حضور لافت في قلب السينما العربية للقضية الفلسطينية

عروبة الإخباري –

منذ اللحظة الأولى التي نشأت فيها القضية الفلسطينية، والعرب كلهم يعتبرونها قضيتهم المصيرية، قد تسبق أو تأتي بعد قضاياهم المصيرية المحلية، ولكنها لا تقل أهمية.

ورغم أن السينمائيين العرب شاركوا بدور ما، يزيد أو يقل من بلد لآخر، ومن فترة زمنية لغيرها، في تناول القضية الفلسطينية في عدد كبير من الأفلام (وثائقية وروائية)، يقترب من 900 عمل، إلا أن المحصلة النهائية ومدى تأثير هذه الأفلام عربياً وعالمياً محل تساؤل وشك.

كان طبيعياً أن تكون السينما المصرية، بحكم أسبقيتها وحجم إنتاجها وانتشارها، هي أول من يتعرض للمشكلة الفلسطينية، ولكن حتى قبل أن تظهر هذه السينما، فقد كان لفلسطين حضور كبير في مولدها، وذلك من خلال الأخوين بدر وإبراهيم لاما، الفلسطينيين اللذين صنعا واحداً من أوائل الأفلام المصرية وهو “قبلة في الصحراء”،1927، قبل فيلم “ليلى” لعزيزة أمير، الذي اعتبر لسنوات طويلة أول فيلم مصري.

ومن الطريف أن الأخوين لاما، الذين عادا من أمريكا اللاتينية، في بداية العشرينيات، ليؤسسا شركة سينما في فلسطين، لم يستطيعا ذلك بسبب مضايقات الاحتلال البريطاني، فتوجها إلى الإسكندرية، وحققا حلمهما في مصر، حيث عاشا وصنعا ما يزيد عن 60 فيلماً.

مع ذلك، فقد كان على السينما المصرية أن تنتظر 20 عاماً، لتصنع أول فيلم يتعرض مباشرة للقضية الفلسطينية، وهو “فتاة من فلسطين”، عام 1948، الذي أخرجه محمود ذو الفقار، من تأليف وإنتاج زوجته، آنذاك، عزيزة أمير، رائدة السينما المصرية، وبطولة اللبنانية سعاد محمد،

ويروي الفيلم جانباً من الحرب الأولى التي أعقبت إعلان دولة إسرائيل، من خلال قصة حب تجمع بين طيار مصري تسقط طائرته، وفتاة فلسطينية من المقاومة تقوم بإنقاذه.

في العام التالي تقوم عزيزة أمير بإنتاج عمل آخر يتعرض لحرب 1948، وهو فيلم “نادية” ولكن هذه المرة تقوم ببطولته أمام زوجها محمود ذو الفقار، ومن إخراج فطين عبد الوهاب، والذي يدور حول فتاة تكرس حياتها لتربية أخيها وأختها، ولكن الأخ يستشهد في حرب 48.

يعكس الفيلمان، إذن، ما حدث في هذه الحرب من آمال عظمى وانكسارات حادة، وهزيمة كانت أحد الأسباب الأساسية لقيام الجيش بحركة، أو ثورة، 1952.

بعد 1952 ظهرت عدة أفلام تعرضت للقضية الفلسطينية بشكل أساسي أو ثانوي منها “أرض الأبطال” لنيازي مصطفى، 1953، و”الله معنا”، لأحمد بدرخان، 1954، وعقب أزمة السويس والعدوان الثلاثي ظهرت أعمال منها “شياطين الجو”، لنيازي مصطفى، 1956، “وداع عند الفجر، لحسن الإمام، 1956، “أرض السلام”، لكمال الشيخ، 1957، “طريق الأبطال”، لمحمود إسماعيل، 1961، “صراع الجبابرة”، لزهير بكير، 1963، والفيلم الأخير الذي يلعب بطولته أحمد مظهر ونادية لطفي، تدور أحداثه في غزة ويظهر فيه ممثلون فلسطينيون لأول مرة، ولكنه مثل “فتاة من فلسطين” ومعظم الأفلام السابقة، يدمج الحكاية الفلسطينية داخل قصص الحب المعتادة التي كانت سائدة في الميلودراما المصرية وقتها.

ينبغي أن نتوقف قليلاً هنا أمام ملحوظة، كثيراً ما تُذكر حول المستوى المتواضع شكلاً ومضموناً، للأفلام التي تناولت المعارك والقضايا السياسية الكبرى، مثل فلسطين وحرب أكتوبر وغيرها.

ذلك أن السينما بحكم طبيعتها “التجارية” تعمل غالباً وفقا لمعادلات إنتاجية وقوالب وقواعد فنية جاهزة، ولا تتغير هذه السينما عندما تعالج موضوعاً جاداً، ولكن معالجة الموضوعات تتغير عندما تتغير هذه القوالب والقواعد، وهو ما يمكن أن نجده في الأعمال التي تناولت فلسطين خلال العقود التالية: مع ظهور موجة “الواقعية الجديدة” في بداية الثمانينيات ظهرت أفلام مثل “الأقدار الدامية” لخيري بشارة، 1982، و”ناجي العلي” لعاطف الطيب، 1992، و”القبطان” لسيد سعيد، 1997، والتي تتناول القضية الفلسطينية بنبرة جادة فنية.

وعندما وقعت السينما المصرية مرة ثانية تحت رحمة المعايير التجارية والسطحية الفنية، نهاية التسعينيات، ظهرت أعمال مثل “صعيدي في الجامعة الأمريكية” لسعيد حامد، 1998، “أصحاب ولا بيزنس” لعلي إدريس، 2001، “بركان الغضب” لمازن الجبلي، 2004، و”ولاد العم” لشريف عرفة، 2009، والتي تتناول الموضوعات بشكل دعائي ساذج.

وإن كان، في إطار الإنتاج الفني البديل، والذي اعتمد على الإنتاج المشترك مع أوروبا، قام أيضا يسري نصر الله بصنع فيلمه المكون من جزءين: “باب الشمس” و”باب الشمس- العودة” في 2004.

على أية حال جدير بالذكر أيضا أن آخر عمل لمخرج مصري تناول موضوعاً فلسطينياً كان “أميرة” لمحمد دياب، 2021، وقد أثار ما أثاره من جدل واتهامات لأصحابه بالإساءة. وبشكل عام هذا مصير الكثير من الأعمال الفلسطينية وغير الفلسطينية التي قدمت عن القضية.

Related posts

هيئة أجيال السلام أقامت العرض الأول للفيلم السينمائي القصير «غصن الزيتون»

رامي عياش أشعل مسرح كازينو لبنان دعماً لطلاب جامعة الروح القدس – الكسليك

ديامان أبو عبود: السينما صالحتني مع نفسي و”أرزة” تُشبهنا بروحها ونضالها