عروبه الاخباري كتب سلطان الحطاب
اكتب عن شفيق الحوت هذه القامة السياسية الاعلامية الفكرية الراحلة.. ابن يافا الجميلة الذي عاش موزعا بين الوطن والمنفى، وظلّ يشتم رائحة البرتقال حين يتذكر مسقط رأسه..
لم اقرأ مذكرات اجمل مما كتب شفيق الحوت ليس لما فيها من أحداث تصلح ان تكون في فيلما روائيا دراميا لقسوة ما واجهه من حياة ومعاناة في سبيل أن يظل ممسكا بالوطن من خلال الذكريات ثم الكلمة حين احترف الصحافة والعمل الدبلوماسي والسياسي حين اصبح في المواجهة والاشتباك، وقد تعرض لأكثر من محاولة اغتيال من اكثر من طرف رأوا فيه انه يعشق فلسطين وانه يناديها في نومه ويقظته..
ظل ابو هادر الذي اخذ هذا الاسم من صوت هدير بحر يافا وفيا للقضية التي حملها في صدره ووجدانه منذ يومه الاول في يافا الى يوم رحيله..
اكتب عن شفيق الحوت الذي كان واحدا من المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية الى جوار احمد الشقيري ومن اوائل من آمنوا بالعمل الفلسطيني الكفاحي، وكان ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وفي اكثر من بلد وناقلا لرسائلها ومؤتمنا على اهدافها، ولم يكن يخشى في الحق لومة لائم، فقد كان بعيدا عن المجاملة حين كان الامر يتعلق بقضية شعبه..
اعطى الحوت للكتابة جميل زمانه وامتلك ناصيتها، ولذا لم اقرأ كتاب سيره او مذكرات اجمل من كتاب شفيق الحوت “بين الوطن والمنفى من يافا بدا المشوار” الذي اهدتني اياه شقيقته الصغرى سلوى الحوت التي أحبها دائما وبقي يذكرها، وقد سارت في النضال على خطاه وما زالت الى اليوم متعها الله بالصحة..
كنت اتحدث معها عن كتبي عن احمد الشقيري وياسر عرفات و”ابو مازن” محمود عباس وعن صلاح خلف “ابو اياد” وخليل الوزير “ابو جهاد”، فقالت: سأعطيك كتابا اخر، وناولتني كتاب الراحل الكبير شفيق الحوت الذي طبع بعد رحيله عن طريق مركز الابحاث في منظمة التحرير الفلسطينية..
تحدثت سلوى ايضا عن المناضلة “بيان نويهض الحوت” زوجة شفيق الحوت التي ولدت في القدس وما زالت تعيش فيها، وهي من عائلة كريمة والدها الشخصية الوطنية اللبنانية المرموقة نويهض الحوت، وخالها الشخصية القومية المجاهدة الفذة فؤاد سليم احد قادة الثورة العربية الكبرى ومن مؤسسي الجيش العربي ورئيس اركانه ، وقد استشهد في الثوره السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الاطرش وقد حدثني عنه دائما صديقي المهندس اكرم ابو حمدان..
اعود الى مذكرات شفيق الحوت التي اذا ما تورط احد في قراءتها فلن يترك الـ (545) صفحة دون ان يتمها مهما كانت المغريات الضاغطة، فمن يبدأ قراءتها يعيش مع فيلم احسن اعداده واخراجه، فاللغة الراقية والسرد السلس والوقائع القوية وتاريخ شعب فلسطين لقرن من الزمان كله وُضع على الورق ليتحول الى سيرة شفيق الحوت التي هي سيره شعبه منذ التصق بالقضية ونذر نفسه لها..
لقد اضاء الحوت مسيرة شعبه.. اضاء مساحات الزمن قبل النكبة واثنائها وبعدها حين انطلق الجيل الفلسطيني المؤسس للثورة ولبناء المنظمة ليتجمع مع اصقاع العالم ويبدأ مسيرة صعبة حملها جيل شفيق الحوت باخلاص..
تستطيع ان تقرأ احمد الشقيري باعث الكيانية الفلسطينية الحديثة كما يقول الرئيس محمود عباس بشكل منصف من كتابات الحوت، وتستطيع أن تقرأ المنظمة وفتح وفصائل المقاومة والحركة الوطنية ، وتستطيع ان تقرأ القمم العربية ومؤتمراتها وخاصة الخرطوم الشهيرة والشخصيات العربية التي التقاها شفيق الحوت في حياته بحكم عمله الصحفي والسياسي..
وتستطيع ان تعيش اجمل سنوات لبنان حين كان قلب العالم العربي، وهو ينبض بالحرية والفكر والصحافة والنضال..
شفيق الحوت مدرسة جمعت الادب والفكر والاعلام والثقافة والسياسة والنضال والتاريخ في اطار واحد، وظل كبيرا عفيفا صاحب عنفوان يرضى من اجل فلسطين ويغضب من اجلها ،وغير ذلك كان مخلوقا من الندى والمحبة والتسامح..
عشت مع شفيق الحوت ساعات طويلة وانا اقرأ مذكراته وكأنني أكلمه، لقد كان ابو هادر شفافا صادقا في ما كتب وسيخلد اسمه في الاجيال الفلسطينية لأنه اشعل الشمعه الاولى مع نفر مخلص من ابناء فلسطين، وما زالت الشمعة منظمة التحرير الفلسطينية مشتعلة وهي امانة في اعناق من حملوا الراية..
أتطلع في ان اكتب عن شفيق الحوت كتابا انتزع مادته من صدور من أحبوه ورافقوه واعترفوا بفضله وكفاحه، وإلاّ فأدعوا من كان قادرا ان يفعل ذلك.. فشفيق يستحق ذلك واكثر.