*محمد موسى المرقطن
لا نذيع سرّاً عندما نقول إنه جاء على الناس حين من الدهر وهم ينظرون إلى التعليم المهني التقليدي نظرة تقلل من أهميته ومن المنخرطين فيه، وذلك لاعتبارات اجتماعية طرأت على مجتمعنا في وقت من الزمن، رغم أن التقاليد والعادات الموروثة كانت تقدر وتثمن صاحب الحرفة والمهنة، إذ كانت العائلات تعرف بأسماء حرفها، مثل: الحلواني، السكافي، النجار، الحداد، السقا…إلخ.
كما كانت الأسرة قديمًا توفد أبناءها وبناتها إلى أرباب وربّات العمل ليتعلموا منهم تقاليد الصنعة والحرفة، وكان لكل حرفة شيخها ويطلق عليه ( شيخ الكار) وهو المعني بمنح الإجازة للمتدربين لديه، فإذا ما تمكن من متطلبات الصنعة/الحرفة شهد له بالحرفية والمقدرة على العمل في مجال الاختصاص، ما يشبه اليوم جهة الاعتماد المخولة بإصدار شهادات مزاولة المهنة، وهو المرجع المختص لكل المشتغلين في الصنعة/الحرفة، وتعود إليه في جلّ أمورها ومتعلقاتها.
ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى العودة إلى تلكم العادات والتقاليد وتوجيه أبنائنا الطلبة نحوها للسعي نحو المستقبل الأفضل بعيدًا عن قلق الانتظار والوقوف طويلًا في قوافل العاطلين/المعطلين عن العمل، فقد رشح عن الحكماء قديمًا: ” انتظار تحقق الآمال ضرب من مصارع الرجال” الأمر الذي سيضعهم في وجه العاصفة، ويجعلهم لقمة سائغة لأصحاب الاختلالات والضلالات نتيجة الفراغ والصراع الذي سيعيشونه إن لم يجدوا الفرصة التي يبحثون عنها.
وهنا نستذكر ما أكد عليه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني حفظه الله خلال لقائه الشباب في الجلسة الرئيسة لمنتدى تواصل الذي نظمته مؤسسة ولي العهد، والذي لاقى صدى واسعًا بينهم، وهو قوله: ” كونوا جريئيين لمستقبلكم.. اليوم انتظار الفرصة يعني إضاعتها” …
نعم، هذا هو المفتاح الذهبي لتجاوز أبواب المستقبل الموصدة أمام الكثيرين ممن لم يتنبهوا لهذا التوجيه السامي، فالاختيار الصحيح والسليم والقرار الجريء في اختيار المسار المهني هو الذي سيعبد الطريق أمام الشباب للوصول إلى الكنز/فرصة العمل.
كما أنّ انخراط الطلبة في تخصصات التعليم المهني المطور الذي تطرحه وزارة التربية والتعليم حاليًا يحقق الاستثمار الأمثل في تكلفة الفرصة الضائعة/البديلة التي يطرحها خبراء الاقتصاد والأعمال، ويتمثل ذلك في تحقيق مصلحة الطلبة وأولياء الأمور عند الالتحاق في المسار المهني المطور، إذ تمثل تكلفة الفرصة الضائعة/البديلة مجموع المكاسب المتوقعة التي قد يفقدها الطرفان (الطلبة وأولياء الأمور) عند اختيار المسار التعليمي التقليدي الذي باتت فرص العمل فيه محدودة إن لم تكن غير متوفرة أو في طريقها إلى الزوال.
والاستثمار الحقيقي يكون في الموازنة بين العوامل الأساسيَة المشتركة لتلك التكلفة، وهي: الوقت، والجهد، والمال الذي يعد حجر الزاوية للأسرة التي تتحمل أعباء مالية كبيرة لتوفير متطلبات أفرادها، إذ ستكون هذه المبالغ المالية رصيدًا جيدًا لها ويمكن أن يخدم احتياجاتها في جوانب أخرى، عدا عن إمكانية توجه الطلبة مباشرة إلى سوق العمل،إنْ رغبوا، والحصول على مصادر دخل إضافية تلبي احتياجاتهم الخاصة وتغطي جزءًا من التزامات الأسرة المستقبلية… وعليه ستحقق الأسرة أكبر عائد من خلال الاستثمار الأمثل في تكلفة الفرصة الضائعة في حال التحاق أحد أبنائها/ أبنائها بمسار التعليم المهني المطور.