هجوم “حماس” ومقتل “سليماني”* د. سالم الكتبي

عروبة الإخباري –

بعد فترة من التحليلات والاستنتاجات وحتى التصريحات الرسمية، التي تربط بين إيران والهجوم الذي شنته حركة “حماس” الإرهابية على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، عادت هذه القضية إلى صدارة السجال بعدما تحدث المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف عن أن عملية “طوفان الأقصى جاءت رداً على اغتيال القائد السابق للحرس الثوري قاسم سليماني، وهو التصريح الذي أثار مجدداً جدلاً واسعاً حول دوافع هذا الهجوم الكارثي الذي تسبب في دمار شامل بقطاع غزة، حيث بادرت “حماس” الإرهابية إلى نفي صحة ما ورد على لسان مسؤول الحرس الثوري، وقالت “أكدنا مراراً دوافع وأسباب وعملية طوفان الأقصى، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد الأقصى الشريف”.

اللافت في الأمر أن حديث القيادي بالحرس الثوري لم يأت على ذكر الشعب الفلسطيني، ولا قضيته ولا كل الأسباب التي تتحدث عنها “حماس” باعتبارها دوافع لهجومها، بل اختزل الأمر في فيما نقلته عنه وكالة “مهر” الإيرانية بالقول إن “عملية طوفان الأقصى كانت إحدى العمليات الانتقامية التي قام بها محور المقاومة من الصهاينة لاستشهاد اللواء سليماني”.

من جانبه حاول الحرس الثوري توضيح ما وصفه بـ”سوء الفهم” الذي حدث في جزء من كلام المتحدث باسمه بشأن عملية “طوفان الأقصى”، وقال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أن “طوفان الأقصى عملية فلسطينية خالصة، ولا تأثير لأي قوة خارجية بذلك، ومستقلة عن انتقامنا لدماء القائد السابق للحرس قاسم سليماني”. وأضاف: “لا شك أن لدى جبهة المقاومة مشتركات كثيرة لكن لكل محور فيها استقلاليته في التحرك”، وقال: “كل ركن من أركان جبهة المقاومة يعمل وفق مكوناته الوطنية وما يجمعنا معا هو مقاومتنا الإسلامية، مؤكدا “أننا حتى آخر نفس ولحظة ندعم الشعب الفلسطيني، ونتبنى العمليات التي نقوم بها دون خوف من أي كان”.

ويلفت انتباهي ـ كمراقب ـ في ذلك نقاط مهمة منها أن الحرس الثوري يعتبر “حماس” أحد اذرع ما يصفه بـ”محور المقاومة”، وأن العلاقة بين الجانبين هي علاقات تنظيمية ويربطهما مايربط الفرع بالأصل، وليست علاقات تعاون قائمة على تشارك أيديولوجي أو أي سبب آخر. النقطة الثانية تتمثل في سبب ربط رمضان شريف المتحدث باسم الحرس هجوم السابع من أكتوبر بمسألة الانتقام لمقتل سليماني سواء بشكل كلي أو حتى جزئي، ولكيف له أن يكون قد وقع فيما تصفه البيانات الصادرة عن الحرس الثوري بـ”سوء الفهم” وهو المنوط به مهمة توضيح نقاط الالتباس والغموض لدى الآخرين في فهم أي موقف أو سياسات تتعلق بالحرس الثوري، بمعنى أنه كيف يمكن الاقتناع بأن متحدث إعلامي يقع في خطأ استراتيجي كهذا، ما لم تكم هناك رسالة محددة يراد إبلاغها لطرف محدد، أو لأن إيران التي توازن دائما بدقة بين حسابات الربح والخسارة في مواقفها السياسية قد استنتجت أن ربط نفسها بهجوم “حماس” الإرهابية بشكل مباشر يفوق في عوائده الاستراتيجية ما يمكن أن يترتب على سياسة الانكار، والإصرار على أن قرار الهجوم هو من داخل “حماس” وأنه لا تأثير لإيران على قرارات الحركة في هذا الشأن، لاسيما أن التبني الرسمي أو الاعلان من دون انكار يعقبه يعني احتمالية عالية لأن تدفع إيران ثمن كل هذه الهجمات وما تسببت فيه من خسائر بشرية ومادية، سواء لإسرائيل أو لغيرها من الدول (لاسيما فيما يتعلق بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر)، وبالتالي تبقى المراوحة بين الاعلان والانكار تكتيك ارتأته طهران لتأكيد دورها دون تحمل عواقبه.

بلاشك إذن أن حديث رمضان شريف لم يخضع لسوء فهم أو تأويل أو تحريف، وأن مسؤولي الحرس الثوري يدركون ذلك جيداً، والأرجح أنه يراد منه إيصال رسالة محددة سواء لإسرائيل، أو للأطراف والقوى الاقليمية والدولية المعنية بالملف الفلسطيني، وأحداث قطاع غزة تحديداً، لاسيما أن إيران تخشى انهيار “استثماراتها” في القطاع بالقضاء على نفوذ حركة “حماس” واقصاء الحركة من المعادلة الفلسطينية للأبد، وهو السيناريو الذي يقترب سواء على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية، وما يرتبط بها من إصرار حكومة نتنياهو على استئصال نفوذ الحركة وانهاء وجودها السياسي والأمني والعسكري في القطاع، أو لأن جميع مقترحات التسوية المطروحة للنقاش تستبعد “حماس” تماماً من مشهد اليوم التالي للحرب، وذلك لأن الجميع يدرك أن إسرائيل لن تقبل مناقشة أي مقترح يأتي على ذكر الحركة من قريب أو بعيد، وهذا الأمر يعني خسارة استراتيجية فادحة لإيران بفقدان أحد أهم أذرعها التكتيكية في المنطقة.

في ضوء ماسبق، يمكن فهم حديث المتحدث باسم الحرس الثوري باعتباره “رسالة” متعمدة، تعيد مسألة علاقة إيران بهجوم حماس إلى دائرة الضوء ما يمثل رداً إيرانياً غير مباشر على كل مقترحات التسوية التي تستبعد أي دور لإيران، ولا ترى فيها لاعباً إقليمياً مؤثراً في الملف الفلسطيني رغم أن طهران تسعى بكل قوة إلى ومن خلال وكلائها ـ سواء حماس أو “الحوثي” أو “حزب الله” اللبناني ـ لأن تصبح الرقم الأصعب في معادلات البحث عن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن!.

السؤال الأهم هنا هو لماذا الآن؟ وكيف لمسؤول رسمي بمكانة المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري الايراني أن يطلق هذه التصريح وهو يدرك تماماً أكثر من غيره ارتفاع منسوب التوتر في البيئة الجيواستراتيجية الاقليمية، وتزايد الحديث عن احتمالية اتساع نطاق حرب غزة بسبب هجمات الحوثيين وتهديداتهم لحركة التجارة الدولية في البحر الأحمر، وهي ممارسات تحمل الولايات المتحدة والقوى الدولية الغربية مسؤوليتها لإيران بشكل مباشر؟. الجواب عن هذا السؤال وغيره من التساؤلات المحيرة يمكن أن نجد لها إجابات في قادم الأيام.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات