عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب
كنت أعود بالسيارة مع صديق لي قادم من كندا وقد امضى هناك سنوات في مجال الاعمال، ولما اصبحنا جوار المستشفى قرأ بصوت عال وهل هنا ايضا مستشفى يحمل اسم (كندا) ولمن هي ملكيته؟ قلت: اقرأ جيداً انه مستشفى (الكندي) بتسكين النون، وهو اسم الفيلسوف العربي الشهير الكندي، ابرز فلاسفة العرب واكثرهم عناية بالطب والفلسفة، وهو اول من وضع قياسا لكفاءة الدواء.. فنظر اليّ مستغربا وقال: ماذا ايضا؟ قلت: هذا الاسم العظيم الذي برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وعلم النفس حتى لم يباريه احد من عصره، هو اول الفلاسفة المسلمين الذي اشتهر في تعريف العرب بالفلسفة اليونانية القديمة، فكان صاحب نظريات عديدة وهو من ادخل الارقام الهندية الى العالم الاسلامي والمسيحي، وكان رائدا في تحليل الشفرات واستنباط اساليب جديدة باستخدام خبرته الرياضية والطبية والتي سمحت بقياس فاعلية الدواء، كما اجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى وهو اول من ادخل كلمة موسيقى الى اللغة العربية..
عاش في البصرة على عهد المأمون واصبح مشرفا على ترجمة الاعمال الفلسفية والعلمية اليونانية الى العربية في بيت الحكمة الشهير، وكان مديرا له.. وكان همّه التوثيق ما بين الفلسفة والعلوم الاسلامية، وهذا من اسرار تطور العلوم عند العرب حين جعلوا الفلسفة وسيلة وغاية واسلوب تفكير يعلو غيره من الاساليب، وجعل الفلسفة في متناول الجميع ولذا استحق لقب “ابو الفلسفة العربية” او “فيلسوف العرب”.
انه ابو يوسف يعقوب بن اسحق بن قيس الكندي المولود في الكوفة لابن من شيوخ قبيلة كنده ، وبعد مسؤوليته في دار الحكمة عينه الخليفة المعتصم مربيا لابنائه، وبقيت كتبه العديدة تضيء سماء المعرفة قبل ان يدمرها المغول في هجومهم على بغداد، وقد اعتبره الفيلسوف الايطالي جيرولامو واحدا من اعظم العقول الـ 12 على مستوى العالم في زمنه..
ما كنت اريد ان اطيل في الكتابة عن الكندي الطبيب والعلامة والفيلسوف لولا رغبة صديقي، فقد كان همي ان اقدم له المستشفى الذي يحمل اسمه في جبل الحسين والذي ابدع فكرته ورعاها وكساها مكونات واقسام ونهض بها حتى استوت مستشفى متميزاً وهو الدكتور محمد خريس الذي خلد الكندي وقدم للناس ما يفيد ويمكث في الارض.
كان عليّ ان اهنئ الدكتور خريس على امساكه بالتراث واحيائه، وهو المثقف والقارئ والعارف للاهداف والمرامي، وكنت قد زرت المستشفى وكتبت عنه وعاودت الزيارة له امس الاول لأجده في صعود مستمر وقد حقق في اروقته كافة التخصصات باستثناء العيون، فقد اصبح مستشفاً جراحيا بامتياز..
حين عمت الكورونا الاردن وبلغت ذروتها ولم يكن هناك سريرا واحدا يستقبل مصابين، كنت قد نقلت في حال طارئه الى مستشفى الكندي الذي كان الاقرب وكانت الطريق اليه سالكة رغم الحظر، وهناك استقبلني الدكتور خريس ولم يكن مسموحا للمستشفى باستقبال مرضى الكورونا، فقد حددت الوزارة اسماء المستشفيات التي تستقبل، وبعد ان كشف الفحص انني مصاب حاول الدكتور خريس في كثير من المستشفيات المعنية ان يجد لي سريرا ولكن لم يكن، وعندها قرر رغم الاحراج الذي كان باديا عليه ان يفرغ احد الغرف لأنزل فيها وهي مغامرة تحمّلها بدافع انساني، فقد كانت حالتي تستوجب المساعدة، وقد مضى علي اسبوع لم اتحسن وعندها طلب طبيبي المعالج ان اتصرف وان انتقل حيث يتوفر معالجة الكورونا، وقمت بتفتيش هاتفي علّي اجد من يساعدني ووجدت رقم الدكتور نذير عبيدات وزير الصحة انذاك، وطلبته فرد علي وشرحت له، واستغرب وجودي في مستشفى الكندي، فقلت له عن الضرورة وعندها طلب ان يتكلم مع طبيبي وقد كان عندي بالغرفة بالصدفة مدير المستشفى الدكتور علي حياصات وزير الصحة الاسبق فشرح له وقرر الدكتور عبيدات ان انقل فورا الى مستشفى الامير حمزة وهكذا كان، وقد تلقيت علاجا ناجحا وعناية مناسبة بفضل الدكتور عبيدات الذي لن انسى فضله، ولن انسى فضل الدكتور محمد خريس في تحمل مسؤولية ان اكون نزيلا في مستشفى لم يكن فيه علاجا للكورونا..
اليوم وانا أرى هذا المستشفى المميز يتقدم ليضم 72 جنسية من مختلف انحاء العالم، لم اصدق ذلك بداية الى ان وضع السيد مجدي ابو جلود بين يدي ملفا باسماء المرضى واعمارهم وجنسياتهم التي وصلت الى 72 من مختلف انحاء العالم ومنهم خليجيون وخاصة سعوديون وانجليز ومن الدنمارك وحتى جنوب شرق اسيا وافريقيا، فحمدت الله على مثابرة الاردنيين وقدراتهم..
الكندي مستشفى مميز يعمل بأعلى المعايير ويحرص مالكه ان ينفق على ذلك في اعلى الدرجات لتكون الرعاية الصحية في افضلها ، وكذلك نوعية الكوادر الطبية والتمريضية والفنية المتخصصة التي تستهدف اشفاء المرضى..
المبنى حديث جداً ومتطور وفيه اجنحة فارهة تحمل تسميات عديدة تراثية، يحرص على رعاية المرضى وضيوفهم، وهو صديق للبيئة من خلال طوابقه البالغة 11 طابقا تضم 150 سريرا في 27 قسما و7 مراكز..
المستشفى في الاصل فكرة لصاحبه الدكتور خريس اخصائي امراض السمنة المميز وصاحب الفضل في اقتحام ارقام جنتس، حيث بلغت عدد العمليات التي قام بها 80 الف عملية على مدار خبرته المهنية داخل الاردن ومعظمها خارج الاردن، حيث يسافر لاجراءها في لندن وباريس وعواصم عديدة في العالم يرغب مرضاه ان يلتقوه هناك، وهم شخصيات مهمة لا اجد ضرورة في ذكر اسمائها..
المستشفى هو الوجهة الاولى لجراحة السمنة في الاردن، وهو الاعلى نجاحا في هذه العمليات بشهادات دولية وبنجاحات عالية على المستوى في المنطقة كلها، وقد شملت تكميم المعدة (قص المعدة) اذ يختص المستشفى بالعلاج الجراحي للسمنة وبالمنظار وبدون جراحة.
وفي المستشفى عمليات العمود الفقري بالمنظار حيث طفرة نوعية مشهود لها، اذ يتدفق المرضى لذلك ويغادر المريض في نفس اليوم، وذلك بواسطة اجهزة تنظير هي الافضل عالميا مكونه من ثلاثة مناظير تعالج جميع مشاكل العمود الفقري المتعلقة بالانزلاقات الغضروفية وتضييق القناة الشوكية ومعالجة الألم>
وفي المستشفى عمليات جراحة التجميل المميزة حيث احدث اجهزة شفط الدهون وتقنية الموجات فوق الصوتية، التي تعمل على تفتيت الدهون وسحبها دون الاضرار بالانسجة المحيطة، وقد لاحظ المتعاملون في المستشفى لهذا العلاج غياب التورم الزائد والالم الحاصل بعد العملية، حيث يصاحب ذلك عمل جهاز جي بلازما الذي يمتاز بقدرته على شد الترهلات، وبالتالي شد الجلد المترهل، ومن ما يقدم المستشفى ايضا كما تتبعنا عملية تقشير البروستات بالليزر، ويعتبر مستشفى الكندي الاول على مستوى المملكة باجراء هذا النوع من العمليات لما تمتاز به من ميزات، وفي هذا النوع من العمليات ما يمنع المضاعفات ويحافظ على عدم عودة تضخم البروستات وعدم حدوث سلس البول بعد العملية، وايضا ايقاف ادوية البروستات بعد العملية..
ورغم السنوات الطويلة من العمل في الداخل والخارج ما زال الدكتور محمد خريس استشاري الجراحة العامة والجهاز الهضمي والمنظار وجراحة السمنة وهو رئيس مجلس ادارة مستشفى الكندي يرى ان رسالته مستمرة، فقد انقذ الكثيرين وادخل الرضى الى نفوس الكثيرين بحياة عملية، ويكفي ليرى المراجع حجم شهادات الشكر والمراسلات والتهاني ليدرك حجم العمل الذي انجزه الدكتور خريس على مساحات عمله في زمن طويل.
والدكتور خريس لا يعدم الحاسدين والمنتقدين لاتساع عمله وطموحه، وهو لا يعير لذلك اهتماما بل يفتدي ذلك بكثير من المبادرات والمعالجات المجانية لكثير من ذوي الحاجة ممن لا يستطيعون الكلفة وهو يقوم بذلك برضى نفس ومحبة..
الدكتور خريس العائد لتوه من المطار يؤمن بأن الاردن يستطيع ان يكون مميزا على اصعدة كثيرة وفي مجالات كثيرة وهو يقدم مستشفى الكندي كنموذج.