عروبة الإخباري –
الدستور الأردنية –
عندما نفقد أحبتنا يبقى خنجر الفراق في الروح قبل القلب جرحا نازفا لا يدمل مع الايام رغم استمرار الحياة.
سينزف القلب في يوم ماطر أو في طريق يذكرك بمن فقدت..ينزف القلب عند كل مناسبة مع « هلال رمضان والعيد ومع وقفة عرفات ومع صوت كل أذان وفجر كل يوم وغروب شمسه «
ينزف القلب مع كل رنين هاتف لتندفع إليه على أمل أن يعود ذلك الصوت الذي فقدته ثواني فقط لتتذكر الرحيل والبعاد.
الفقد من أصعب المواقف والفراق ووجع غائر في ثنايا الروح.
مع كل فقد تفقد من روحك الكثير.. تفقد من حياتك وجوها كانت الأمل والحياة..تفقد احضانا كانت هي الأمان.. تفقد ابتسامة كانت تمنحك الحب والحياة فكيف وانت تفقد عائلة كاملة، تفقد الزوجة والابناء والاحفاد، لتقف مرة اخرى ليعود الموت خاطفا من جديد قطعة من القلب وتقف من جديد رغم ذوبان الروح في وجوه مضت ولن تعود حتى يأذن الله اللقاء.
صورة وائل الدحدوح أيقونة الصبر وهو يفقد من جديد قطعة من روحه أوجعتني وفي ذات الوقت ابهرتني.
وائل هو الشهيد والشاهد الصحفي الذي غطى جرحه عنان السماء، هزني صبره رغم الجروح التي نخرت روحه وقلبه قبل جسمه، عاد للوقوف مرة أخرى ليتحدث بصوت مكلوم وعيون غائرة وهو يودع اول فرحته وكما قال «بكره».
وائل صورة مصغرة لالاف الصور من غزة في خان يونس ورفح والشجاعية وبيت لاهيا وفي كل شارع وحي.
هذا الصحفي الذي أمضى سنين عمره تحت الاضواء ناقلا للخبر فبات وعائلته الخبر.
لاحقته الاضواء سنين ولاحقه الرصاص والقتل أيضا لياخذ منه اعز ما يملك.. ياخذ ماضيه وحاضره ومستقبله وأمله وحياته.
وائل الدحدوح صورة لشعب كامل لوجع وقهر وظلم لعالم اعمى.. صورة اسقطت كل مواثيق الدنيا البالية، صورة الموت الجديدة بعنوان «القتل بحجة الدفاع عن النفس.. صورة القتل أمام العالم.. القتل الممنهج والعالم الصامت».
في غزة صورة العزاء مختلفة، فمن يعزي بالشهادة شهيد ومن يحمل كفن الشهيد شهيد ومن يحاول انقاذ الشهيد شهيد ومن يدفن الشهيد هو شهيد على قائمة الانتظار.
في غزة لا تنصب بيوت العزاء ولا وقت من أجل الرثاء، فاليد التي تربت لتخفيف المصاب تحتاج من يربت عليها، فهو شقيق ذات الوجع و ذات الألم وذات البعاد وذات الفقد وبكل تاكيد ذات الصبر.
دموع وائل تروي جراح كل الفاقدين والمفقودين، صورة وائل استحضار الصبر والايمان الذي أبهر العالم «صورة الاب والزوج.. صورة الاخ والجد.. صورة حزن مدفون.. صورة وجع لن تستطيع مفردات اللغة وصفه».
غزة تحتاج لمئات السنين لتروي قصص أولادها على اختلاف أسمائهم، ستتحدث عن «وائل وحمزة ومحمود وأحمد وقصة ندى وشام وسهام وأمل» ستروي في يوم مشمس قصص كل من غابوا.. قصص الصبر وقصص الوجع والصمود.
وسيبقى السؤال عالقا في في فكري وعقلي كيف يمكن أن يكون الصمود اسطوريا ؟ كيف يمكن أن تسرق منا أرواح حلمنا وأن نكبر معها ؟ كيف يمكن نسيان اللحظات التي جمعتنا وطموحاتنا التي كنا نخطط لها ؟ كيف يمكن الصمود أمام وجع الموت المتتالي ؟ كيف يمكننا الوقوف مرة أخرى ؟. ليرد وائل أنه طريق وجدنا فيه واخترناه، هو الالم المزروع فينا و وهو الحق وهو المهر الذي يجب أن يدفع.
فسلام على كل الشهداء وعلى كل الراحلين وامنحنا يا الله صبر اهل غزة ورقي يقينهم.