عروبة الإخباري –
الجزيرة الثقافية – مسعدة اليامي شرفة على الفنون الأدبية –
تشبه ردوده الكائنات الخفية التي تبصرها وقد لا تبصره، فكان هناك ضوء بوضع الحروف على النقاط، وكان هناك مراوغة تشبه حركة «السعالي» في قصص الأمهات, وكان هناك دموع براءة، وخوف، وكان هناك نقد لكُتّاب النقد والمؤسسات الثقافية التي أهملت الطاقات الشبابية الإبداعية، وكان هناك سخرية من تسطيح مكانة المثقف الذي يكتب للتاريخ، ولاعب كرة تنتهي صلاحيته مع الحركة الاقتصادية.. ثم إن هذا الحوار كشف لنا بعد أن كنت أتوقع أنه لا يملك في رصيده الإبداعي إلا مجموعة قصصية واحدة، فإذا بهِ يكشف لنا إنجازه الإبداعي, نرحب بضيف اللقاء :الروائي القاص الشاعر والكاتب المسرحي علي الزهراني المعروف «بالسعلي».
عالم الكتابة
– كيف ولجت إلى عالم الكتابة المتنوع (القصة، المقال، الرواية)؟
استلهمت قصص»السعالي» من حكايات والدتي – يرحمها الله – هناك في ريف الجنوب تحديداً في منطقة الباحة قرية «خيره» القرية التي أنتمي إليها قلباً وروحاً ونسباً وإذا أرادت والدتي ألا أخرج من بيتنا تأتي لي بقصص السعالي تلك التي لها نابان ووجهها مخيف جداً وتأكل الأطفال ومن هنا كان التحدي بالنسبة إليّ فكان هناك بيت قديم لا يسكنه أصحابه أصبح مهجوراً فذهبت إليه زيارة ومعي قرآن صغير وضعته في جيبي وقمت بفتح غرفه ووجدت أشياء قديمة جداً كالسحّارة – صندوق من الحديد على شكل خاصّ توضع فيه الأشياء وتضعه بنات الجنوب على جبينهن عندما تزفّ للزواج – ووجدت بعض دفوف قديمة مثقوبة وحين دلفت إلى الداخل؛ أقفل عليّ الباب وشعرت بالخوف وسمعت أصوات بعض من كان يسكنونها من المخلوقات الخفيّة وبقدرة الله فُتح الباب أخيراً وكأني كمن يتنفس من تحت الماء وعندما أردت الخروج من البيت القديم سقطت الشرفة «العريش» فوضعت ثوبي في فمي وانطلقت وأصابني وقتها حمّى ثلاثة أيام.. وطوّرت نفسي منذ الصغر قراءة وكتابة في مجال «القصة»و»المقالة»و»الشعر» و»الرواية».
الأدب الرقمي
– كيف هي علاقتك مع خير جليس سابقاً واليوم, وما هي قراءتك للأدب الرقمي؟
علاقتي سابقاً ولاحقاً هي الكتاب وأشتمّ أنفاس ورقه إلى الآن وأغلب قراءاتي في النقد والشعر والمسرح وحالياً أقرأ كتاب « أقنعة القلق» لـ ألفريد فرج وكتاب «مسرح الطليعة» المسرح التجريبي في فرنسا لليونارد كابل برونكو وكتاب «إعادة كتابة المدينة العربية في الرواية الغربية» أما الأدب الرقمي لا يستهويني كثيراً إلا فيما أود معرفته من قراءة متعمقة أكثر فيما يخص الموضوع الذي أودَ الكتابة عنه.
مهنة المتاعب
– الصحافة مهنة المتاعب ما الذي شغفك في ذلك العالم, حدثنا عن تجاربك الصحفية في الكتابة فيها؟
الصحافة هي فعلا مهنة المتاعب ولكل صحافي أو إعلامي أقول له إذا لم تقرأ كتب الأستاذ خالد المالك فقد فاتتك خبرة ستين عاماً في مهنة المتاعب, ومنذ ذلك الوقت؛ أتابع وأقرأ لأهم المقالات – آنذاك – د. هاشم عبده هاشم وجميل الذيابي وما أسمعه في محاضرات وندوات وأمسيات بالنادي الأدبي بالباحة في رئاسة الراحل الشيخ سعد المليص -يرحمه الله- وما يدور فيها من مناكفات ثقافية واختلافات أدبية وجميل الشعر من بحتري الباحة حسن الزهراني… كل ذلك دعاني لهذا الشغف فقررت أن أضع هدفاً حين انضممت لهذه المهنة العريقة والشريفة متعاوناً محرراً وكاتباً ولم أزل من كرم الله بذات الشغف.. وكتبت زاويتي «ملامح وممالح» و «بصراحة .. وأشياء أخرى وهمّي أن يصل صوت حرفي ورنينه وأنينه لكل قارئ أو كما قال رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين الأستاذ خالد المالك :»نحن جميعاً شركاء في بحثنا عن إعلام قوي وموضوعي.. الصحف إذا طلبت الدعم فهي تنطلق من مبدأ أن المؤسسات الصحفية وجدت من أجل خدمة المملكة، والنظرة إليها على أنها مؤسسات تجارية غير صحيح، أنا لا أستطيع أن أبيع صحيفة على أي جهة استثمارية خارجية، ولكني أستطيع أن أبيع أي شركة تجارية لأنها ضمن الاستثمار، فالمؤسسات الصحفية لا تملك سجلاً تجارياً وهي ليست منصة استثمارية».
المجموعة القصصية
– لماذا اكتفيت بإصدار مجموعة قصصية يتيمة، صدرت عن نادي الباحة الأدبي؟
القصة فن قائم بذاته ويحتاج بناءً سردياً والبناء يحتم وجود قواعد وعنوان ومقدمة وبدون السرد وقواعد البناء القصصي يُهدم بيت القصة.. القصة عندي عفو الخاطر سهلة البناء متقنة الختام وما بين هذه الثلاثة يُنقل بعض الوقائع مُطعّماً بكل الخيال ولدي مجموعات «السعلي» و»خلك رجال» و «الذين اتقوا الريح» ومخطوطة «أنت طالق» بإذن الله تعالى.
الكاتب ابن بيئته
– الكاتب ابن بيئته هل تتفق مع ذلك، وهل من الضرورة أن يظل في الدائرة نفسها ونحن اليوم نعيش في قرية صغيرة منفتحة على بعضها؟
المبدع عبد العزيز المشري مثالاً ابن بيئته من قرية في جنوب المملكة ومنها انطلق- يرحمه الله- وكل كتاباته وقصصه عن القرية وترجمت أعماله وعُرف داخل المملكة وخارجها، وعلى الصعيد الشخصي مهتم بالقرى الجنوبية وأكتب عنها في مجموعاتي القصصية وأكتب عن تفاصيل قريتي في جميع الأزمنة.
النقاد والإبداع
– ماذا تقول لأم شهاب – يرحمها الله – بعدما صدرت رواية «حكاية كيد» وما هو السبب وراء اختيارك لمسمّى الرواية؟
ليتها بقيت يوماً واحداً ولم تغادر دنيتي لنحتفل معاً برواية «حكاية كيد» لأنها- يرحمها الله – كانت مهتمة كثيراً بها وسبب تسمية الرواية جاء من اقتراح الدكتور والصديق يوسف العارف كأن كيد النساء غواني الريف وأتمنى قراءة منصفة لها من النّقاد.
كثرة الشخصيات
– لماذا نلحظ كثرة الشخوص في رواية «حكاية كيد» وهل من المنطقي أن يبحث بطل الرواية عن الكيد عند النساء طوال الرواية؟
الرواية اسمها «حكاية كيد» وبطلها «هوس» فهذا طبيعي أن تكثر شخوصها وهم أبطال محوريّون وليسوا كومبارس, والرواية تستفز النساء لكن هذا الواقع وسورة يوسف فيها قصص عن كيد النساء وفي روايتي «حكاية كيد» هو لب الرواية وهدفها الكشف عن مكائد النساء وأن دموعهن دموع تماسيح طبعاً لا أعمم على معشر النساء جميعهن..
الأسطورة والخرافة
– الأسطورة والخرافة والقصة الشعبية تداخلت في سردك من خلال الكثير من الشخوص وعلى سبيل المثال: (سعيدة, مرزوق , شهوان) كيف تكون ناصية الاختلاف في ذلك؟
في روايتي «حكاية كيد «الصادرة حديثاً عن نادي الأحساء الأدبي مشكورا لا يوجد بها أسطورة ولا خرافة بل حكايات جنوبية شعبية في دولة ما وكل شخوصها واقعية من سرد والدتي وحكاياتها يرحمها الله عن كيد النساء وخيال من صنع «السعلي» وكلها من واقع القرى الشعبية.
الأمثال الشعبية
– ضربت كذلك الأمثال الدارجة في أثناء تبادل الأحاديث مثال على ذلك:( من بغى الدح ما يقول أح) في رأيك هل تَوافق المثل مع الحالة السردية, وهل تعلم أنه قد يتناسب مع حوادث لسرد شعبي في بيئات أخرى؟
رواية «حكاية كيد» شعبية واقعية وحين تكتب واقع الشخصيات فلا بدَّ من الروائي أن ينقل ما يتفوه به شخصياتها حرفاً ومنطقاً وصرفة.
ثنائيات مركبة
– في الرواية هناك ثنائية قائمة على الكيد والاحتيال هذي الثنائية قد تُربك القراء في أثناء القراءة، فهل ذلك كان عن قصد بطرحك لتلك المتلازمة التي قد تغيب عن البعض من ناحية الإدراك؟
هذا مغزى حكاية كيد أن يستفز القارئ وتشغل الناقد وتربك المتلقي المتذوق فالاحتيال طريقة والكيد السبب وكل عالم النساء أوله كيد ونهايته ضحكات صفراء من شفاههن بطرق احتيالية.
الموروث الشعبي
– هل نقول عن رواية «حكاية كيد» أنها رواية توثيقية لجزء من المورث الشعبي بمدينة الباحة؟
تركت المكان عن قصد مبهماً؛ فالريف الجنوبي في أي دولة من العالم واحدة وتختلف النتائج والكيد -أيضاً- واحدٌ كما في رواية «حكايات شعبية» ليو تولستوي؛ أما في روايتي «حكاية كيد» فسرد تفصيلي وليس توثيقياً ورواية تتشابه شخوصها وتتفق أغلب أحداثها.
قسوة النقاد
– في رأيك ما هي الأسباب وراء غياب نقد الأعمال الشبابية من قبل النقاد والناقدات، وهل يعقل أنهم غير مدركين أن الكتاب الجدد بحاجة إلى ذلك أكثر من غيرهم، أو ربما هم مفلسون وشاخت أدواتهم من مواكبة ما هو جديد وأين الشباب النقاد من ذلك الوضع؟
هذه معضلة وداء ينخر جسد المشهد الثقافي من تجار الشنطة يكتب بعضهم لمن يدفع أكثر وأقصد الأسماء الروائية التي ملّها القارئ إعلاماً لماذا؟ وللأسف أساتذة الجامعات يوجهون الباحثين إلى الروايات المشهورة إعلامياً ولا يلتفتون للأدباء وروايات الشباب الجدد ونتساءل: أين النقاد عنهم؟