خطر متزايد لتهديدات “الحوثيين”* د. سالم الكتبي

عروبة الإخباري –

ايلاف –

مدمرة الصواريخ الموجهة الأميركية يو إس إس كارني من فئة أرلي بيرك، أسقطت في 16 ديسمبر 2023 أكثر من عشرة طائرات بدون طيار في البحر الأحمر، والتي تم إطلاقها من مناطق تحت سيطرة الحوثيين في اليمن. أ ف ب

مدمرة الصواريخ الموجهة الأميركية يو إس إس كارني من فئة أرلي بيرك، أسقطت في 16 ديسمبر 2023 أكثر من عشرة طائرات بدون طيار في البحر الأحمر، والتي تم إطلاقها من مناطق تحت سيطرة الحوثيين في اليمن. أ ف ب

لم تعد تهديدات ميلشيات “الحوثي” باستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب مجرد دعاية أو تصريحات خاوية، بعد أن انتقلت إلى التنفيذ الفعلي، وأصبحت حقيقة واقعة وسط حالة عالمية تراوح بين الصمت والتردد والإدانات الكلامية، التي يدرك “الحوثي” وداعميه أنها تكشف عن حالة عجز دولي في مواجهة هذه الممارسات، التي لا تمس مصالح طرف بعينه، بل تمثل تهديداً فعلياً متزايداً بوتيرة متسارعة لحركة التجارة العالمية، التي لم تزل تعاني تبعات تفشي وباء “كورونا” وأزمة أوكرانيا، ولا ينقصها أن تضاف إليها تهديدات باستهداف حركة التجارة في البحر الأحمر حيث تمر مابين 10 ـ 15 % من التجارة العالمية، فضلاً عن أهمية الممر البحري لنقل أكثر من خمسة ملايين برميل نفط يومياً تتجه إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ما يفتح الباب أمام سيناريو سىء مثل نقص الامدادات وما يرتبط به من تأثيرات سلبية بالغة مثل ارتفاع أسعار الطاقة وغير ذلك من تبّعات اقتصادية متتالية.

تهديد حركة النقل البحري عبر باب المندب وصولاً إلى قناة السويس مسألة غاية في الخطورة، ليس لأنها تعرقل حركة التجارة العالمية فقط، ولكنها تؤثر سلباً في اقتصادات النقل والتبادل التجاري والاقتصاد العالمي في الإطار الأشمل، بالنظر إلى التداعيات السلبية لهذه التهديدات على تكلفة الشحن والتأمين على السفن، فضلاً عن تأثر اقتصادات دول مثل مصر التي تمثل عائدات قناة السويس شرياناً مهماً لاقتصادها، وبالتالي فنحن بصدد قضية متعددة الأطراف، ولا نستطيع الادعاء بأن هذه التأثيرات متعددة الأبعاد غائبة أو تخفى عن إدراك ميلشيات الحوثي وداعميها ومموليها الاقليميين، بل هي في قلب حساباتهم الاستراتيجية تماماً، واستطيع ـ كمراقب ـ القطع بأن أحد أبرز أهداف الحوثي ومن خلفه مخططي السياسات في طهران هو ممارسة أقصى الضغوط على الأطراف المعنية، سواء كانت دول غربية أو إقليمية، لدوافع جيوسياسية بعضها معلن مثل إرسال المساعدات إلى غزة، وبعضها الآخر ـ وهذا هو الأهم ـ خفي ومستتر ويتعلق بالضغط على الغرب تعزيزاً لمكانة إيران ودورها الإقليمي والدولي كلاعب لا غنى عنه في معادلات الأمن والاستقرار، وبالتبعية محاولة تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وانهاء مشروعات بناء السلام وتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل في مراحل لاحقة لحرب غزة بشكل نهائي.

بلاشك أن إيران تزداد قلقاً بسبب تنامي الحديث حول مستقبل قطاع غزة، وتمحور الحديث ـ سواء المتداول رسمياً أو غير التسريبات الإعلامية الغربية والإسرائيلية ـ حول تصورات جديدة لمستقبل القطاع من دون حركة “حماس” الارهابية، وهو ما يعني ضياع حلم إيران الاستراتيجي في القبض على مفاصل القضية الفلسطينية والتحكم بمصيرها عبر حركة “حماس” الارهابية، وبلاشك كذلك أن ما يثير قلق إيران أيضاً هو أن السيناريوهات المتداولة في هذا الشأن تتحدث بالتوازي عن مواصلة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وحصر معالجة المسألة الفلسطينية فيما يمكن تسميته بمربع التطبيع العربي ـ الإسرائيلي، وهو مايعني العودة إلى ما قبل الهجوم الدموي في السابع من أكتوبر، الذي شنته “حماس” بالتنسيق أو بإيعاز أو بتعليمات، قل ما تشاء في ذلك وسمه ماشئت، ولا قيمة هنا للمفاهيم والمسميات لأن الحقائق باتت واضحة لكل ذي عقل وبصيرة، وهذا السيناريو المرعب لإيران، يمثل خطراً داهماً على مجمل استثمارها وتخطيطها الاستراتيجي الذي بدأ منذ سنوات وعقود عبر ما تسميه بمحور المقاومة، ولاسيما أن هناك حديثاً متداولاً عن مصير “حزب الله” اللبناني، وتركيزاً على وضع حد لخطر الحزب على أمن إسرائيل، وأيضاً التصدي لتهديدات الحوثي عبر تحالف دولي بحري، ما يعني ببساطة تفكيك شبكة الأذرع الإيرانية، وهو أمر تنظر إليه طهران بجدية وقلق بالغين، ويفسر تغير سلوكيات هذه الأذرع عبر تصعيد تهديداتها سواء شمال إسرائيل أو في باب المندب وادعاء أنها لدعم غزة، مع أن ما يحدث في القطاع لم يبدأ الأسبوع الماضي بل مضى عليه أكثر من شهرين.

دعونا نتذكر حقيقة مهمة للغاية، برأيي، وهي أن ميلشيات الحوثي لم تلجأ أبداً لتهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر خلال ذروة الأزمة اليمنية، واكتفت باستهداف سفن تابعة لدول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ولم تستهدف سفن أي دولة أخرى حتى وإن اتجهت إلى موانىء دول التحالف، وذلك حين كانت تريد استقطاب التعاطف الدولي بزعم أنها “ضحية” في وقت يدرك الجميع فيه أنها من أشعلت الحرب في اليمن كما أشعلتها “حماس” في غزة، وبالتالي فإن توجه “الحوثي” نحو توسيع دائرة الصراع وتعظيم الضغوط على المجتمع الدولي، هو بحد ذاته خطوة نوعية مغايرة ومؤشر قوي على ترجمة فعلية لتهديدات إيران منذ بداية الصراع في غزة بخطر توسيع رقعة الصراع الإقليمي، حيث تدرك طهران أن المساس بمصالح أطراف إقليمية ودولية يمكن أن يجر هذه الأطراف إلى صراع في جبهات أخرى مثل اليمن ولبنان وهو سيناريو كارثي لا يمكن توقع مساراته وعواقبه.

ماهو يجري الآن أن ميلشيا الحوثي رفعت منسوب تهديداتها بشكل مدروس، فبعد أن استهدفت سفناً إسرائيلية ولم تجد أي ردع مناسب نظراً لكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل ومنعها من الرد كي لا تتسع دائرة الحرب، وهو أمر قد لا ترغب فيه إسرائيل أيضاً لأسباب واعتبارات عديدة لا مجال هنا لشرحها تفصيلاً، فقد اتجهت ميلشيات الحوثي لاستهداف سفن تجارية تابعة لدول أخرى، والاعلان عن استهداف أي سفن تجارية متجهة إلى موانىء إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها، وهو ما يعني واقعياً محاولة فرض حصار بحري جزئي على إسرائيل، ما يعني أن هناك اختبار معقد يواجه القوى الاقليمية والدولية الساعية إلى تحقيق الأمن والاستقرار للتصدي لهذه الممارسات التي تبعث برسائل خاطئة يمكن أن يترتب عليها المزيد والمزيد من الفوضى والاضطرابات، وما يؤكد ذلك أن “البنتاجون” الأمريكي يؤكد أن استهدف سفينة تجارية بالقرب من اليمن قد تم بوساطة مسلحين صوماليين وليسوا حوثيين، وقد يكون هناك ترتيبات حوثية معينة لاستخدام القراصنة في توسيع دائرة الاستهداف ونشر الفوضى في هذه المنطقة البحرية الحيوية، وهذه هي النقطة الأخطر التي ينبغي التوقف عندها والتصدي لها لك صرامة وحزم.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير