هل تفتقر إسرائيل إلى “الردع” تجاه إيران؟* د. سالم الكتبي

النشرة الدولية –

من بين الكثير من التصريحات الصادرة عن الجانبين الإسرائيلي والإيراني، لفت انتباهي تصريح ورد على لسان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي قال فيه إن “إسرائيل تعرف أن تهديدها بضرب مواقع إيران النووية فارغ ويفوق قدراتها”، مؤكدا أن أي إعتداء من هذا القبيل سيقابل برد مدمّر، وأنه “لا يمكن القضاء على برنامجنا النووي باستهدافه عسكرياً أو بعقوبات”، وأن “استهداف منشآتنا النووية عسكرياً غير مجد وسيقابل برد حاسم ومدمر”.

 

هذا التصريح يثير العديد من التساؤلات أغلبها يرتبط بهوية المسؤول الإيراني الذي يشغل منصباً مدنياً ويفترض أنه بعيد عن فكرة القطع بعدم فاعلية أي ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة ضد البرنامج النووي الإيراني، ولكنه تطرق إلى عدم قدرة إسرائيل على تنفيذ تهديدها من الأساس بذريعة الإفتقار إلى القدرات العملياتية اللازمة لهذا الغرض.

 

المعروف من واقع متابعة الأداء السياسي الإيراني أن هناك لعبة توزيع أدوار متعارف عليها بين قيادات ومسؤولي النظام، وأن إرسال الرسائل لا يتم عبر القنوات والآليات المتعارف عليها بروتوكولياً في الأنظمة السياسية التقليدية، بحكم إختلاف النظام السياسي الإيراني سواء من حيث الأيديولوجية او الهرمية المؤسسية التي يرتكز عليها النظام، فهناك رسائل يتم اسنادها لقادة الحرس الثوري الذين يلعبون دوماً دور التشدد في التعبير عن مواقف النظام في علاقاتها الإقليمية والدولية، لاسيما مع من يعتبرهم أعداء وخصوماً له، في حين يميل الخطاب السياسي للمسؤوليين السياسيين في أغلب الأحوال إلى السياقات البروتوكولية التقليدية، عدا بعض القضايا والملفات المتفق على التعبير عنها بمواقف وتصريحات متشددة.

 

تصريحات المسؤول عن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بشأن عدم قدرة إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية لها أبعاد عدة أبرزها، برأيي، أن الخطاب السياسي والإعلامي الإيراني يعتمد في جانب كبير منه على التضخيم والتهويل في قدرة إيران على الرد على “أعدائها” وبموازاة ذلك يميل بقوة إلى التهوين والتشكيك في قدرات الآخر على النيل من إيران أو إستهدافها أو غير ذلك وهو خطاب دعائي تعبوي ينطلق من قواعد الحرب النفسية المتعارف عليها، وبالتالي يصعب الإعتماد عليه في بناء رؤية موضوعية في هذا الشأن.

 

قراءة تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيراني تشير أيضاً إلى أنه لم يستبعد تماماً فكرة توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية بعد أن حاول في بداية حديثه التشكيك في إحتمالية وقوعها، حيث قال إنها، إن وقعت، ستقابل برد مدمر، وهذا يعني أن إيران لا تستبعد مبدئياً وقوعها، وأنها تلجأ للتلويح بالرد المدمر للتأثير الإستباقي في أي تفكير إسرائيلي من هذا القبيل، وما يؤكد ذلك أنه تطرق أيضاً إلى التشكيك بقوة في إمكانية القضاء على البرنامج النووي الإيراني من خلال ضربة عسكرية.

 

النقطة الأخيرة قد يكون لها مصداقية لدى الإستراتيجيين، كونها تقع في صميم إختصاص المسؤول الإيراني، الذي يريد أن يقول ضمناً أن توجيه ضربة لمنشأة نووية إيرانية أو أكثر لا يعني بالتبعية القضاء على البرنامج النووي، فالفكرة ستبقى، وأن جوهر البرنامج ليس في المنشآت والمباني واجهزة تخصيب اليورانيوم ولا حتى في مخزوناته بل في الرصيد والتراكم المعرفي والتكنولوجي الذي ترسخ لدى العلماء الإيرانيين الموجودين في هيئة الطاقة الذرية التي يترأسها المتحدث، وبالتالي فهو يوظف موقعه ووظيفته في إيصال رسالة تنطوي على “معلومة” يدرك جيداً أن الجانب الإسرائيلي سيفكر فيها بشكل معمق، لاسيما أن حسابات ما قبل الضربة تفيد بأن الفشل ستكون ضريبته باهظة، وهي خروج البرنامج النووي الإيراني عن السيطرة، وإضفاء تعقيدات كبرى على أي جهد غربي يستهدف كبح جماح هذا البرنامج مستقبلاً، ناهيك عن منح إيران ذريعة للرد عبر وسائل عديدة معروفة مسبقاً للكثير من الخبراء والمتخصصين منها شن حروب بالوكالة وفتح جبهات صراعية مختلفة لتقويض أمن إسرائيل واستقرارها، وجميعها أمور لا بد وأنها موضع تفكير إسرائيلي عميق في إطار أي دراسة لسيناريو الضربة أو إجراء تقدير موقف إستراتيجي دقيق بشأنها.

 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: في ضوء ماسبق، هل تفتقر إسرائيل إذن إلى القدرة على الردع في التعاطي مع التهديدات النووية الإيرانية؟ بلاشك أن أكثر ما تخشاه إيران هو خروج القرار الإسرائيلي بشأن التعامل مع إيران من دائرة السيطرة الأمريكية، حيث تراهن طهران كثيراً على كبح جماح إسرائيل من خلال الإدارة الأمريكية، لذلك يلاحظ أن التصعيد الكلامي الإيراني ضد إسرائيل، ومحاولة الاستخفاف بتلويحها المستمر بضرب إيران يتزامن/ يعقب أي انفراجة مهما كانت ضئيلة في أجواء العلاقات بين طهران وواشنطن، حيث تدرك الأولى جيداً أن إدارة الرئيس بايدن بحاجة ماسة إلى تحقيق إنجاز في ملف إيران النووي لتسويقه كمسوغ لنجاح السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الديمقراطي الذي تنتظره معركة انتخابية ليست سهلة على الإطلاق للفوز بولاية رئاسية ثانية.

 

فوق ماسبق، يمكن القول أن إيران تدرك جيداً حجم التعقيدات والصعوبات التي تواجه خيار الضربة العسكرية ضد منشآتها النووية، وتدرك كذلك أن من الصعب على إسرائيل تنفيذ تهديداتها في هذا الشأن من دون ضوء أخضر أمريكي، ولهذا نجد أن الخطاب السياسي الإيراني يميل لإمساك العصا من المنتصف، فلا يقطع في الأمر بل يحاول التشكيك في جدواه، لاسيما في ظل وجود حكومة يمينية متشددة تقود إسرائيل.

 

مجمل هذه الشواهد والمؤشرات تشير إلى أن إسرائيل لا تفتقر إلى القدرة على الردع في مواجهة التهديدات النووية الإيرانية، وأن التصريحات الإيرانية قد لا تكون سوى نوع من الحرب النفسية التي تستهدف التأثير في الآخر دون أن تنفي أنها تعد من الأساس رد فعل للمواقف والتصريحات الإسرائيلي بشأن البرنامج النووي الإيراني.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير