عروبة الإخباري – بركات الزِّيود –
طبعت وزارة التربية والتَّعليم نسخة من مناهج التَّربية والوطنية والحاسوب للصفوف السَّابع والثَّامن والعاشر بين عامي ٢٠١٧ و ٢٠١٩، وتميزت هذه النسخة بإدخال وحدة دراسية متخصِّصة بالتَّربية الإعلامية، في محاولة أردنية لتعليم النَّاشئة أساسيات يواجهون بها الأخبار الزَّائفة والمضلِّلة والإشاعات المرسلة عبر وسائل الإعلام ومنصَّات النَّشر العلنية كافة.
وتضمنت هذه المناهج درسًا للصَّف السَّابع في فصله الثَّاني وتمَّ وضعه في الوحدة الخامسة بعنوان التربية الإعلامية والمعلوماتية، تضمن تعريفًا لها وأهميتها ومهاراتها الأساسية وتأثير وسائل الإعلام في حياتنا وتأثيرها الإيجابي والأخلاقيات الإعلامية، بينما تضمن درس الصّف الثَّامن كيفية فهم عالم الأخبار ومن خلالها سيتعرف الطلبة على معنى الأخبار والفرق بينها وبين الآراء، ومعايير القيمة الخبرية للحدث، وكيفية التحقق من الأخبار، والتضليل الاعلامي، والأسئلة الأساسية السِّتة في كتابة الأخبار، وحرية النشر، وفي منهج الحاسوب للصف العاشر كان عنوان الدرس الخاص بالتربية الاعلامية يشير إلى تطبيقات الشبكات، والذي حمل عدَّة عناوين أبرزها طرق حماية الحسابات والتَّعامل مع شبكات التَّواصل الاجتماعي.
ليست هذه الدروس تفصيلا في العملية التربوية، بل هي حاجة ملحة لا بد ات تتضافر جهود شركاء التربية المحليين والدوليين لتلبيتها. ففي عملية رصد يومية لحجم الرسائل التي يتلقاها 11 مليون نسمة على الأرض الأردنية، يتبين أنَّ الرسائل الإعلامية والمحتوى المتداول عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والمطبوعة والالكترونية والتي يصل عددها إلى نحو 250 وسيلة، بالإضافة إلى منصَّات التَّواصل الاجتماعي والتي تتمثل بمواقع فيسبوك وتويتر وانستغرام وتيك توك، وتطبيقات الهواتف الذكية مثل واتساب وتيليغرام وماسنجر، وهذا الكم من الوسائل يدل على أن هناك محتوى ضخم يتعرض له المجتمع بكل فئاته.
وتحمل الرسائل الإعلامية والمحتوى كثير من الأخبار الزَّائفة والمحتوى المضلل وتلوث المعلومات ومعلومات خاطئة وانتهاكات لحقوق الإنسان والطفولة والمرأة، وتنمر وخطاب كراهية، واغتيال للشخصية، مما يترك أثرًا كبيرًا على المجتمع بشكل عام وفئاته الهشة بشكل خاص، لذلك جاءت التَّربية الإعلامية كعلاج ولقاح يتم تقديمه للوقاية من وباء المعلومات الذي ينتشر بشكل كبير ولا يمنعه شيء حتى الآن.
تؤكد عميدة معهد الإعلام الأردني الدكتورة ميرنا أبو زيد بأنَّ التَّربية الإعلامية اليوم أصبحت ضرورة ومتطلبًا مهمًا في مواجهة ما يحدث في الإعلام ووسائل التَّواصل الاجتماعي وحماية الرسالة الصحافية النبيلة التي ترتقي بالمجتمعات وتعالج الخلل وفق معايير المهنية والوضوح والتكامل و التجرد .
وتشير إلى أنَّ الأردن اليوم يسير بخطوات سريعة لتثبيت التَّربية الإعلامية، وقد أدخلها ضمن مناهج الطَّلبة في الصَّف السَّابع، والثَّامن، والعاشر، بالإ ضافة إلى الاستراتيجية الوطنية للتربية الإعلامية والتي تتبناها الحكومة الأردنية منذ سنوات، وجهود منظمة اليونسكو ومعهد الإعلام وأكاديمية دويتشة فيلا، كلها جهود تحاول الوصول إلى وقاية المجتمع من خطر المحتوى المضلل.
وتركز مديرة مكتب يونسكو في الأردن مين جونغ كيم على أهمية الدور الذي تلعبه التربية الإعلامية والمعلوماتية في خلق مجتمعات أكثر وعي وأقل هشاشة تجاه المعلومات المُضللة وخطاب الكراهية الذي يسود بين الحين والآخر. وتشير كيم إلى جهود اليونسكو عالمياً لنشر التربية الإعلامية كونها محور أساسي ضمن محاور عملها، وتحديدا الجهود التي يبذلها مكتب اليونسكو في الأردن بهذا الخصوص عن طريق تنظيم عروض أفلام مختارة وجلسات نقاشية مع الشباب في مختلف المحافظات تتحدث عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الأفراد وأنماط استهلاك الشباب لمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي، والانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد اليوم نتيجة لاستخدامهم المنصات الرقمية دون تحقق من سياسات الخصوصية.
واذا نظرنا الى الواقع نجد في الأردن تنوع انساني مميز. فبالإضافة إلى الاردنيين ، هناك فئات لاجئة وتعيش ظروف اللجوء بعيدًا عن أوطنها، لكنَّها أيضًا تتلقى هذا المحتوى المضلل والزَّائف وقد يتعرضون لخطاب كراهية وتنمر، ولذلك فإنَّ من الواجب اليوم الوصول إليهم من أجل تربيتهم إعلاميًا والوقوف معهم في مواجهة هذا النَّوع من المعلومات عن طريق الوقاية.
أن التربية الإعلامية هي عبارة عن لقاح فعَّال بالتَّجربة والتَّطبيق، وقد مرَّت سنوات على استخدامه، لكن ما زال هذا اللقاح يحتاج إلى إرادة سياسية كبيرة لنشرها على نطاق واسع، ولتصبح منهجًا أساسيًا في المدارس والجامعات، لأنَّ اكتساب هذه المهارات يعني ارتفاعاً كبيراً وعالياً في الوعي المجتمعي الذي تبحث عنه الإنسانية.
ما يعنينا في مقبل الأيَّام هو تكثيف الاشتباك مع هذا المحتوى عبر التَّربية الإعلامية من خلال مدربين أكفاء وبرامج تترك أثرًا طويلا تتم متابعتها بطرق أكثر فعالية