كتب : منيب رشيد المصري
في الوقت الذي كان تيودور هرتزل يعد لعقد مؤتمر للحركة الصهيونية في بازل عام 1897، كان أبي المرحوم المختار رشيد المصري واخوانه الأثنين يضعون الأساسات لثلاثة منازل للعائلة وعلى مساحة ارض كبيره في شارع فيصل خارج حدود البلدة القديمة لمدينة نابلس، ومازال البناء قائم لغاية الان، ولا أعلم بالضبط متى انتهى البناء المكون لكل بيت اربعة عشر غرفة نوم، ولكن من المؤكد أنه كان قبل حصول الحركة الصهيونية على وعد بلفور الذي اعتبر أصحاب الأرض الأصليين عبارة عن طوائف لها بعض الحقوق الدينية والمدنية، وفي ذات الوقت أعتبر من جاؤوا مغتصبين لهذه الأرض لهم كافة الحقوق المدنية والسياسية والأهم “حق ملكية” هذه الأرض، معتمدين في ذلك على خرافات دينية وتاريخية ليس لها أساس علمي.
لا زال بيت أبي واعمامي أحد الشهود الصامتين على نكبة الشعب الفلسطيني جراء إعلان بلفور، وتكالب العديد من دول الغرب على الشعب الفلسطيني وأرضه إرضاءً للحركة الصهيونية التي لا زالت تحلم بإقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات.
خمسة وسبعون عاماً مضت على تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ولا زالت النكبة مستمرة، ولا زلنا متمسكين بحقنا في العودة إلى ديارنا، رغم كل المحاولات الصهيونية ومن معها من الدول في القضاء على هذا الحق، إلا أننا كشعب جئنا من صُلب جدنا الأكبر كنعان فلا يمكن لنا أن نتنازل عن حقنا في ارضنا
يقول شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب في كتابه اختراع الشعب اليهودي: “إن الأساطير المركزية حول شعب يهودي قديم واستثنائي خدمت بإخلاص تام نشوء الفكرة القومية اليهودية والمشروع الصهيوني وأعطت تبريراً لعملية الاستيطان في فلسطين “، ويضيف بأن الرواية التوراتية حول مملكة داوود وسليمان التي يفترض أنها عاشت في القرن العاشر قبل الميلاد، والتي يعدها جميع المؤرخين الإسرائيليين حجر الزاوية في الذاكرة الوطنية، والمرحلة الأكثر إشراقاً والأكثر تأثيراً في التاريخ اليهودي، دحضتها أيضاً الاكتشافات الأثرية طيلة سبعين عاماً على أرض فلسطين، حيث إن الحفريات التي جرت في عام 1970 الى يومنا الحاضر وما بعد ذلك في محيط المسجد الأقصى وتحته لم تثبت وجود أي أثر لهذه المملكة المتخيلة ولا لذلك الهيكل المزعوم.
الحركة الصهيونية منذ نشأنها بنيت على أساطير دينية ليس لها أساس، وعلى أساطير تاريخية لم تستطع لغاية الآن اثباتها ولن تستطع، وحاولت هذه الحركة العنصرية أن تُغير كذبا وبهتاناً تاريخ وجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين منذ العصر الحجري ولكنها فشلت في ذلك، فكل محاولاتها ليس ابتداءً من مؤتمر الحركة الصهيونية في بازل عام 1897، ومروا باتفاقية سايكس بيكو في 1916، وليس انتهاءً بوعد بلفور الغير أخلاقي والغير قانوني، وبقانون الدولة اليهودية 2017، او نقل السفارات الى القدس وبصفقة القرن، لم تقنع فلسطيني واحد بأن وجودها على هذه الأرض هو وجود طبيعي، فهي حركة عنصرية احلالية سنبقى نقاومها وصولا إلى بناء الدولة الديمقراطية التي تتسع لجميع مواطنيها، وأعتقد جازما بأن ممارسات وفظائع وجرائم دولة الاحتلال ومن خلفها الحركة الصهيونية العالمية أفشلت حل الدولتين الذي لم يعد فعليا ممكناً تطبيقه على الأرض، ورغم “هجوم السلام” الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، وبعد توقيع اتفاق أوسلو 1994، وقبول القيادة الفلسطينية بـــــــ22% فقط من فلسطين التاريخية، وأيضاً وبعد طرح مبادرة السلام العربية 2002، ورفض دولة الاحتلال لكل ذلك، لم يبقى لنا سوى أن نعود إلى أصل الحكاية وهي كل فلسطين.
خمسة وسبعون عاماً من الصمود في وجه أبشع احتلال، سنوات ثقيلة جداً ملئا بالمآسي والبطولات والدموع والأمل والإصرار على العودة، وكًنا دائما نسعى لكي نوقف هذا القتل وهذا الدمار، ونسعى لكي نعيش بسلام على أرضنا، نبني الفرح للأجيال القادمة، ولكن ما ثبت لنا بأن بناء عن بناء يختلف، فأصحاب الأرض يبنون على أساس متين، والغزاة القتلة بيوتهم واهنة كبيت العنكبوت.