ما قبل إقرار الموازنة العامة د. رعد محمود التل

د. رعد محمود التل   

تعد الموازنة العامة الخطة المالية للدولة تبين إيراداتها ونفقاتها خلال العام وتظهر بالتالي مقدار العجز والدين المترتب على الدول، لكن المعضلة محلياً هي اجترار العمل التقليدي في إعداد الموازنة بين الإيرادات والنفقات، وقد يكون من المهم التفكير اليوم بإعادة النظر بطرق احتساب الموازنة والنظر لها بطرق مختلفة، وبالتالي إعادة رسم السياسات المالية الناتجة عن ذلك.
لقد حان الوقت مثلاً، للنظر بحجم الإنفاق الرأسمالي ووضع منهجية لزيادته وإنفاقه بصورة حقيقية، فمثلاً لم تتعد قيمة المشاريع الجديدة في موازنة العام الحالي 340 مليونا، وهذا رقم هزيل جداً لا يمكن أن يحدث فارقاً، فالإنفاق الرأسمالي هو محرك أساسي في الاقتصاد ويخلق قيمة مضافة وفرص عمل. أما بخصوص العجز، فهو أصل الدين، وقد تراكم حتى وصلنا الى ما وصلنا إليه، وسوف يزداد أكثر إذا لم تكن الإيرادات مدفوعة بالنمو الحقيقي للاقتصاد بل جراء التضخم، وأكثر ما نتمنى أصبح أن تغطي الإيرادات في الموازنة العامة النفقات الجارية فقط.
ما نقترحه دائماً هو ربط الإنفاق الرأسمالي مع نسبة البطالة في المحافظات، بحيث إذا زادت نسبة البطالة في إحدى المحافظات يجب زيادة الإنفاق الرأسمالي بها، وهذا ما يدفعنا أيضاً لبناء نموذج اقتصادي دقيق يبين وبدقة معدل النمو الاقتصادي الذي تبنى عليه الموازنة، وهو أمر ضروري جدا يجب تقديره بشكل مدروس ليقترب من أهداف رؤية التحديث الاقتصادي.
لا أدري أيضاً ما الذي يمنع من تبني توصية صندوق النقد الدولي (تقرير الراصد المالي 2018)، بأن تكون هناك موازنة عمومية للقطاع العام تجمع كل الأصول التي تمتلكها الدولة وكل الالتزامات عليها، ذلك بلا شك سيساعد الدولة على بيان كم تمتلك من أصول وكم عليها من ديون، وبالتالي تحسين إدارة الموازنة العامة وزيادة الإيرادات وتخفيض المخاطر وصناعة السياسة المالية بصورة أدق ورفع الكفاءة.
فحسب تقرير الراصد المالي “تسهم هذه الطريقة، ومن خلال أدواتها، في إجراء تحليل شامل لصلابة المالية العامة. وتسمح هذه الأدوات للحكومات بفحص الميزانية العمومية من جانبَيها لتحديد الاختلالات أو جوانب عدم الاتساق واستخدام اختبارات تحمل الضغوط على المالية العامة لقياس صلابة المالية العامة في مواجهة الصدمات، وبتحديد المخاطر التي تنطوي عليها الميزانية العمومية، وبالتالي تستطيع الحكومات اتخاذ إجراءات لإدارة المخاطر أو تخفيفها مبكراً، بدلاً من التعامل مع العواقب بعد وقوع المشكلات”. وهناك العديد من الدول التي اعتمدت تلك النظرية وأظهرت تحسناً بمعدل النمو لديها بما يقارب 3 بالمائة.
باختصار، المطلوب من موازنة العام المقبل أن تعكس أهداف رؤية التحديث الاقتصادي من خلال أرقام الموزانة، بحيث تؤشر الموازنة قطاعياً على القطاعات ذات الميزة التنافسية في الاقتصاد والأعلى توظيفاً.

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني