الإعلام الحديث ونشر الوعي برسائله الخفية عن طريق التَّربية الإعلامية

عروبة الإخباري – شرين الصّغير- عالمٌ بلا إنترنت! هل من الممكن تخيّل ذلك؟ في الوقت الحاضر، لا يتمّ إنجاز شيء تقريبًا دون هذه الخدمة، حيث تتنوع بين العمل، والبحث، والدِّراسة، إلى صناعة الأفلام، وتسجيل الموسيقى، وخلق مجموعة لا نهائية من وسائل الترفيه.
وكلما اعتمدنا أكثر على الإنترنت، بدت الحياة دونها مستحيلة، ولكن هل من الممكن أن يشكّل ذلك الاعتماد الأعمى تهديدًا؟، هل يمكن أن تصبح تلك الشَّبكة الضخمة بدلًا من كونها معينًا عبئًا علينا وخطرًا على أبنائنا؟.
مع انتشار الإنترنت أصبحنا نسمع اكثر بمصطلح التربية الإعلامية أو ما يُطلق عليها محو الأميّة الإعلاميّة، فماذا نعني بالتربية الإعلامية؟، وهل نحتاج إليها؟، وماهي الركائز والمهارات التي تعتمد عليها التربية الإعلاميّة؟
ظهرت الحاجة إلى التَّربية الإعلامية بسبب الانتشار الواسع للإعلام والتكنولوجيا خلال القرن العشرين وتزايُد متابعة واستخدام الأطفال والشباب لوسائل التواصل الاجتماعي، والاعتماد عليها في الحصول على المعلومات.
لكن ماذا نعني بالتربية الإعلامية؟، عرّفت منظمة اليونسكو التربية الإعلامية والمعلوماتية بأنها: (الكفاءات الأساسية التي تتيح للمواطنين التعامل مع وسائل الإعلام على نحو فعّال، وتطوير الفكر النقدي ومهارات التعلّم مدى الحياة، في سبيل تنشئة اجتماعية تجعل منهم مواطنين فاعلين).
ويعرّفها معهد الثَّقافة الإعلامية بالولايات المتحدة الأميركية بأنها (الإطار العام الذي يمنح للمتلقي القدرة على الوصول إلى الرسائل الإعلامية بكافة أشكالها، والقدرة على تحليلها وتقييمها وإنتاجها، على الرغم من اختلاف أنواع هذه الرسائل، بدءًا من الوسائل المطبوعة وانتهاءً بشبكة الإنترنت).
أو بمفهوم أبسط هو امتلاك المهارات والفهم والوعي الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، بوعي وذكاء ومسؤولية.
وركّزت التربية الإعلامية على الطرق التعليمية والتربوية في محو الأمية الإعلامية، ففي سنة 1982 خصّصت الندوة العامة لليونسكو لمناقشة شؤون التربية الإعلامية وتحدياتها، وذلك لأن وسائل الإعلام قد أصبحت متاحة وبسهولة في كل منزل، وكان الهدف الأهم ينصبّ على الأطفال واليافعين والعمل على التّوعية والإرشاد في كيفية متابعة والتعامل مع وسائل الإعلام.
وفي العام 2001 قامت اليونيسكو بتوزيع استبيان حول التعليم الاعلامي وبحثت فيه عن الدول التي قامت بدمج الدراسات الإعلامية في مناهج المدارس المختلفة، والتي قامت بتطوير مبادرات جديدة في مجال التربية الإعلامية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفرد والمجتمع معرّضون لكمّ هائل من الأخبار والمعلومات والإعلانات، عن طريق وسائل إعلام عديدة ومختلفة، كما تجب الإشارة إلى أن وسائل الإعلام المختلفة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ما يعني أن العديد من الأفكار والصور والمعلومات نستقيها من هذه الوسائل، وهذه الصور والمعاني تؤثر في تصرفاتنا ونظرتنا إلى الآخر والتعامل معه. والخطير في الأمر، هو أن ما تقدمه وسائل الإعلام، ليس كله بريئًا وصحيحاً وخالياً من التوجيه.
إنّ اعتماد تدريب التربية الإعلاميّة للطلبة والمعلمين في المدارس يمکنها أن تساعد على ضبط هذه التأثيرات وترشيدها وبلورتها في إطار يخدم الأهداف المنشودة. حيث تعتبر الأردن من أوائل الدول العربية ، التي تدرج التربية الإعلامية في المناهج المدرسية، حيث قامت الحكومة الأردنية بتشكيل فريق لمتابعة مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية وذلك بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم ومعهد الإعلام الأردني. وقد عادَ الحديث حول مشروع تدريس التربيّة الإعلاميّة والمعلوماتية للطلاب في الأردن، علمًا أنّ معهد الإعلام الأردني، أطلق بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، مشروع إدخال التربية الإعلامية والمعلوماتية للأردن في العام 2016.
وحددت المملكة تدريس التربيّة الإعلاميّة والمعلوماتيّة في المدارس والجامعات بعد إعلان وزير الثقافة الأردني الأسبق باسم الطويسي، العام الماضي، إدخال مفاهيمها في المناهج، وبناء قدرات ثلاثة آلاف معلم لتحقيق هذا الهدف، بعد إطلاق الخطة الوطنية التنفيذية للتربية الإعلامية والمعلوماتية التي تستمر من عام 2020 – 2023.
وتشمل أربعة مجالات أساسية، من ضمنها مجالات التعليم في المدارس والجامعات، والتي تسعى إلى دمج مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية في المناهج الدراسية لثلاثة صفوف دراسية، ودمج مفاهيم ومهارات التربية الإعلامية في الأنشطة الطلابية، وبناء قدرات نحو 3000 معلم على مدى هذه السنوات، وإنشاء أندية طلابية، وتطوير أداء الإذاعات المدرسية.
وفيما يتعلق بمجال الجامعات الأردنية، تستهدف الخطّة بناء قدرات مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أيضاً، وإيجاد مادة إجبارية ضمن المتطلبات الجامعية في الجامعات ودعم كليات إعداد المعلمين وكليات العلوم التربوية لكي تطرح مساقات للمعلمين في الخطة الدراسية، وإمكانية فتح برامج في الدراسات العليا في مجال التربية الإعلامية في إحدى الجامعات الأردنية.

ومن أبرز القضايا المعاصرة التي تعنى بها التربية الإعلامية تثقيف الناشئة بسبل فهم الأمور وتقديرها، وسبل التعايش مع الآخرين، واستيعاب مقتضيات العصر الحديث، وآليات التفاعل مع العولمة، وتعبئة الشباب لمواجهة الأحداث الجارية الطارئة وغيرالطارئة، وتمكينهم من المهارات التي تعينهم على المواجهة عوضًا عن الخوف والاستسلام أو الانعزال، کما تعنى التربية الإعلامية بمساعدة الطلاب على فهم حقوقهم وواجباتهم، ، واحترام الآخر، والحرية العادلة، ومواجهة الشائعات والتضليل، ومحاربة الانحرافات الفكرية وفق الطرق المناسبة لذلك.
وتوفر التربية الإعلامية مساحة کبيرة من الفرص المواتية لمعالجة المشكلات النفسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها الطلاب في المدرسة كمشكلة الأمية الحضارية المتمثلة بعدم القدرة على مواكبة التقدم التكنولوجي، والفكري، والفلسفي، والثقافي للعصر الحديث، مما ينتج عنه عدم القدرة على الانسجام مع المعطيات العصرية نتيجة للفجوة الحاصلة بين كل التقدم والحداثة، والعادات والتقاليد والمعتقدات الثقافية التي تشكل عائقاً حقيقياً أمام التقدم الفكري.
والأمية التكنولوجية والتي ظهرت في ظل انتشار التكنولوجيات الرقميّة بسرعة قياسية في كافة مجالات حياتنا وأصبحت تؤثر بصورة أساسيّة على طريقة حياتنا وعملنا وتعايشنا مع الآخرين. حيث تتيح هذه التكنولوجيات للناس فرصاً جديدة تمكنهم من تطوير كافة مجالات حياتهم لا سيما في ما يتعلق بالوصول إلى المعلومات وإدارة المعارف وبناء الشبكات والخدمات الاجتماعية والإنتاج الصناعي وأسلوب العمل. ولكن الأشخاص الذين يفتقرون إلى إمكانية الحصول على هذه التكنولوجيات الرقمية والمعارف والمهارات والكفاءات اللازمة لاستخدامها قد ينتهي بهم المطاف كفئة مهمشة في ظل المجتمعات الرقميّة. ولذلك فإن تعلم القراءة والكتابة أحد المهارات الأساسيّة التي هي بمثابة بداية المعرفة والتنوير. هذا ويركز العالم أجمع على محو الأمية عن طريق تفعيل برامج عدد من الحكومات والمنظمات غير الحكوميّة والقطاعات الخاصة والمجتمعات المحليّة والمعلّمين والمتعلّمين والخبراء معنيّين في هذا المجال. ويتيح هذا الفرصة لإبراز الإنجازات ودراسة طرق مواجهة التحديات المتبقية من أجل تعزيز محو الأمية كجزء لا يتجزأ من عملية التعلم مدى الحياة .
والأمية السياسية أحد أسبابها عدم إتاحة قدر كبير من المشاركة السياسية الفاعلة وخاصة بين فئة الشباب، فهي الأكثر تأثيرا في حياتنا ، لما تتميز به منطقتنا من احداث وتقلبات سياسية ، تمس نواحي حياتنا الحاضرة والمستقبلية، وشكلت للمواطنين ثقافات سياسية متنوعة، أفرزت إما مواقف سياسية ساذجة أو متطرفة.

فالثقافة السياسية الساذجة لها تأثير كبير على كل امور حياتنا ، تأثيرات نفسية من حيث الإحباط، وزعزعة الثقة بالوطن ، وإضعاف الانتماء الوطني ، أو من حيث سذاجة الانتماء والولاء ، وعدم قدرته على الصمود ، امام أي هزة تتعرض لمفاهيمه بالنقد والتشكيك . علاوة على التوترات التي تنشأ بفعل الاتصال مع الآخرين، وعدم الألفة.
وتلعب التربية الإعلامية دوراً بارزاً في إکساب الطلاب الثقافة الاجتماعية ، وامتلاکهم مهارات النقد والتقويم والتحليل وحل المشکلات والربط بين الأشياء وبين المتغيرات، والمهارات الترکيبية، ومهارات الحديث والقراءة والكتابة والمهارات الاجتماعية والثقافية التي تساعدهم على الاتصال الفعال، وتمكّنهم من استيعاب الخصوصيّات الثقافية في علاقتها مع العموميات والمتغيرات الثقافية الأخرى. كالعناصرالتي تظهر حديثة وتجرب لأول مرة في ثقافة المجتمع وبذلك يمكن الاختيار من بينها وتشمل الأفكار والعادات وأساليب العمل وطرق التفكير وأنواع الاستجابات.
إلى جانب ذلك فإن التربية الإعلامية تساعد على تكوين نموذج القدوة الحسنة لدى الطلاب في المدرسة، وامتلاك الطلاب مهارات الخطابة والعرض والحوار وحسن تقدير الإنجازات، والتحمل والصبر، وتعزيز مفاهيم اجتماعية وصحية بالغة الأهمية لديهم.
کما أن التربية الإعلامية يمكن تقديمها بصورة وألوان شتى، وتستخدم فيها وسائط عديدة کالمعلمين والمناهج الدراسية، والإذاعة والصحافة المدرسية، والأنشطة اللاصفية والمعارض المدرسية، والحفلات والمهرجانات والمناسبات التي تقيمها المدارس سنوياً أو فصلياً أو حسب المقتضيات التي تقوم من أجلها، إلى جانب الفنون المدرسية على اختلافها وذلك بغية إعداد الطالب لكي يكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه يملك اتجاهات إيجابية نحو الناس ونحو الأشياء ونحو العمل ونحو الإنتاج، ومشارکًا فاعلًا في علاج مشکلات بيئته ومجتمعه، وقادرًا على تحقيق شروط المواطنة السليمة في تصرفاته وسلوکياته برمتها.
وتتكون عناصِر التَّربية الإعلاميَّة الرئيسيَّة من الوعي بتأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع، ودفع الأفراد لاتخاذ مواقف معينة بناءً على تجارب التأثر الإعلامي السلبية والإيجابية، واستيعاب عملية الاتصال الجماهيري بشكلٍ واعٍ، وربطها بمقومات التربية الإعلامية المختلفة، واعتماد استراتيجيات وأساليب متنوعة ومناسبة تقوم بدور تفسير وتنقيح المضامين الإعلاميَّة المختلفة، وفهم الرسائل العميقة التي تقدمها للجماهير، ومراعاة الجوانب الجمالية عند فهم واستيعاب المضامين الإعلاميَّة المختلفة، وذلك تبعًا لاختلاف أذواق الجماهير.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري