عروبة الإخباري – المخرجة الأردنية نسرين الصبيحي نعمان –
الحديث هذه المرة سيكون مختلفا، لغة وروحا، لغة تفرضها الدهشة وخريف عمان الذي يبتكر أبجدية متفردة تشبهه.
قد يكون راسخا في مخيلة الزائر أن سلطنة عمان جميلة كغيرها من دول الخليج العربية وتستحق الزيارة، وهي كذلك بالفعل، لكنه جمال أكثر دهشة من الخيال، وأكثر تفردا من كل القصائد المحلّقة في فضاءات الإبهار.
ثلاث ولايات فقط من محافظة ظفار، هي كل ما أتاحه لي وقتي القصير بمدته، الأبدي بذاكرته وذكرياته، كانت الدهشة رفيقة ملامحي وتعابير حضوري، ابتداء من ندرة الخريف فيها، كما أسميته في الفيلم، (عُمان… الخريف الأخضر)، وليس انتهاء بتميّز الناس في عمان، التي زرتها ومعي كتاب صغير تصفحته في الطائرة، وهأنذا أعود بمكتبة من الإهداءات وقعها لي أدباء ومثقفو ومبدعو هذا البلد الغني تاريخا وفنا وثقافة، ولم يبخل عليّ بالصداقات، بعد أن جئت وفي رصيدي فرد واحد لا سواه، لكنني عدت من لحظاتي القصيرة وقد زادت ثروتي من الأصدقاء إلى ستة وعشرين صديقا حقيقيا، كانوا الأهل والسند، بهم ومعهم ومن خلالهم خرج الفيلم بحلّته الخضراء تماما كما هو خريف السلطنة، أما عن كرم الضيافة وكرم الأخلاق والإنسانية فإنه كرم غير مفتعل، كرم يحسه الزائر كأنه جين سائد في شعب عمان الذي يحرص أبناؤه على أن يهدوك ما هو في نظرهم أغلى من ماركات العطور والساعات، هدايا تعيد تشكيل ذاكرتك بلبانهم النادر وبخورهم الفاخر ومشغولاتهم اليدوية التي لا تبلى مع سنين البعد ومسافات الانشغال بمتطلبات الحياة.
في كل فيلم أنتجته سابقا، كنت أشعر بعده بحاجة لفترة نقاهة وخروج من حالة الحزن والوجع، خصوصا أنها كانت أفلاما إنسانية توثّق حال الناس في بعض مناطق النزاعات والحرب في اليمن، وتترك داخلي أثرها مثل ندبة جروح غائرة.
المختلف هنا، أن فيلم (عُمان… الخريف الأخضر) كله طاقة إيجابية، دهشة تعجز عنها اللغة، وذاكرة من حياةٍ ونقاءٍ لا يطالها النسيان.
صلالة ومرباط وطاقة، الولايات الثلاث التي كانت مسرح التصوير في مدة الفيلم التي لا تتجاوز الـ ٣٠ دقيقة، لكل منها سحر خاص، طبيعة خلابة، تضاريس متنوعة من سهول وسهوب لا مثيل لها، إلى جبال شاهقة وكهوف مثيرة تحرّض على المغامرة، طقس يفوق الخيال، متاحف مكتظة بالتاريخ، أسواق شعبية ومنتجات حرفية وأزياء تراثية تحكي عبقرية الإنسان خصوصا النساء، والكثير الكثير من الخدمات الفندقية والسياحية والمهرجانات التي لا تنتهي متعتها، لتكون لحظة الوداع هي وعد بالعودة مجددا إلى سلطنة عمان.