محطة عبد السلام المجالي..(1)

 عروبة الاخباري-  كتب سلطان الحطاب      

حين كنت طالبا في كلية  الاداب بالجامعة الاردنية  كنت شبهت رئيس الجامعة انذاك عبد السلام المجالي بـ”الهرم بن سنان” زعيم قبيلة ذبيان، ولما قصدناه بعد مظاهرة ضد تدفيع الطلاب مقابل الساعات المعتمدة التي ادخلها عبد السلام كنظام جديد في تعليم الجامعة الاردنية  استدعاني ومجموعة من الطلاب ليسأل عن سبب الاحتجاجات ويعد بالحل، فحضرنا مجموعة منا زهير النوباني “الممثل” تاج عبد الحق وجميل صوان وتأخر عن الحضور اسامة فوزي لانشغاله ببروفات تمثيلية  كان يعد لها..

 كان عبد السلام قد جاء ليتولى رئاسة الجامعة بعد فترة من الاضطراب كان فيها الدكتورعبد الكريم خليفه رحمه الله ..

رأينا عبد السلام يمشي مرفوع الرأس لا ينظر للأسفل وهي عادته في المشي التي استمر عليها، وقد كان تقاعد برتبة لواء طبيب من الجيش، اذ كان اول طبيب اردني في الجيش العربي.

جلسنا أمامه طلاباً ما زلنا في مقتبل العمر ، وكنّا خائفين فقال: ماذا تريدون؟ قال النوباني: لا استطيع ان ادفع هل تريدني ان ابيع تنكة الزيت التي وصلتني اول امس من اهلي؟ قلنا كلنا لا نستطيع، قال: اذن نوفر لكم عملا.. أنت وأشار الى تاج العمري تذهب تعمل في الحديقة مع من يعملون من العمال ساعتين في اليوم، وأنت اشار الى صوان تذهب الى المطعم، وانت يا زهير ايضا، وقبل ان يعطيني الدور قلت أريد المكتبة، فقال للسكرتيرة اتصلي بالدكتور كامل العسلي امين المكتبة فاتصلت، فقال: ارسل لك طالب ليعمل في المكتبة اعطه  ساعتين في اليوم او كما تشاء، وبالفعل توزعنا ثم قال بقية  الطلاب الذين لا يستطيعون الدفع يمكن ان يتقدموا بعرائض طلب قرض من عمادة شؤون الطلبة ليسددوه حين يتخرجون، وانتم تستطيعون ايضا.. وبالفعل تقدم الكثير من الطلاب الى الدكتور هاني عبد الرحمن الطويل مدير شؤون الطلاب، وقد حصل اكثر المتقدمين على قروض لم تتجاوز لكل واحد 250 دينارا، وحلت مشاكل الكثيرين ممن انقطعت بهم السبل بعد هزيمة عام 1967 ..

كان لا يغادر قضية  الا ويجد لها حلا.. ولا يقترح اي حل الاّ اذا كان يعلم انه ممكن وهكذا ..

كان صاحب هيبة، واذكر انه مرّ من امامنا وهو يتفقد مرافق الجامعة يوميا حيث كانت الجامعة في ثلاث كليات الاداب والعلوم والشريعة..

 كنا نقف امام مدرج سمير الرفاعي وكان احد الطلاب يدخن، فقال له زميله وصل الدكتور المجالي فاضطرب ولم يجد بداً إلا ان أطفأ السيجارة في جيبه واحرقت بنطاله..

 اشتكينا له ان ثمن الوجبات في المطعم غالية وانها تصل الى 20 قرشا فوعد، وبعد ايام وجدنا ان سعر الوجبة المكونة من طبق رئيسي وحلوى او فاكهة ومشروب هي 14 قرشا، ثم بدأ بخطط ان يكون للجامعة مزرعة تنتج اللحوم والدجاج والالبان والحبوب وقد نجح في ذلك، وكان يحرص ان ينزل ليتناول غذاءه مع الطلاب وقت الظهر، ولما رآه الاساتذة والعمداء عملوا مثله فخصص لهم قاعة في القاعة العباسية  من المطعم ..

عاشت الجامعة في عهده افضل ايامها وقد كان يتصدى لأي مشكلة بالحل السريع والناجح .. وحرص ان يكون جلالة الملك يرعى حفل التخرج، وقد حظينا بذلك في الفوج الثامن، واستمر ذلك لسنوات وكنا نجري بروفات التخرج حتى لا يتكرر اي خطأ خاصة وان احدى الطالبات لم تمد يدها لتسلم في واحدة من الدفعات المتخرجة..

 هذه واحده من المحطات التي تذكرتها في الجامعة الاردنية، وهناك محطات اخرى شهدتها في حياته -رحمه الله- وقد لا تكون مذكورة في كتاب مذكراته “من بيت الشعر الى سدة الحكم” يتبع غدا..

 وللعودة الى التشبيه  فقد كان “الهرم بن سنان” و”الحارث بن عوف” شخصيتان مميزتان بالحكمة في العصر الجاهلي، وهما من أوقفا الحرب بين القبائل المتصارعة عبس وذبيان وقد دفعا الديّة و اصلحا..  وكان الشاعر الشهير زهير بن ابي سلمى الذي قال الرسول عنه تمنيت ان اعيش لأراه قد مدحهما لما عملا بالقول:

 تداركتما عبسا وذبيان بعدما     تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم…

 وحين عرف الدكتور المجالي قصدي من تشبيهه بالحكيمين العربيين وخاصة الهرم بن سنان رضي بذلك وشكر…

 

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي عشائر الغويري والمعايطة والعليمات

افتتاح مبنى الفصيل النسائي في قيادة لواء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان/التدخل السريع