عروبة الاخباري- صدر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان “السعادة شراكة المواطن والدولة والمجتمع”، لوزير التربية والتعليم الاسبق للدكتور إبراهيم بدران.
في كلمة على غلاف الكتاب يقول فيها بدران “في زمن الازمات والتوترات الإقليمية والدولية، والتغيرات المناخية، يبدو الحديث عن السعادة والجمال والتسامح والعطاء والفنون، كلها أمور في غير مكانها وغير زمانها، ولكن المتبصر في أوضاع الشعوب ونوعية الحياة لديها، سرعان ما يكتشف ان الاهتمام بالسعادة المجتمعية والمتمثلة أساسا بالرضا والطمأنينة تجاه الحاضر والمستقبل، هو اهتمام بالمجتمع بكامله، وبتفاصيل حياته، والتي يمكن، من خلال توفير أسباب السعادة، ان تنتقل من الرفض إلى القبول، ومن الشك إلى اليقين، ومن التوجس إلى الثقة، ومن القبح إلى الجمال.
يتابع بدران، وبالتالي يمكن للمجتمع أن يتقدم خطوات باتجاه الحياة الأفضل، والسعادة المجتمعية هي مسؤولية مشتركة بين المواطنين أنفسهم وبين إدارة الدولة، وبين المجتمع بمنظماته المدنية وثقافته واستعداده للتغيير والإبداع، ولعل الحكمة القديمة لها دلالاتها البليغة اليوم، وهي “إن الأكثر احتياجا لموضوع عليه أن يبذل في سبيله كل الجهود”، الا تبرر حالة البؤس أو القلق أو الإحباط أو اللاسعادة البحث عن الأسباب والوسائل حتى تتغير الأحوال وتتحرك باتجاه حالة من الرضا بأبعاده السياسية والاقتصادية والصحية والثقافية والجمالية؟ حالة جديدة تعم المجتمع ويشارك في صنعها جميع الأطراف، كل فيما هو مسؤول عنه، وفي مقدمة ذلك إدارة الدولة والتعليم والثقافة والإعلام.
ويقول بدران إن هذا ما يحاول أن يقدمه الكتاب مدعوما بالأرقام والمقاييس الدولية حتى تخرج المفاهيم من الانطباع إلى الواقع. إنه كتاب ليس في علم النفس، وإنما في السياسة والاقتصاد والعلم والمجتمع”.
السياسي الأردني الدكتور جواد العناني، كتب تقديم للكتاب، الذي يعتبره “يستحق التأمل، وقد اطلعت على مخطوطة الكتاب فوجدتها تربية غنية، وليس الهدف من هذه المقدمة المختصر لكتاب جزل وغني بالفكر أن ألخصه للقارئ أو أن أستعرض محتوياته، ففي هذا تكرار مجحف وممل، وادعاء في أنني قادر على أن اقتبس في فقرات محدودة”، مبينا ان بدران ساهم في سد ثغرة عن موضوع السعادة في المكتبة العربية، فكثير من الكتب حول الموضوع ما تزال نادرة بالعربية، ومعظم ما نشر بلغتنا الثرية كان مترجما عن كتاب أجانب.
ويشير العناني إلى أن هذا الكتاب يأتي قيمة إضافية عالية، وما يزيد من تلك القيمة أن المؤلف ربطها جغرافيا وزمانيا بالدولة التي يحيا فيها ويقيم بين أهلها، ويقول لنا إن المجتمعات التي تراعي المواطن، وتهتم بشأنه، هي الخالق لمنتج السعادة لمواطنيها، أو ما يمكن أن نسميه بالحياة الأفضل، وقد جاءت هذه النظرة الدينامية والجديدة في طرحها عربيا ذات إثارة وموضوع نقاش وتأمل.
اما مؤلف الكتاب د. بدران، فهو يرى، أن السعادة التي يتحدث عنها في هذا الكتاب ليست هي الفرح العابر والغبطة المؤقتة، بهذه تأتي وتذهب ولا تدوم، لكن السعادة التي تمثل الكنز المفقود هي تلك الحالة العامة التي يشعر الإنسان الفرد فيها ومن ثم المجتمع بالرضا عن نوعية الحياة والاطمئنان إلى مستقبلها، وللوصول إلى مثل هذا الهدف فإن كثيرا من الأعمال ينبغي تحقيقها أولا على مستوى مؤسسات الدولة وثانيا المجتمع وثالثا على مستوى الفرد.
ويبين المؤلف أن الوصول إلى السعادة مسيرة طويلة وسيرورة مركبة، لكنها في النهاية تمثل الخلاصة الكلية لأداء الدولة من جهة ولرضى المجتمع من جهة أخرى، وهذا يجعل دول العالم تتفاوت في درجة السعادة بتفاوت الأداء الكلي بلك تفاصيله، فالبحث عن السعادة ليس جزءا من الترف الفكري وإنما هو من صلب التفكير السياسي والإداري والاقتصادي والثقافي.
وفي خاتمة الكتاب يبين بدران، أنه مع تقدم الحضارة الإنسانية وتصاعد وعي الإنسان بذاته والمحيطين به، وتنبهه إلى “الحالة”، التي يعيشها، ومدى استجابة هذه الحالة لما يشعره بالرضا والاطمئنان، برزت مسألة السعادة كواحدة من أهم المؤشرات على نوعية حياة الفرد، وتوافقها مع ما يطيح إليها، وانسجامها مع توجهات المجتمع ومتطلباته المتجددة.
ويقول المؤلف إن السعادة برزت كواحدة من أفضل المؤشرات على مدى نجاح المؤسسات الرسمية للدولة في إدارة شؤون الأفراد والجماعات وللمجتمع بأسره، فالسعادة التي نشير إليها ليس تلك العواطف المؤقتة التي تمتلئ فيها النفس بهجة وسرورا ورضا لتنتهي بعد فترة زمنية قصيرة، وإنما منظومة مفردات الحياة التي تجعل الفرد مقتنعا أن الأجواء التي يعيش فيها والفضاءات التي يبذل جهوده فيها بحرية وانطلاق وجاهزية للإبداع هي الأفضل في حدود الإمكانات المعلنة والكامنة.
ويشير إلى ان الاهتمام بالسعادة يعود إلى عصور قديمة في اليونان والصين والهند، حيث ابتدع كونفوشيوس منظومة أخلاقية نفسية جسدية تساعد على هدوء النفس والشعور بالرضا والسعادة، وكذلك فعل بوذا في الهند وهواتي في اليابان إلا أن الاهتمام بالسعادة من منظور علمي اجتماعي انطلق في القرن الثامن عشر مع انطلاق الثورة الصناعية الأولى، وتعمق الدراسات من قبل العلماء والفلاسفة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وغدت محور اهتمام دولي في القرن الحادي والعشرين. وهذا دفع الأمم المتحدة في العام 2012، لإعلان يوم السعادة العالمي في 3/20، “العشرين من اذار”، من كل عام ويعطى يوم السعادة عنوانا أو شعارا في كل عام.
ويوضح بدران، إن بحث في موضوع السعادة لا يمكن أن يكون ترفا وفي غير مكانه أو زمانه، وخاصة في الدول النامية وفي مقدمتها الدول العربية والتي تعان من الانقسامات والتفكيك والحروب الأهلية وسوء التنمية الاقتصادية وبطئها، وعدم توازنها بين الريف والمدينة وبين المدينة والبادية، كما تعاني من احتكار المال والسلطة، وانسداد الآفاق المستقبلية في كثير من الأحيان بسبب الفقر والبطالة وهشاشة الأمن الغذائي وغياب الأمن المائي، وتأرجح أمن الطاقة وفرط الاعتماد على الآخرين.