها وسياساتها.
تبعات
ويرى الخبراء، أن تهرب إسرائيل من تنفيذ القرار يجعل القانون الدولي حبراً على ورق، ويفقد المؤسسات الدولية مصداقيتها بشكل كامل. ومع ذلك تبقى الخيارات متاحة للتعامل مع تهرب إسرائيل أو تدخل الولايات المتحدة لتأمين غطاء لها في مجلس الأمن، من خلال ممارسة بقية الأعضاء الأربعة الدائمين والعشرة غير الدائمين في مجلس الأمن ضغوطاً على واشنطن من أجل تغيير موقفها، ودفعها لرفع غطاء الحماية والحصانة عن إسرائيل، وإلزامها بتنفيذ ما سيصدر من قرارات.
كما قد تواجه إسرائيل عقوبات دولية، إن واصلت تعنتها، فالكثير من الخبراء أكدوا إمكانية إصدار دول مختلفة حول العالم عقوبات دبلوماسية واقتصادية على تل أبيب، مع مواصلتهم رصد وتوثيق كل الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، لإخضاعها للمحاسبة أمام المؤسسات الحقوقية والجهات المختصة.