عروبة الإخباري –
مركز الدستور للدراسات الاقتصادية – عوني الداوود
التطورات المتسارعة في الإقليم تطرح العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية الأردن لمواجهة كل المتغيرات والتطورات ليس فقط على الصعيدين السياسي والعسكري فحسب بل والاقتصادي الذي لا يقل أهمية عن باقي ركائز ودعائم قوة الوطن.. وفي هذا الاطار يستعرض «مركز الدستور للدراسات الاقتصادية» محاور مهمة يسلط من خلالها الضوء على مدى جاهزية الاقتصاد الاردني لمواجهة التطورات والتحديات التي قد يواجهها الاقتصاد العالمي والإقليمي والاقتصاد الاردني تحديداً، وهنا تجدر الإشارة الى تصريحات هامة صدرت منذ أيام قليلة عن البنك الدولي تحذر من أن ما يجري في الاقليم حاليا سيكون تأثيره على التنمية الاقتصادية أكثر خطورة..بل «اننا أمام منعطف اقتصادي خطير «.
«صندوق النقد الدولي» أيضا ومنذ أيام حذّر من أن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة من شأنها أن يكون لها تأثيرتدميري على النشاط الاقتصادي في المنطقة بشكل عام.
– «مركز الدستور للدراسات الاقتصادية» يستعرض في النقاط التالية مدى جاهزية الاقتصاد الأردني لمواجهة التحديات الطارئة بفعل التطورات في المنطقة وذلك على النحو التالي :
اولا : متانة الاقتصاد الأردني
بسياستيه المالية والنقدية :
1 – من المهم جدا الاشارة الى ان الاقتصاد الاردني يواجه التحديات والتطورات الاقليمية بجاهزية «تراكمية» – إذا جاز التعبير – انطلاقا من ان الاقتصاد الأردني استطاع تجاوز تحديات صعبة للغاية لم تقدر على مواجهتها اقتصادات دول اقليمية وأخرى عالمية تصنّف على أنها أقوى اقتصاديا، وهنا أشير الى تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الاردني خلال العام 2020، والتي تلتها مباشرة تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية 2022 التي لا زالت تداعياتها تعصف باقتصادات معظم دول العالم وهي تضغط على الامن الغذائي وأمن الطاقة وسلاسل التوريد.. بل لا زال الاقتصاد العالمي يئنّ في غالبيته تحت وطأة وتداعيات التضخم العالمي… ومع كل تلك التداعيات الا ان الاقتصاد الأردني وبسياستيه المالية والنقدية – وبشهادات دولية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما – استطاع مواجهة تلك التحديات، بل كان الأميز على صعيد المنطقة بتجاوز تلك التحديات.
2 – ما يؤكد ذلك على صعيد السياسة المالية : نجاح الاردن وتجاوزه للمراجعة السادسة على التوالي لأداء الاقتصاد الأردني من قبل صندوق النقد الدولي، وهو الآن على مشارف تجاوز المراجعة السابعة من قبل بعثة صندوق النقد الدولي التي تزور المملكة حاليا، ومن المتوقع أن يتمكن الاقتصاد الاردني من تجاوز المراجعة السابعة على التوالي ( من أصل 8 مراجعات متوقعة )، وبذلك تمثل مراجعات الاقتصاد الاردني مع صندوق النقد الدولي «قصة نجاح « لما يجب أن تكون عليه خطط وبرامج الاصلاح الاقتصادي، وهذا بشهادات دولية ايضا.
3 – نتيجة لنجاحات الأردن بسياسته المالية، وتجاوزه بنجاح مراجعات الاصلاحات الاقتصادية، جاءت تصنيفات اكبر وكالات التصنيف الائتماني ( فيتش وموديز وستاندرد اند بورز ) للاقتصاد الاردني لتعلن شهاداتها للاقتصاد الاردني بتثبيت التصنيف بل مع « نظرة مستقبلية مستقرة « في الوقت الذي تراجعت فيه تصنيفات دول عديدة في الاقليم حجم اقتصادها يفوق حجم الاقتصاد الاردني، بمعنى أنه في الوقت الذي تم فيه مراجعة تصنيف اقتصادات في المنطقة لم يتم اتخاذ اجراء سلبي بشأن التصنيف الائتماني للاقتصاد الأردني وهذا يمثل شهادة عالمية لكافة الجهات المانحة والمقرضة للأردن، وأنه وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسية والاقتصادية في العالم يبعث ذلك كله برسائل إيجابية ومطمئنة من جهات دولية متخصصة لمسار الاقتصاد الوطني وهو ما يعزز من بيئة الاستثمار في الأردن، ويؤكد هذا التثبيت « نجاح خطة الإصلاح المالي التي حافظت على الاستقرار المالي عبر خفض العجز والدين ورفع الإيرادات المحلية».
وقد انعكس ذلك إيجاباً بالفعل على نجاح الأردن بطرح سندات يوروبوند بفائدة تنافسية ولمدة اطول، في حين لم تتمكن دول اخرى في الاقليم من القيام بذلك، وهذا ما يؤكد الثقة بالاقتصاد الاردني والقدرة على ادارة الازمات ومواجهة التحديات بحنكة وحصافة السياستين المالية والنقدية.
4 – بشهادة البنك الدولي ايضا فإنه وفي الوقت الذي تشهد فيه معدلات التضخم ارتفاعا متزايدا دوليا واقليميا، يشهد للاردن على ان نسبة التضخم هي الادنى على مستوى الاقليم، وهذا بفضل السياسة النقدية الحصيفة وسياسات البنك المركزي وقرار ربط الدينار بالدولار منذ العام 1995، والذي حافظ على استقرار الدينار وساهم بتخفيض معدلات التضخم.
5 – يتمتع البنك المركزي الأردني بحسب آخر المؤشرات باحتياطات من العملة الاجنبية بمستويات مريحة ومرتفعة بلغت 17.4 مليار دولار وبنسبة تغطية لقرابة ثمانية أشهر من الواردات، أي ما يزيد عن المعيار الدولي المتعارف عليه والبالغ ثلاثة أشهر، حيث يعتبر ارتفاع حجم الاحتياطيات الأجنبية مؤشرا إيجابيا على الاستقرار المالي والاقتصادي في الأردن ويؤكد حصافة السياسة النقدية التي يتبعها المركزي، ويساهم ذلك أيضا في جذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع الثقة باقتصاد البلاد لدى المؤسسات الدولية.
6 – وعلى صعيد آخر فقد حقق الاقتصاد الاردني مؤشرات ايجابية أخرى خلال العام الحالي تتمثل بـ :
أ)- ارتفاع صادرات البلاد من السّلع والخدمات بنسبة 15.3 % لتصل إلى نحو 11 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي الأمر الذي ساهم في انخفاض عجز الميزان التجاري بمقدار 35.4 % على أساس سنوي.
ب)- شهدت حوالات العاملين في الخارجين ارتفاعا خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي إلى 2.25 مليار دولار.
ج)- ارتفع إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من هذا العام إلى نحو 776 مليون دولار، بزيادة نسبتها 20.9 %بمقارنة سنوية.
د)- ارتفاع الدخل السياحي خلال الأشهر التسعة الماضية بنسبة 37.7 % بتسجيله ما قيمته 5.8 مليار دولار، مدفوعاً بارتفاع عدد السياح الذي وصل إلى أكثر من 5 ملايين سائح بنمو قدره 38.1 %.
ثانيا – التحوط :
– سؤال آخر من المهم طرحه خلال هذه الظروف التي يمر بها العالم عموما والاقليم خصوصا، مما يستدعي التحوط لما هو قادم، وهو : هل لدينا تحوطات من السلع والمواد الاساسية؟
وقبل الاجابة بالارقام على هذا السؤال نذكر ايضا بان الاردن كان سباقا للتحوط بل وقصة نجاح في التحوط ابان جائحة كورونا وبفضل التوجيهات الملكية السامية للحكومة بضرورة التحوط والتخزين للمواد الغذائية الاساسية وتحديدا القمح والشعير، وقد قام جلالة الملك بالعديد من الزيارات الميدانية لمستوعبات القمح في الغباوي، وتابع بنفسه كافة الاجراءات اللازمة مع الحكومة والقطاع الخاص من اجل التركيز على متطلبات الامن الغذائي بل ليكون الاردن مركزا اقليميا للامن الغذائي.
من هنا نشير الى الحقائق والمؤشرات التالية :
1 – بحسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة والتموين فان مخزون المملكة الاستراتيجي من المواد الاساسية تحديدا القمح تكفي الاستهلاك المحلي لنحو 10 أشهر.
2 – كما أن أن مخزون الشعير يكفي 11 شهرا.
3 – المخزون الاستراتيجي في المملكة من النفط الخام يغطي احتياجات المملكة لأكثر من 44 يوما ( بحسب مصادر وزارة الطاقة والثروة المعدنية ).
4 – و مخزون المشتقات النفطية يكفي لأكثر من شهرين.
5 – لدينا قطاع خاص ( صناعي وتجاري ) لديه من الامكانات والاستعدادات القادرة على مواجهة الازمات والتحديات وقد مثل ايضا قصة نجاح خلال ازمة جائحة كورونا التي لعب خلالها ايضا القطاع الزراعي دورا مهما رغم ضعف الامكانات لكنه تجاوزها باقتدار لندخل اليوم مرحلة متقدمة من مشاريع « الأمن الغذائي « ومشاريع « الصناعات الغذائية « بتعاون القطاعين الصناعي والزراعي.
ثالثا – الموازنة العامة 2024 :
– سؤال آخر من الضروري محاولة الاجابة عليه، ويتعلق بمشروع موازنة 2024 والمتوقع تقديمها لمجلس الامة قبل شهر من انتهاء السنة المالية الحالية 2023، فما هي ملامح الموازنة القادمة في ظل الظروف الراهنة؟ وكيف تستطيع موازنة العام المقبل مواجهة التحديات المحتملة.
– «مركز الدستور للدراسات الاقتصادية «، وبمراجعة موازنة 2023 والارقام ا السابقة لموازنة 2024 التأشيرية يستطيع التأكيد على ما يلي :
1 – من المتوقع ان تسير الخطوط العريضة لموازنة 2024 وفقا لما كانت عليه الخطوط العريضة لموازنات الاعوام الثلاثة الماضية ومرتكزاتها الرئيسة التي تقوم على :
2 – لا فرض ولا زيادة لأية ضرائب او رسوم جديدة على المواطنين في موازنة 2024 وقد سبق وأن كّرر ذلك مرارا وزير المالية د. محمد العسعس في تصريحات رسمية.
3 – الاستمرار بمخصصات للنفقات الراسمالية، ايمانا بأن المشاريع الرأسمالية هي القادرة على جذب استثمارات قادرة على رفع معدلات نمو تسمح بخلق مزيد من فرص العمل.
4 – التركيز والاستمرار بدعم شبكة الامان الاجتماعي ويتمثل ذلك بمزيد من الدعم لصندوق المعونة الوطنية، ودعم قطاع التعليم بما فيه دعم صندوق الطالب الجامعي، ودعم القطاع الصحي وتوفير مخصصات لمشاريع خدماتية صحية للمواطنين، اضافة لمخصصات دعم الخبر.. الخ.
* واذا كنا نتحدث عن مواجهة تطورات الظرف الحالي فمن المهم جدا الاشارة الى ما حرصت عليه جميع الموازنات السابقة ولا بد من ان تكون بصورة اكبر في موازنة 2024 وهي ما يتعلق بـ :
5 – الدعم الكامل للقوات المسلحة والاجهزة الامنية وتوفير كل ما يلزمها من مخصصات.
6 – التحوط لمصاريف طارئة قد تلزم..وهذا متطلب تفرضه ظروف المنطقة وتحرص الموازنة عادة على التنبه اليه.
الخلاصة :
– الأردن قادر ومستعد بإذن الله على مواجهة كل التحديات والمتغيرات الطارئة باقتصاد مستقر بسياسة مالية مستقرة ونقدية مستقرة وبشهادة المؤسسات الدولية.
– الأردن يواجه تحديات المنطقة بنجاحات إصلاحية من خلال تجاوزه المراجعة السادسة مع صندوق النقد الدولي بنجاح ويتوقع تجاوزه المراجعة السابعة بنجاح أيضا خلال الثلث الاول من الشهر المقبل وتحديدا 9 تشرين الثاني 2023..وهذا يعد بمثابة « صك تأمين « لأية تطورات أو مستجدات اقليمية وعالمية.
– الأردن يواجه التحديات باستقرار التصنيف الائتماني للاقتصاد.
-..والعمل على ان تكون نسبة التضخم في حدها الأدنى.
– والمحافظة على احتياطات مريحة من العملات الاجنبية.
– هناك تحوط مستمر ومتواصل لأهم السلع الأساسية من القمح والشعير والنفط والغاز والمياه والمواد الغذائية تكفي لفترات تزيد على المعايير الدولية المتعارف عليها.
– أهم تحوط لحالة عدم الاستقرار تتمثل بما قام به الاردن من اصلاحات هيكلية عميقة خلال جائحة كورونا وما بعدها واستطاع تجاوز التحديات مما يمكنه اليوم من مواجهة أية أزمات طارئة.
– أخيراً..هناك سيناريوهات وفقا للمستجدات، ولدى الاقتصاد الأردني القدرة على التعامل معها بقدرة وثبات كما كان دائما قادرا على تحويل التحديات الى فرص.