عروبة الإخباري –
جاء هجوم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس على مستوطنات محيط غزة، في صورة اختراق واسع ومباشر للحدود التي وضعها الاحتلال لفصل غزة عن محيطها الفلسطيني، وهو الهجوم الأول من نوعه في قوته وحدوده، وأعلنت إسرائيل الحرب على غزة، وبدأت بحشد عسكري ضخم على حدودها إعداداً لاجتياح بري. ويتبلور المشهد الميداني باتجاه التصعيد ساعة بعد ساعة، قصف شديد ومدمر لغزة، واستمرار إطلاق الصواريخ من القطاع، وبعض الاشتباكات لمقاتلين فلسطينيين، من هنا وهناك، في منطقة غلاف غزة، واشتباكات متصاعدة على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية الشمالية، واحيانا تتصاعد على الجبهة السورية، فإلى أين تتجه الأوضاع في المنطقة، في ظل هذا التصعيد الإسرائيلي، والدعم الأميركي المطلق لإسرائيل لشن حرب واسعة ومدمرة ضد غزة، وحشد الدعم الغربي لذلك.
لو راجعنا قليلاً للحدث وأسبابه ورد الفعل عليه، بعيداً عن الانفعال العاطفي، قد نستوعب ما وصلت اليه الأمور، وذلك بهدف الابتعاد عن السيناريوهات القاتمة، التي ستكون مكلفة للجميع. فبداية وحسب تصريحات مسؤولين دوليين ومحللين إسرائيليين وأميركيين، كان هناك توقع لرد فعل فلسطيني، خصوصاً في ظل تصاعد سياسات الاحتلال التي تستهين بالفلسطينيين وحياة أبنائهم ومقدساتهم وممتلكاتهم والتي تفاقمت بشكل غير مسبوق مؤخراً، في ظل انعدام أي أفق لحل سياسي مستقبلي للفلسطينيين. وتعود المشكلة في الأساس لاستهانة الولايات المتحدة والعالم الغربي بحل القضية الفلسطينية، حسب قرارات الشرعية الدولية، ومحاباة إسرائيل في ذلك، والاكتفاء بوضع خطط لاحتواء الفلسطينيين في غزة والضفة، للمماطلة في حل القضية، بهدف تجاوز حل القضية الفلسطينية بالتعويل على عامل الزمن، كما تخطط إسرائيل. كما دعمت الدول الغربية تحقيق التوجه الأميركي الإسرائيلي وتحقيقه على الأرض، بينما جاء موقف الدول العربية بعدم الضغط لحل هذه القضية، في ظل انخراطها بسياساتها الداخلية ومصالحها الإقليمية وتحالفاتها مع الولايات المتحدة.
وتعتقد الولايات المتحدة، التي وضعت نفسها كعدو للفلسطينيين دون مواربة اليوم، أن الترويج لمصطلحات الإرهاب الفلسطيني، ووصم أي مقاومة للاحتلال بذلك، وهو حق مشروع، يكفي للتعميم لدول العالم الأخرى.
اليوم وبعد هجوم القسام على غلاف غزة، تعتبر دول عربية وإقليمية حليفة مقربة من الولايات المتحدة، أن هذا الهجوم جاء رداً على ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين، سواء كان ذلك في غزة التي تخضع لحصار منذ ١٦ عاما، أو في الضفة التي تعاني من ممارسات الاحتلال اليومية ضد السكان المدنيين. وتنادي تلك الدول وغيرها من الدول الغربية بضرورة اعطاء الفلسطينيين دولتهم.
قد يكون هدف الولايات المتحدة من ارسالها لحاملة الطائرات العملاقة، والتي لا تحتاجها إسرائيل لتدمير كل غزة إن أرادت، إرسال رسالة لأطراف في الإقليم، لثنيها عن التدخل في هذه الحرب. الا أن محاولات حزب الله أيضاً بالتصعيد المضبوط من لبنان، حتى الآن، تريد أن يرسل رسالة واضحة للاحتلال، بعدم الذهاب لتدمير غزة.
إن الرد الذي توجهه إسرائيل في هذه اللحظات ضد الأبرياء في غزة، والتهديد بالتصعيد الذي تبثه الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، لن يأتي بالأمن لإسرائيل وحتى للولايات المتحدة في المنطقة. فقد عانت واشنطن في السنوات الأخيرة من استهداف ميليشيات عسكرية عديدة في بقع مختلفة في المنطقة. ولم تؤد الحرب العنيفة والجبارة التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بالخير والأمن لها، ولا للمنطقة. إن سفك المزيد من الدماء في غزة، لن يجني الا مزيداً من العداء لاسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.
كما أن التعويل على امتلاك أدوات القوة الخارقة، لا يعد ضمانة أيضا لتحقيق النصر. إن اجتياح غزة، وسفك دماء مواطنيها، سيفتح الباب لسيناريوهات عديدة أصعبها حرب إقليمية. والحروب الكبرى دائماً مكلفة حتى للطرف الأقوى، أليس هذا ما عولت عليه الولايات المتحدة في أوكرانيا! فلن تكون حرب إقليمية في المنطقة نزهة لأي من الأطراف، وستفتح جبهة صراع جديدة ومعقدة في العالم.
وحتى في حالة الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة، فطالما قدمت التحليلات الأمنية الإسرائيلية صورة متشائمة لهذا السيناريو، فإسرائيل انسحبت من غزة، في العام ٢٠٠٥، ولم تقدم على اجتياح غزة بشكل كامل مطلقاً، رغم خوضها عدة حروب ضدها، آخذة في الاعتبار، من ضمن اعتبارات أخرى التكلفة البشرية للحرب في صفوف جيشها. وحتى في حالة انفجار معارك داخلية في الأراضي المحتلة ومناطق أخرى، ستكون أيضاً مكلفة لإسرائيل، فالمعارك في العمق شديدة التعقيد، ولم تحسم يوماً الصراع في الأراضي المحتلة.
وعلى الصعيد السياسي، فإن التقدم باتجاه اجتياح بري لغزة سيكون مكلفاً للولايات المتحدة تماما كما سيكون مكلفا لإسرائيل. فالقضية الفلسطينية تحصد إجماعاً شعبيا عربياً صلباً، وكذلك على المستوى الرسمي العربي، لا يمكن حتى لحلفاء الولايات المتحدة الوقوف في وجه طوفان التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين في بلدانهم، في ظل وجود قوى قطبية صاعدة في المنطقة، وتتطلع لأدوار أكبر فيها، في حين سيصبح حلم التطبيع لإسرائيل مع العرب أكثر بعداً. في حين، لن يبقى حتى العالم الغربي متعاطفاً مع إسرائيل، مع استخدام رد فعل للقوة غير المتناسب للفعل طويلاً، خصوصاً في ظل التطورات الميدانية في غزة.
رغم الحصار، استطاعت «حماس» تطوير قدراتها في غزة، ورغم القمع، تصاعدت المواجهات مع الاحتلال في الضفة، فالقمع والعنف لم يحل في الماضي القضية الفلسطينية ولن يحلها اليوم. إن طرد سكان غزة إلى سيناء، كما تتطلع إسرائيل، ضد الرغبة المصرية، وإعادة احتلال الضفة الغربية عدا غير الرضا الغربي، لن يحل مشكلة إسرائيل، على العكس، ستبقى قضية الاحتلال واللاجئين قائمة، والنضال من أجل الحرية سيستمر، في ظل عالم متغير، لن تبقى فيه الغلبة لقوى معينة حتى النهاية. وفي النهاية، من يستطيع اليوم ضبط فتيل الانفجار هو الولايات المتحدة، فهل ستنجح الحكمة؟