عروبة الإخباري –
كمال صبي فلسطيني عمره سبع سنوات كان يلعب ويقفز هنا وهناك مع شقيقه الأصغر أحمد، غير عابئ بالقصف الاسرائيلي. في المساء ذهب كمال وأحمد للنوم على مرتبة نحيلة ضيقة تم فرشها على الأرض فالتصق جسداهما معاً طلباً للدفء والأمان. يقول كمال: “فجأة سمعت صوت دبة القنبلة وسمعت صوت أحمد ينادي كمال… كمال… ثم اختفى صوته وصمت. لم أستطع أن أسمع شيئاً في الظلام الدامس غير صفير القنابل حولي واحسست بهواء بارد يلفح وجهي”. حضر رجال الاسعاف واخرجوا كمال المصاب كما اخرجوا جثة أحمد وجثث باقي أفراد العائلة. يجلس كمال المصاب بجروح وكسور في ذراعه وساقه وينظر إلى حيث سجى جثمان أحمد أمامه على الأرض في غرفة العلاج في المستشفى. يبكي كمال بحرقة ويقول: “والله أحمد بيضحك… شوفوه بيضحك…. بدي أبوسه… منشان الله بدي ابوسه. مع السلامة يا أحمد… مع السلامة يا خوي ياحبيبي”
حبيبي كمال:
شقيقك أحمد يضحك لكي يطمأنك أن ملائكة الجنة تستقبله وأنه في مكان آمن مع باقي أطفال فلسطين الشهداء. أحمد يا كمال في الجنة في صحبة “لين” الزهرة في الثالثة من عمرها وفي صحبة الطفلة فرحة التي اخفاها والدها في بيت المونة في المنزل خوفاً عليها من الاحتلال الاسرائيلي؛ ألم تر الطفل الرضيع، ذو الوجه الملائكي، الناجي الوحيد من عائلة الزكارنة، ألم تر الرجل الذي يحمل طفلته الشهيدة وعند قدميه جثت زوجته وأولاده، ألم تر رأس الطفلة الذي يطل من تحت الركام ألم تر رأس الصبي الذي انقسم الى نصفين نتيجة إطلاق قذيفة تستخدم لاختراق الدروع… أطلقت على رأسه.
دعني أذكرك يا كمال بمجازر دير ياسين، كفر قاسم، قبية، دير القطمون، اللد، الرملة، الطيرة ، وادي الجوز ، المجدل قانا، الدوايمة، صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر حيث أبيدت عائلات بأكملها وقام الصهاينة بتكسير جماجم الأطفال بالعصي والبنادق.
في فيلم الطنطورة في العام 2020 للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتز اعترف جنود الصهاينة من لواء اسكندرونة بما اقترفوه في تلك القرية الوادعة في العام 1948: “لم نتركهم يتركون قريتهم هكذا… نعم قتلناهم الرجال والصبية والفتيات، قتلنا 280 منهم، أوقفناهم أمام جدار وأطلقنا عليهم الرصاص. أما النساء فقد اغتصبوهن قبل قتلهن. أما ذلك الرضيع الذي كان يبكي وينوح في حضن أمه الميتة فقد أطلقنا على رأسه الرصاص. قتلناهم في منتهى الحرية وبدون تأنيب للضمير فقد كنا مستعدين للقتل فهذا ما تربينا و تدربنا عليه، دفنا الجميع في حفرة كبيرة ، لقد اصابنا شعور جيد لما فعلنا فنزلنا لنستحم في مياه بحر الطنطورة حيث كانت المياه صافية ودافئة”.
مشهد كمال وأحمد وفقدان الأحبة هو مشهد يومي يتكرر منذ 75 عاماً، محمد الدرة الطفل الذي قتله جنود الاحتلال وهو بين يدي والده الذي كان يستنجد أمام كاميرات التلفزيون العالمية، الطفل محمد ابو خضير من شعفاط الذي قام المستوطنون الاسرائيليون بخطفه وتعذيبه ثم حرقه، أطفال وصبية فلسطين الذين كانوا يرفعون علم فلسطين فيعاقبهم الاحتلال بتحطيم عظامهم ومفاصلهم باستخدام الحجارة.
أطفال العالم ينامون في أسرتهم الدافئة ويصحون صباحاً للذهاب إلى المدرسة، يلعبون الكرة ويشاهدون التلفاز و يحلمون بالمستقبل السعيد أما أطفال فلسطين فيتم خطف برائتهم ونزعهم من أحضان أمهاتهم وإلقائهم في زنازين الاحتلال التي ضمت 13 ألف طفل معتقل خلال العشرين سنة الماضية يتعرضون خلالها للتعذيب والضرب والشتم والتحقير والإرهاب النفسي. هنالك التطهير العرقي، والتهجير القسري، والاعتقالات التعسفية، مصادرة الاراضي، واقامة المستوطنات، تسليح المستوطنين واعتداءاتهم اليومية، العقاب الجماعي، الحجز بدون محاكمة، انتهاك الحرية الشخصية، تقييد السفر و الانتقال، الاعتداء على المصلين المسيحيين و المسلمين و البصق عليهم، نزع غطاء رأس المسلمات وانتهاك حرية العبادة وتدنيس المساجد والاعتداء عليها كما في العام 1994 عندما قام الطبيب العسكري باروخ جولدشتاين بقتل المصلين داخل الحرم الابراهيمي في الخليل أثناء صلاة الفجر في رمضان حيث أقيم له فيما بعد نصباً تذكارياً بالقرب من النصب التذكاري لمعلمه واستاذه مائير كاهانا.
لقد نزع الصهاينة صفة البشرية عن أهل فلسطين واسموهم حيوانات بشرية (غويم) فأصبح العالم الغربي يقبل أن تفعل اسرائيل بالفلسطينيين ما تشاء… الدمار و الخراب و الموت في غزة حيث يقتل الآلاف بدون رحمة أو شفقة، أكياس الموتى البيضاء التي تحوي أشلاء الامهات و الاطفال… وجوه محطمة بلا ملامح ، الممرضة التي تجد زوجها بين الجثث التي احضروها الى المستشفى و الرجل الذي خرج من الأنقاض ليجد نفسه بلا عائلة أما من كتبت لهم الحياة فيعيشون في حالة من الصدمة و الخوف و الرهبة.
اليك يا كمال و إليك يا أحمد واليك يا محمد الدرة واحمد مناصرة واحمد جوابره ومحمد أبو خضير وإلى أرواح أطفال فلسطين الشهداء، اليكم جميعاً نقول: نامت عيونك يا ابني وعين الحق ما نامت. من تحت الأنقاض سوف تنشأ حياة جديدة و من تحت الركام سوف نمسح دموعنا رغم حزن قلوبنا وسوف نبقى نحن الأحياء على الأرض نتذكر ونبكي على أحبائنا الشهداء وسيبقى مفتاح البيت في فلسطين و كوشان الأرض عنواناً على اصرارنا على حياة كريمة.
فلسطين تفديك منا الصدور فإما الحياة وإما الردى.