عروبة الإخباري –
بعد أن صُدمت إسرائيل من الهجوم على البلدات والقرى، تنفّذ الآن أعنف قصف شهدته غزة على الإطلاق، وتفرض حصاراً صارماً على القطاع وتستعد لاجتياح بري.
وظلت مئات الأطنان من المساعدات المقدّمة من دول عدّة عالقة في سيناء بمصر لأيام عدّة في انتظار التوصّل إلى اتّفاق لإيصالها بشكل آمن إلى غزة وإجلاء بعض حاملي جوازات السفر الأجنبية عبر معبر رفح.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد اجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد “سيُعاد فتح معبر رفح. إنّنا نعمل مع الأمم المتحدة ومصر وإسرائيل وآخرين على وضع آلية يمكن من خلالها إدخال المساعدة وإيصالها إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها”.
ولم يعط بلينكن وقتاً محدّداً لإعادة فتح المعبر. وذكر أن الدبلوماسي الأميركي المخضرم ديفيد ساترفيلد، الذي عُيّن أمس الأحد مبعوثاً خاصاً للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، سيصل إلى مصر، الإثنين، لوضع التفاصيل.
وذكرت شبكة “أن بي سي” نقلاً عن مسؤول فلسطيني أن معبر رفح الحدودي سيفتح عند الساعة التاسعة صباح اليوم الإثنين. وذكرت شبكة “أيه بي سي” الإخبارية نقلاً عن مصدر أمني أن المعبر سيفتح لبضع ساعات اليوم الإثنين من دون تقديم تفاصيل. ولم تتمكّن “رويترز” على الفور من تأكيد أي من التقريرين.
وحثّت إسرائيل سكّان غزة المنهكين على الاتّجاه نحو الجنوب، وهو ما فعله مئات الآلاف بالفعل في القطاع المحاصر الذي يقطنه أكثر من مليوني شخص. وطلبت “حماس” التي تدير قطاع غزة من الناس تجاهل رسالة إسرائيل.
وأشار الفلسطينيون في غزة إلى أن حملة القصف الإسرائيلية أثناء الليل كانت الأعنف منذ أن بدأت إسرائيل قصف القطاع ردّاً على هجوم “حماس” في الأسبوع الماضي. وأضافوا أن القصف كان كثيفاً على وجه الخصوص في مدينة غزة وأن الضربات الجوية قصفت مناطق محيطة باثنين من المستشفيات الرئيسية في المدينة.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية اليوم الإثنين بأنّه من المتوقع أن تكفي احتياطيات الوقود في جميع المستشفيات في أنحاء قطاع غزة حوالي 24 ساعة أخرى فحسب، ما يعرّض آلاف المرضى للخطر.
وأعلنت السلطات في غزة أن ما لا يقل عن 2670 شخصاً قتلوا حتى الآن في الضربات الجوية الإسرائيلية، ربعهم من الأطفال، وأصيب ما يقرب من عشرة آلاف. وهناك 1000 شخص آخرين في عداد المفقودين ويعتقد أنهم تحت الأنقاض.
ويقول مسؤولون حكوميون أميركيون إنّهم يحشدون جهودهم للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، في ظل ترقّب اجتياح بري وحشي.
وحثّ الرئيس جو بايدن إسرائيل على اتّباع قوانين الحرب في ردّها على هجمات حماس، ورأى أمس الأحد في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن “الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين لا علاقة لها بهجمات حماس المروّعة ويعانون نتيجة لها”.
وتركّز واشنطن أيضاً على تجنّب اتّساع نطاق الصراع، خاصة مع تصاعد الاشتباكات مع لبنان على حدود إسرائيل.
وفي مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” بثتها شبكة “سي بي سي” أمس الأحد، اعتبر بايدن أن إسرائيل في حاجة للقضاء على “حماس”، لكنّه حذّرها من اقتراف خطأ باحتلال غزة.
أما بلينكن، فلفت إلى أن زعماء الدول العربية التي زارها في أنحاء المنطقة في الأيام القليلة الماضية عازمون على منع اتّساع نطاق الحرب.
وقال بلينكن، الذي من المقرّر أن يعود إلى إسرائيل اليوم الإثنين ويسعى أيضاً إلى تأمين إطلاق سراح 155 رهينة، بينهم أميركيون تشير إسرائيل إلى أن “حماس” أخذتهم إلى غزة، “إنّهم يستخدمون نفوذهم وعلاقاتهم الخاصّة لمحاولة التأكد من عدم حدوث ذلك”.
وحذّرت إيران، التي تدعم “حماس” و”حزب الله”، إسرائيل من التصعيد إذا واصلت مهاجمة الفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان “إذا لم تتوقّف الاعتداءات الصهيونية، فإن أيدي جميع الأطراف في المنطقة ستكون على الزناد”، مضيفاً أن طهران لا يمكنها أن تظل مجرّد مراقب.
اجتياح برّي متوقّع
عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد اجتماعاً لحكومة الطوارئ الموسّعة في إسرائيل التي تضم أعضاء سابقين في الكنيست (البرلمان) من المعارضة، في استعراض للوحدة. وأشار إلى أن “حماس ظنّت بفعلتها أنّها قضت على إسرائيل لكنّنا سنقضي عليها”.
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة أكّدت مقتل 30 من مواطنيها في الهجمات، في ما لا يزال مصير 13 أميركياً في عداد المفقودين. وذكرت فرنسا أن 19 من مواطنيها لقوا حتفهم بينما اعتبر 13 آخرون في عداد المفقودين. وقالت كندا إن عدد القتلى من مواطنيها ارتفع إلى خمسة.
ويفيد الجيش الإسرائيلي، الذي حشد دبّاباته على حدود غزة استعداداً لهجوم بري، بأنّه يستهدف “حماس” وبنيتها التحتية ردّاً على ذلك.
وأشار الجيش إلى أن الطائرات الإسرائيلية قصفت أمس الأحد نحو 250 هدفاً عسكرياً ما أدّى إلى مقتل قائد المنطقة الجنوبية لــ”حماس”.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي للجنود قرب حدود غزة إنّهم سيدخلون غزة للقضاء على “حماس” ويستهدفون “كل مكان وكل قائد وكل مشغل”.
وأضاف “أنتم على وشك القيام بشيء كبير ومهم ينبغي أن يغيّر الوضع لفترة طويلة بطريقة واضحة”.
أزمة إنسانية
ذكر وزير أمس الأحد أن الحصار الإسرائيلي يمنع دخول الوقود والغذاء والمياه إلى غزة، على الرغم من أن نتنياهو اتّفق مع بايدن على استئناف إمدادات المياه إلى أجزاء من جنوب غزة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن نحو 600 ألف من سكّان غزة غادروا النصف الشمالي من القطاع الذي يضم مدينة غزة التي يقطنها أكثر من مليون نسمة.
وقال بعض الفلسطينيين الذين توجّهوا جنوباً إنّهم عائدون إلى الشمال لأنّهم يتعرّضون للهجوم أينما ذهبوا.
ذكرت وسائل إعلام فلسطينية أن طائرات إسرائيلية قصفت مناطق محيطة بمستشفى القدس بمدينة غزة في وقت مبكر من اليوم الإثنين، ولم تتمكّن سيارات الإسعاف في المستشفى من التحرّك بسبب الضربات الجويّة.
وأعطت إسرائيل يوم السبت تحذيراً للمستشفى بالإخلاء، وفقاً لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي شدّدت على أنّها لا تستطيع نقل المرضى والجرحى خارج المنشأة.
وقال المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) فيليب لازاريني إن عمليات الإغاثة التي تقوم بها الأمم المتحدة في غزة “على وشك الانهيار”.
وأضاف “عدد الأشخاص الذين يبحثون عن مأوى في مدارسنا وغيرها من مرافق الأونروا في الجنوب كبير للغاية، ولم تعد لدينا القدرة على التعامل معهم”.
بدوره، حضّ المدير العام لمنظّمة الصحّة العالمية حركة “حماس” أمس الأحد على الإفراج عن جميع الرهائن المدنيين الذين تحتجزهم، محذّراً من أن الحرب بين إسرائيل والحركة الإسلامية لن تجلب سوى الدمار والرعب.
وأعرب تيدروس أدهانوم غبرياسوس عن قلقه الشديد حيال الهجمات الإسرائيلية التي “يدفع فيها الثمن” مدنيون وأطفال فلسطينيون أبرياء.
وقال مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة في تعليقات وزعها مقر المنظمة في جنيف، إن هذا النزاع “تذكير مخيف بمدى السرعة التي يمكن أن تتعرّض بها صحة ملايين الأشخاص للخطر”.
وأكّد أمام قمّة الصحة العالمية في برلين في كلمة ألقاها من مانيلا أن “الحرب لن تجلب سوى الدمار والرعب”.
وقال تيدروس “تدعو منظّمة الصحة العالمية حماس إلى إطلاق سراح الرهائن المدنيين، ونحن نواصل مناشدة إسرائيل احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية المدنيين والمنشآت الصحية”.
واعتبر هجمات (حماس) “غير مبرّرة ومروّعة”، واصفا إياها بأنها “همجية ويجب إدانتها”.
وأضاف “أنا أشعر أيضاً بقلق شديد حيال الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين. فالمدنيون والأطفال الأبرياء يدفعون الثمن”.
وأردف تيدروس أن “الطلب من 1,1 مليون شخص الانتقال من شمال غزة إلى جنوبها في مثل هذه الفترة القصيرة يخلق مأساة إنسانية”.
وأضاف أن “الإجلاء القسري للمرضى والعاملين في المجال الصحي يفاقم الكارثة الإنسانية والصحية أكثر”.
ودعت منظّمة الصحّة العالمية إلى إعادة مد قطاع غزة بالكهرباء والمياه وتوفير الظروف التي تسمح “بالوصول الفوري والآمن للمواد الغذائية والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية الأخرى”.