عروبة الإخباري -كتب سلطان الحطاب
اعتقد ان أصدق الكلمات في كتاب “بين الجندية والطب رحلة عمر مسيرة وطن” عن يوسف القسوس.. هو ما كتبته زوجته نجوى جريس القسوس حين قالت:
“كان يوسف انسانا قبل ان يكون طبيبا، كما كان زوجا عطوفا طيبا وأبا محبا لأبنائه رولى وطارق ورانيا، وجدّا رائعا لاحفاده عمر وسند مايا ويوسف وفالنتينا وفيصل وسمير”..
كتبت ذلك بخط يدها وسطرته في مقدمة الكتاب، وهذه الشهادة الصافية جاءت تتقدم مجموعة كبيرة من الشهادات من اقلام رجال دولة ووزراء وشخصيات عامة وكتاب ومفكرين اردنيين وحتى عرب، كتبوا عن الدكتور يوسف القسوس وزاد عددهم عن 140 ، افرد الكتاب لهم ملحقا خاصا يحمل رقم 13 وعلى مساحة 167 صفحة.. عشرات الشهادات كتبت وهي على درجة من الاهمية، وحملت اراء مختلف الشخصيات الذين تناولوا شخصية القسوس من جوانب متعددة، بعضهم كان موجزا وعميقا والاخر كان مفصلا محبا..
وقد بدأت الشهادات من الاميرة بسمة وانتهت بشخصية عملت مع الدكتور واحبته ورافقته في مكتبه لسنوات وهو “ماجد البخيت”، وفي الكتاب ملاحق صور جملته واعطته قيمة اضافية…
ينتسب الدكتور القسوس الى عائلة اردنية عريقة وقديمة، شغل اجداده منها مواقع مهمة في عهد الامارة وقبلها، وحملوا الراية الوطنية ودافعوا عن جذورهم العربية وعن تاريخ مشترك مع كل العشائر الاردنية..
تبدأ في قراءة الكتاب ولا تتوقف فهو ثري يسلمك من باب الى اخر ومن موضوع تحب ان تعرف فيه الى موضوع تحب ان تعرف فيه اكثر..
الكتاب يتحدث عن مولد الدكتور القسوس وعن عائلته ونشأته الاولى ودراسته، وعن الثانوية العامة المصرية وعن الدراسة الجامعية وعن عودته من الدراسة الى الاردن ثم الابتعاث للخارج وعن العودة وبدء العمل، وعن المناصب الادارية والفنية التي تسلمها كمدير للخدمات الطبية وعن علاقته بالراحل الكبير الحسين، وهي قضية خالده يحلو للقسوس ان تذكر ويتحدث كشاهد عيان عن مرض الحسين وعن رحيله المفجع..
وفي الفصل الثامن يتحدث الكتاب عن الملك عبد الله الثاني، كما يفرد فصلا هو التاسع عن الراحل ياسر عرفات وعن خالد مشعل وكلاهما كرمهما الحسين بالعلاج في المدينة الطبية، حيث كان الدكتور القسوس، وحيث رعى القسوس الراحل عرفات بالعلاج بتوجيه ملكي عام 1992، وعن المواقف الاردنية وتحديدا الملكية وابعادها الانسانية والسياسية، السنوات الخصبة من المذكرات هي تلك السنوات التي سبقت عام 1992، ثم يتحدث القسوس في الفصل العاشر عن مذكراته وما يتذكر في مسيرة حياته وعن تقاعده وحلاوة التقاعد واختياره استمرار العطاء وسط عائلته التي يصف الحياة معها، وما وفرتها العائلة له من سكينة ومحبة وحافزية..
ولقد جذبني كلمة الدكتور رجاء المعشر تحت عنوان “هكذا عرفته” ، وكلمه الدكتور محمد عدنان البخيت “كلمات في الطبيب الانسان”..
كان القسوس وفيا لاصدقائه في ان يورد كل ما كتبوه، ولما كنت ممن كتبوا عنه بعد ان عرفته من خلال عيادته الا أنني لم اجد في الكتاب المقالة التي كتبتها ونشرتها في الرأي، وها انا اعاود الكتابة تعويضا عن غيابها..
اما اللمسات الحية التي جعلت الكتاب طازجاً بروح صاحبه متدفقا بانسانيته، فان ذلك راجع للبصمات التي وضعها الزميل الصحفي الكاتب احمد سلامه على الكتاب فكان امينا على مواقف القسوس واراء من شاركوا، كما كان لارائه مكانها الذي جعل من الكتاب مادة للقراءة وتعبر الى الوجدان.
الكتاب جميل في شكله ومضمونه، وهو كبير يزيد عن 507 صفحات، بدأت بالاهداء الى روح الحسين التي جعلت من الاردن روحا، وانتهى الكتاب في اخر صفحة برسالة “كلمة” موقعة من المحرر للكتاب احمد الحوراني وفيها عبارة “انه واحد من الذين لهم في الاعناق دين كبير دين الرواد على الاحفاد”..
القسوس شخصية واسعة مترامية الاطراف غنية لا يحويها كتاب وانما هذا الكتاب فيض منها، فقد نمت وترعرعت واينعت خارج كل هذه النصوص التي عكست شيئا منها..
القسوس الذي لم يلد وفي فمه ملعقة من ذهب أمضى حياة عصامية جادة، واختار أن يضع مهنته الطب في مسيرة الحياة العسكرية (الجندية) التي تدرج في رتبتها الى ان وصل الى “الفريق”.
سيبقى هذا الكتاب ملهما للاجيال اللاحقة ومنارة واشارة لمن يأتوا ليروا ان مسيرة هذه القامات هي جزء اصيل من مسيرة هذا الوطن، كما ربط عنوان الكتاب بين رحلة العمر.. مسيرة وطن فلا فاصل ولا انفكاك فالوطن هو ابناؤه المخلصون، والابناء بجهدهم وحياتهم وما يقدموا هم الوطن!!