عروبة الإخباري –
شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة كوارث طبيعية، إذ ضرب زلزال مدمر دولة المغرب، ووقعت ليبيا تحت تأثير إعصار عنيف، تسبب في فيضان أخفى أحياء بأكملها في البحر، وأودت هذه الكوارث بحياة الآلاف، وأدت لسقوط عشرات آلاف المصابين والمفقودين، ناهيك عن ما خلفه ذلك من دمار، يذّكرنا بالزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية قبل أشهر.
ويربطنا كل ذلك بعنوان المقال. فـ “نهاية العالم المزعجة” و”على شفير الهاوية”، عناوين لكتاب وتقرير، يتحدث الأول الذي صدر في العام الماضي عن أن العالم غير قادر على تحمل عدد سكانه الـ ٨ مليارات نسمة، بسبب تفاقم الأزمات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري، بينما يشير الثاني والصادر عن جامعة اكستير البريطانية إلى تأثر منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص بالاضطرابات المناخية.
يأتي الإعصار والفيضان في ليبيا والزلزال في المغرب قبل شهرين فقط من انعقاد قمة المناخ الـ ٢٨ (كوب ٢٨) في مدينة اكسبو في دبي، والتي تعد ثالث قمة تعقد في الشرق الأوسط بعد قمة مراكش في العام ٢٠١٦ وشرم الشيخ في العام الماضي، بعدما أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أشد دول العالم تأثراً بكوارث المناخ.
وتعود فكرة هذه المؤتمرات السنوية للعام ١٩٩٢، للحد من الآثار الضارة للاحتباس الحراري الذي يحصل نتيجة لزيادة تصاعد الغاز المحمل بالكربون في الجو، ويؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة الكونية، محدثاً كوارث طبيعية نتيجة لذلك.
وجاءت أول تلك المؤتمرات في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وبدأ في أعقابها الحديث عن اتفاقيات مناخية مبدئية تتعلق بالتغير المناخي، تهدف لإلزام الدول بالحد من انبعاث الغازات المتسببة في حدوث الاحتباس الحراري.
ليست منطقة الشرق الأوسط وحدها من تتعرض للكوارث الطبيعية نتيجة للتغير المناخي، فكوارث طبيعية متلاحقة ضربت مؤخراً مناطق متفرقة من العالم. ففي ظل اشتداد درجات الحرارة التي ضربت منطقة البحر الأبيض المتوسط، تكلفت أوروبا أكثر من أربعة مليارات يورو حتى الآن، جرّاء حرائق الغابات التي نشبت في بلدان مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا وغيرها. واجتاحت الحرائق أيضاً جزيرة “ماوي” في ولاية “هاواي” الأميركية في وقت سابق من الشهر الجاري.
وشهدت عدة مدن يابانية هطولاً قياسياً للأمطار على مدار أقل من ١٢ ساعة، وأجلت السلطات الباكستانية كذلك حوالى ١٠٠ ألف شخص من إقليم البنجاب بسبب الفيضانات.
يعتبر علماء المناخ أن هذه التغيرات التي نشهدها اليوم ما هي إلا مجرد بداية لتغيرات مناخية غير مسبوقة، تصاحب موجات ارتفاع الحرارة متعددة ومتصاعدة، ما يدق في كوكبنا ناقوس الخطر.
وتنبأ العالم السويدي سفانتي أرينيوس في العام ١٨٩٦ بأن ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء سيؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة، وهو ما يعاني منه العالم اليوم بالفعل. فارتفاع درجات الحرارة يرفع منسوب مياه البحر، بسبب سرعة ذوبان الجبال الجليدية في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، ما سيترتب عليه فيضانات وارتفاع مستوى الأمواج وخسارة أجزاء من الشريط السواحلي.
كما ستحدث فيضانات في المناطق الداخلية أيضاً بسبب تلك التطورات نتيجة عدم قدرة الأنهار على الوصول إلى مصباتها في البحار، بعد ارتفاع منسوب المياه فيها، ورغم انخفاض هطول الأمطار عموماً، إلا أن هطولها سيتركز في مناطق معينة، وخلال فترات قصيرة، ما قد يزيد من خطر الفيضان الداخلي أيضاً.
ويعد الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة من بين أهم العوامل المؤدية إلى حدوث الزلازل، بسبب تأثير درجات الحرارة المرتفعة على سخونة الطبقة الأرضية، والتي تزيد من نشاط الصفائح المكونة للأرض التي تسبب الزلازل.
هذا الارتفاع في درجات الحرارة، هو المسؤول الأول أيضاً عن اشتعال الحرائق التي تنشب اليوم في أنحاء متفرقة من العالم، ناهيك عن حالات الجفاف ونقص المحاصيل وانعدام أمن الغذاء العالمي، وزيادة الأمراض، التي ستسرع شدة الحرارة من انتشارها.
وحذرت الأمم المتحدة العالم في مؤتمر الأطراف لتغير المناخ الـ ٢٧ (كوب ٢٧) العام الماضي، من تبعات تلك التغيرات المناخية، ودعت للاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية.
يحذر علماء المناخ من أن الشرق الأوسط، الذي يبلغ عدد سكانه حوالى ٤٠٠ مليون نسمة، سيواجه أصعب كوارث التغير في المناخ، خصوصاً في ظل وجود انبعاثات كربونية عالية من المنطقة، وهي المنطقة الأكثر جفافاً في العالم، وتعاني من موجات حرارة أطول وأكثر تكراراً.
وقد تصل درجات الحرارة خلال موجات الحر في السنوات القادمة إلى ٥٦ درجة مئوية، وهو ما يهدد مباشرة بزيادة نسبة اشتعال الحرائق.
ويرى الخبراء أن مستوى البحر المتوسط سيرتفع أكثر من أي مكان آخر في العالم، ويتوقع أن يرتفع حوالى متر كامل في العام ٢٠٥٠، إذا استمر هذا التدهور في مستوى الاحتباس الحراري.
وبالنسبة لقطاع غزة وضمن المعطيات السابقة، سيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر خلال العقود الثلاثة القادمة، حيث بلغ متوسط نسبة الزيادة السنوية لمياه البحر ٤.٦ ملم منذ العام ١٩٩٢، مقارنة بـ ٣.٥ ملم في المعدل العالمي، إلى فقدان القطاع لشريطه الساحلي، وتعرضه لفيضان مياه البحر، وتسرب مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية، ما سيجعل مياهه غير صالحة تماماً للشرب، وتأثر الأراضي الزراعية فيه بشكل كارثي.
وتقع دول مثل مصر، والأردن، وليبيا، والإمارات، وكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واليمن، والجزائر، والمغرب، والسعودية، وتونس، والعراق ضمن الدول الـ ٢٥ الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي على مستوى العالم.
ويعني الإجهاد المائي انخفاض العرض المقرون بالطلب، والذي يؤثر بدوره على مستقبل الأمن الغذائي.
إن كل تلك التغيرات ستمهد الطريق لحدوث موجات من الهجرة، خصوصاً من إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
إلا أن ذلك التدهور في مستوى الانبعاث والاحتباس الحراري يمكن السيطرة عليه في حال التزمت دول العالم بخطوات محددة.
وأجمع علماء المناخ على أن صفر انبعاث حراري يعد الإمكانية الوحيدة لمنح فرصة للبشرية للحياة، وتجنب عواقب التغييرات المناخية الكارثية.
ودعت قمة المناخ التي عقدت في باريس في العام ٢٠١٥ إلى ضرورة خفض الانبعاثات الحرارية في العالم، خصوصاً في مجالات الطاقة والنقل والصناعة، للحد من الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، بحيث يجب ألا يتجاوز ذلك الارتفاع خلال العقود الثلاثة التالية عتبة الخط الأحمر، والمقدر بـ ١.٥ درجة.
ويحتاج العالم اليوم لسبع سنوات فقط للوصول لهذه النسبة، إن استمر معدل الانبعاث والاحتباس الحالي.
وكي نبدأ اليوم هناك حاجة لخفض انبعاث تلك الغازات المتسببة في حدوث الاحتباس الحراري بنسبة ٤٥ في المائة، لتقليل فرصة الوصول لذلك الخط الأحمر.
من أهم الحلول للحد من حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري خفض نسبة الانبعاث الكربوني والغاز المسبب لذلك، من خلال الحصول على احتياجات الطاقة من مصادر بديلة متجددة، وصديقة للبيئة، بدلاً من الفحم والغاز والنفط، والتزام جميع دول العالم بخفض نسبة الانبعاث الحراري تدريجياً.
وتم إقرار قوانين في العديد من الدول الأوروبية تفيد بذلك، فخفضت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما تقدر نسبته بـ ٥٤ في المائة من انبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري داخل حدودها.
ويأتي ٤٠ في المائة من كهرباء دول الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة، نصفها يأتي من الطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى استخدام للطاقة من الرياح والشمس أيضاً.
كما يمكن الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بجعل ذلك الانبعاث الكربوني مكلف مادياً، للحد من استخدامه، وذلك بفرض قيمة أو رسوم نقدية ووضع تسعيرة على وحدات الكربون المنبعث، والذي يتسبب بأضرار للبيئة.
وكان أول من اقترح ذلك الحل عالم الاقتصاد ويليام نوردهاوس من جامعة ييل في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وحصل في العام ٢٠١٨ على جائزة نوبل، بسبب تلك الفكرة، من ضمن إنجازات أخرى. في العام الماضي كان هناك ٤٦ دولة تستخدم أدوات معينة لتسعير الكربون المنبعث، حيث تعتمد معظم الدول المتقدمة تلك التسعيرة بطرق مختلفة. إلا أن كثيرين من الساسة حتى اليوم، خصوصاً في الدول النامية، يتجاهلون مثل تلك الحلول، تحت تأثير لوبي الوقود الأحفوري، ما يتسبب باستمرار الأزمة وتفاقمها، خصوصاً في الشرق الأوسط.
ويمكن وضع اتفاق عالمي يحدد تلك التسعيرة، تلتزم من خلاله جميع دول العالم، وهو ما أكد عليه نوردهاوس، بأن نجاح عملية تسعير الكربون يتطلب التعامل على مستوى عالمي جامع.
إن تحديد تلك التسعيرة يزيد تلقائياً من أسعار الطاقة ويحد من استخدامها في النشاط الاقتصادي ويستدعي البحث عن بدائل لها، ومضاعفة الاستثمارات المستدامة في إنتاج الطاقة المتجددة.