عروبة الإخباري –
يعاني العالم من درجات حرارة قياسية، ويقول العلماء إن السبب غير المعتاد الجزئي قد يكون ثوران بركان تحت الماء قبالة تونغا في جنوب المحيط الهادئ العام الماضي.
وفي حين تبرّد معظم الانفجارات الكبيرة الكوكب بضباب يعتم ضوء الشمس، فجّر ثوران بركان هونغا تونغا – هونغا هاباي في يناير 2022 ما يعادل 60 ألف حوض سباحة أولمبي من الماء في طبقة الستراتوسفير.
ويعدّ بخار الماء غازا طبيعيا من غازات الدفيئة، ويحبس الحرارة أثناء دورانه حول الكوكب. ويختلف هذا النتاج عن الانفجارات الأرضية الكبرى (مثل بركان بيناتوبو في الفلبين سنة 1991) التي تحجب أشعة الشمس مؤقتا بطبقة رمادية تغطي الجو قبل أن تعود إلى الأرض.
وقال أستاذ علوم المناخ في جامعة ماينوث في أيرلندا بيتر ثورن “يكون تأثير غالبية البراكين مبردا، لكن بركان تونغا كان استثناء مهما للقاعدة لم نشهده من قبل”.
وكانت الفترة الممتدة من يونيو إلى أغسطس 2023 الأكثر حرارة على الإطلاق على مستوى العالم بفارق كبير، مع تسجيل موجات حرارة من اليابان إلى الولايات المتحدة.
ويقول العلماء إن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري كان السبب الرئيسي، مع مساهمات أقل تأكيدا من ظاهرة النينيو المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ، والحد من التلوث العاكس للضوء الناجم عن وقود السفن، والبركان.
ويقول العديد من العلماء إن إجراء المزيد من الأبحاث حول البراكين يعدّ حيويا لقياس مدى تأثير الانفجارات لفترة وجيزة على اتجاه الانحباس الحراري طويل المدى الناتج عن حرق الوقود الأحفوري.
ويسعى اتفاق باريس لعام 2015 إلى الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات درجات الحرارة ما قبل الثورة الصناعية لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ، من الفيضانات إلى حرائق الغابات. وارتفعت درجات الحرارة بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية.
الانفجارات الضخمة الماضية
قالت مارغوت كلاين العالمة المختصة في الغلاف الجوي في جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة، إن الثوران الذي شهده الأرخبيل البولينيزي قذف 150 مليون طن من بخار الماء إلى طبقة الستراتوسفير، أي حوالي 10 في المئة من 1.4 مليار طن الموجودة في الطبقة.
وأضافت “يمكننا أن نقول بثقة كبيرة إن ثورانا بركانيا كهذا لم يحدث منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، حين ثار بركان كراكاتوا سنة 1883”.
كما قذف الثوران 500 ألف طن من ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير، وهو ما يؤدي إلى تبريد الكوكب. ويعقّد هذا المزيج من الماء والكبريت بذلك تأثير البركان.
وقالت دراسة نشرت في مجلة نيتشر في يناير، إن الثوران زاد قليلا من خطر أن تتجاوز درجات الحرارة العالمية مؤقتا 1.5 درجة مئوية خلال سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة.
وقال لويس ميلان وهو عالم في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا “كان هذا البركان الأول في سجل المراقبة الذي قد يؤدي إلى تسخين السطح بدلا من تبريده”.
وأضاف أن الدراسات الأولية تشير إلى أن “عمود الماء قد يتواجد لمدة تصل إلى ثماني سنوات تقريبا في طبقة الستراتوسفير”، وهي طبقة الغلاف الجوي التي تقع على بعد حوالي 10 إلى 50 كيلومترا فوق الأرض.
وقال هولغر فوميل وهو كبير العلماء في المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي، إنه من المحتمل أن يكون لثوران البركان بعض التأثير على ظاهرة الاحتباس الحراري. وتابع “لكن أعتقد أن التأكيد لم يصدر بعد”.
وحدثت الانفجارات التي تعتم الشمس مرتين تقريبا في القرن خلال الأعوام الـ2500 الماضية، وكان آخرها بركان بيناتوبو، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.
وخفض بيناتوبو متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 0.5 درجة مئوية لأكثر من سنة بتعتيمه نور الشمس.
وشهدت السنوات الـ2500 الماضية حوالي ثمانية حوادث ثوران أكبر، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وخلّف بركان تامبورا في إندونيسيا سنة 1815 “عاما بلا صيف”، مع فشل المحاصيل من فرنسا إلى الولايات المتحدة.
والأسوأ من ذلك أن ثوران بركان سامالاس في إندونيسيا سنة 1257 خلّف مجاعات وربما كان بداية العصر الجليدي الصغير، وهي فترة باردة بشكل غير عادي استمرت حتى القرن التاسع عشر.
ويُصنّف حجم الانفجارات البركانية القديمة من خلال الكبريت الموجود في الجليد في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية. ويبقى عدد الانفجارات الكبيرة التي حدثت منذ قرون والتي قذفت المياه، مثل بركان تونغا، لغزا لأنه لا يمكن رصدها في الجليد.
وقبل ثوران البركان، كانت هونغا تونغا – هونغا هاباي تقع على عمق 150 مترا تقريبا تحت مستوى سطح البحر. ومن غير الواضح عدد البراكين الموجودة في المياه التي تكفي لتفجير المواد في الغلاف الجوي في حالة ثورانها.
مخاطر كارثية
تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إنه من المحتمل حدوث ثوران واحد على الأقل على غرار بركان بيناتوبو هذا القرن، لكن تأثير البراكين ضئيل أمام ذلك الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية منذ الثورة الصناعية.
وقال إنجو بيثكي من مركز بيركنيس لأبحاث المناخ بجامعة برغن بالنرويج إن “النشاط البركاني غير منتظم ولا يمكن التنبؤ به ولا يمكن السيطرة عليه”.
ويتفق بيثكي وثورن على وجوب أن تبذل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المزيد من الجهد لدراسة مخاطر سلسلة من الانفجارات.
وقال ثورن “يمكننا التعامل مع بيناتوبو واحد، لكن تكرر الحوادث من هذا النوع سيكون اختبار ضغط كبيرا للمجتمع وتغير المناخ”.
ومع تواصل عدم القدرة على التنبؤ، يقول بعض العلماء إن تغير المناخ قد يجعل الثوران البركاني أكثر تواترا في بعض المناطق الجليدية حيث يبقي وزن الأنهار الجليدية السميكة غطاء على بعض البراكين. ويمكن أن يحرر ذوبان الجليد هذه الانفجارات.
وتزامنت نهاية العصر الجليدي الأخير منذ حوالي 12 ألف سنة في أيسلندا، على سبيل المثال، مع معدلات ثوران كانت أعلى بحوالي 100 مرة من العصور الحديثة.
ويمكن للأمطار الغزيرة المرتبطة بتغير المناخ أن تؤدي إلى تآكل جوانب البراكين. وربما تكون الأمطار الغزيرة غير المعتادة التي شهدتها هاواي في 2018 قد أضعفت أطراف بركان كيلاويا.
مهندسو الجيولوجيا
يفضل بعض العلماء تعتيم ضوء الشمس عمدا لتبريد الأرض، فقد يمكّن الضباب مثل الذي نتج في حالة بيناتوبو، والذي يستطيع أن يتواصل على مدار العام باستخدام أسطول من الطائرات الخاصة التي ترش الكبريت في طبقة الستراتوسفير، من كسب الوقت بينما تسعى الحكومات إلى إيجاد حلول أطول أجلا.
وفي العام الماضي، بدأت شركة أميركية ناشئة (مايك سانسيتز) في إطلاق بالونات إلى طبقة الستراتوسفير تحمل ثاني أكسيد الكبريت.
وتبيع الشركة “أرصدة تبريد” مقابل 10 دولارات لكل غرام من الكبريت. وتقول إنها ستعوض التأثير الحراري الناجم عن طن واحد من ثاني أكسيد الكربون لمدة عام، لكن هذا مكلف لأن ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يبقى في الغلاف الجوي لمئات السنين.
ولم يتجاوز إجمالي مبيعات الشركة في أغسطس 2852 دولارا.
ويعارض العديد من العلماء مثل هذه “الهندسة الجيولوجية”، قائلين إنها قد تعطل أنماط الطقس وتوفر ذريعة لبعض الدول الراغبة في تجنب التخفيضات الكبيرة في الانبعاثات.
وقال فوميل “ابحثوا عن كوكب بديل عن الأرض، وهي فكرة جيدة حقا. لكن لا تفعلوا ذلك على كوكبي”.