عروبة الإخباري –
تحت عنوان «القدس في الشعر العربي الحديث» انطلقت صباح أمس فعاليات الموسم الثقافي الواحد والأربعين، لمجمع اللغة العربية الاردني، الذي افتتح بكلمة خاصة لرئيس المجمع، جاء فيها:
“يشرفني في هذه اللحظة التي ترتقي فيها أرواح الشهداء إلى بارئها من غزة ومن القدس، ومن كل مدن فلسطين وبلداتها، أن أنحنيَ تحية إجلال وإكبار لهؤلاء الشهداء الذين التحقوا ببارئهم نيابةً عن الأمة في زمن عنجهية الاحتلال وغطرسته وإصراره على محو الشخصية التاريخية والدينية لمدينة القدس مدينة السلام ومدينة المحشر والمنشر».
وتابع حديثه حول القدس: «إن الدراسات الجامعية التي أعدت حول منزلة القدس في الأدب والشعر العربي الحديث جاءت لتقول لنا أن الأشعار التي قيلت فيها لا ترقى إلى مقام مدينة السلام التي هي في وجداننا جميعًا، أو كما يقول الشيخ مهدي شمس الدين -رحمه الله -: «القدس في الضمير».
وتساءل: «هل خذلت القريحة الشعرية لدى العرب القدس، ولم يرقَ شعرها إلى مستوى المعراج وصلاة الرسول بالرسل في القدس، أليس هناك من صوفي يطير بنا بشعره إلى سدرة المنتهى؟ لماذا غاب الألق وكتم الإملاق على أنفاس الشعراء».
وختم بالأمل المشرق في النصر والتحرير القادم لا محالة: «لن أقنط أبدًا، بل سأفزع بنفسي إلى سعيد عقل والأخوين رحباني والسيدة فيروز؛ لأدخل برفقتهم مدينة القدس، وأصلي هناك في المسجد الأقصى».
وقد تضمنت الجلسة الأولى التي ترأسها الأستاذ الدكتور علي محافظة، عرضًا لثلاثة أبحاث: الأول بعنوان «القدس المكان والرمز»، قدمه عضو المجمع الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين، والثاني بعنوان «صورة (القدس) في شعر أحمد مطلوب»، قدمه الأستاذ الدكتور محمد العاني من المجمع العلمي العراقي، والثالث بعنوان «القدس في الشعر المعاصر، تأملات في عبقرية المكان أم في سرة الكون»، قدمه الأستاذ الدكتور زياد الزعبي، أستاذ النقد الأدبي في جامعة اليرموك.
وتحدث الدكتور السعافين في بحثه عن مكانة القدس الدينية والقومية في نفوس المسلمين والعرب، وأهميتها الأدبية والفنية من حيث رمزيتها من جانب، ومن المواضيع التي تناولها السعافين: طبيعة المكان وثراؤه، مستعرضًا عددًا من الأماكن العريقة فيها، بما تحمله من حكايا نابضة بالحب والحياة، واصفًا الحالة المزرية التي آلت إليها بعد أن دنستها أيدي الاحتلال الغاشم.
وأشار الدكتور محمد العاني في بحثه عن توظيف الصورة الشعرية التي ترتبط بالقِيَمِ النّبيلةِ في شعر اللغوي أحمد مطلوب، وعن صورة القدس التي تكشف عن الأصالةِ المرتبطةِ بالجودة والإحكامِ والانتماءِ إلى الماءِ والأرضِ والطّين، فهوَ الّذي عُرفَ بانتمائِهِ لقضايا العروبةِ التي تشكّلتْ في شِعره بطريقة خاصّة.
وبيّن الدكتور زياد الزعبي أن ما سعى إليه في بحثه هو قراءة حضور القدس في الشعر العربي المعاصر، وتأمل صور هذا الحضور معتمدًا على المادة الواسعة التي جمعها وعالجها الدكتور محمد حور في كتابه: «تجليات القدس في الشعر المعاصر»، إضافةً إلى إيراد صور القدس في الشعر بأبعاده المعرفية والإنشائية والدينية التي برزت فيه أو غابت عنه.
وتضمنت الجلسة الثانية التي ترأسها عضو المجمع الأستاذ الدكتور محمد عصفور، عرضًا لثلاثة أبحاث: الأول قدمه عضو المجمع الأستاذ الدكتور محمد حور، بعنوان «صور القدس في شعر المرأة»، والثاني قدمه الأستاذ الدكتور زهير عبيدات من الجامعة الهاشمية، بعنوان «القدس والأقصى في شعر أيمن العتوم»، والثالث قدمه الأستاذ الدكتور نارت قاخون من جامعة آل البيت، بعنوان «مريد البرغوثي والتعب المقدسي- دراسة في الاستعارة المتعبة».
وأشار الدكتور محمد حور في بحثه إلى دور المرأة الفلسطينية في النضال والدفاع عن وطنها المغتصب عامة، وفي بكائها على مدينتها المقدسة «القدس» خاصةً، مستعرضًا عددًا من النساء اللواتي ضربن أروع الأمثلة ووظّفن أشعارهن في خدمة مدينتهن القدس، من أمثال: مي صايغ، وعائشة الخواجا، وكلثوم عرابي، ونبيلة الخطيب، وشهلا الكيالي…وغيرهن، ملقيًا الضوء على أبرز خصائص أشعارهن الموضوعية والفنية.
وتحدث الدكتور العبيدات في بحثه عن صورة الأماكن المقدّسة في مدينة القدس، في شعر أيمن العتوم، وماهيّة هذه الصورة ومرجعيّاتها وعلاقتها بالإنسان وموقفه منها، مع توضيح مفهوم المكان ودوره وسلطته وتوظيفه في الصراع مع الاحتلال وقدرته على تحويله إلى خطاب تعبير عن القضية الفلسطينية وعن الواقع العربي المعاصر، وعلاقة الإنسان بالمكان، وموضوع الهويّة والانتماء، والتقنيات الفنية واللغوية التي استخدمها الشاعر في قصائده.
وأورد الدكتور قاخون في بحثه مظاهر التّعب التّخييليّ، والإعياء التّصويريّ، المعبّر عنه بـ”الاستعارة المتعبة»، الّتي يقترحها الباحث نوعاً من الاستعارات النّفسيّة المعرفيّة في نماذج من شعر مريد البرغوثيّ، ونثره، حيث تظهر «القدس» في استعارات إدراكيّة تعبّر عن تعب وإعياء يتجلّى في بناء الاستعارات، وفضاءات مِنوالها الاستعاريّ، وأنّ هذا التّعب في الاستعارة يفتح آفاقاً جديدة في تأويل الاستعارة، وإدراك مآلاتها في بنية النّصّ نفسه.
وخرج الموسم بجملة من التوصيات، أهمها: ضرورة الالتفات إلى مكانة القدس، بوصفها مولِّداً للأدبية بمفهومها المعاصر، لذلك يوصى بدراسة (أدَبيّة توظيف القدس في الشعر العربي المعاصر)، وتخصيص دراساتٍ جامعيةٍ متقدمة، تُعنى بالأعمال الأدبية التي اتخذت من القدس ومتعلقاتها موضوعاً لها، وتشكيل معرفةٍ بالقدس ومكانتها في تاريخ العرب والإسلام، وذلك بعقدِ ندواتٍ سنويةٍ تبرر موقعها في صراعنا مع الأجنبي، ومنزلتها في الوجدان الأدبيّ العربي، وجمعُ الأشعار التي قيلت في القدس في العصر الحديث، وحفظها في دواوين أو تسجيلات صوتية، لت?ون في متناول الباحثين، لأهميتها الموضوعية والفنيّة، و ترجمة الأشعار التي قيلت في القدس ترجمةً أدبية عالية، إلى لغات عالميةٍ عدَّة لتكوين رأي عام متعاطف مع القضية العربية، وانتقاءُ بعض الأعمال الشعرية الخاصة بالقدس، وإنشاؤها بأسلوب مسرحيّ، في الأنشطة المدرسية اللامنهجية، واحتفالات المدارس في المناسبات القومية، إذكاءً للروح الوطنية، وجَعْلُ بعض الأعمال الشعرية الخاصة بالقدس مادة للمباراة في الحفظ وإتقان مهارات الإلقاء، أو التدرب السمعيّ على أوزان العروض في الأنشطة المدرسية المساندة، وتتبُّع الشعراء والأدباء ?لذين لهم عناية بالقدس، والإفادة من أعمالهم الإبداعية في الإعلام المرئي الهادف، والاعتناء بكل ما يصدر من شعرٍ رصين جديرٍ بالقراءة والحفظ، عن القدس وكُلِّ بُقعةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ مأزومة، وجعله جُزءاً من النصوص التي يُدار عليها الدرس اللغوي، في الوحدات الدراسية، في المناهج المدرسية والجامعية، وبيان ما فيه من قيمٍ إنسانيةٍ وجماليةٍ وفكرية، وإعادةُ الأبعاد المقاومة إلى مفاهيم الثقافة والمثقَّف، والأدبِ والأديب، واستنطاق المكنونِ العربيِّ النقديّ، وتكثيف البحث المعرفيّ الكامن في الخبرة اللغوية العربية من بلاغيةٍ?وفلسفيةٍ وكلاميةٍ وتأصيلية، للوصول إلى نظرياتٍ نقدية عربيةٍ موضوعية، لا تكون انعكاساً ثابتاً للنموذج الغربيّ.