من قتل ظافر المصري!!

 عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب   
أعود للسؤال بعد 36 سنة واقول: أما آن للشهيد ظافر المصري ان ينصف وأن يعاد فتح ملف اغتياله الذي اقترفته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حين اعلنت مسؤوليتها عن اغتياله في ظروف من السهل معرفة دوافعها ولصالح من قامت الشعبية في هذه الجريمة الجلل النكراء، فما زال في الوقت متسع لكشف الحقيقة..
قد يسأل احد ولماذا الآن وما الجديد؟ ولماذا أعيد فتح هذا الملف؟
إنني ومنذ استشهاد ظافر المصري وانا أحمل السؤال لماذا.؟ ومن المستفيد؟ وقد رصدت ردود الفعل منذ اللحظة الاولى وجمعت كل ما كتب عن المصري من اصدقائه وحتى اولئك الذين خاصموه او قبلوا رواية مغتاليه او تأثروا بها..
لقد خسرت الجبهة الشعبية باغتيالها احد قادة الشعب الفلسطيني المعروفين والذي قام بعمل عام واسع ولقب بـ”أبو الفقراء” وارتبط بعلاقات نضالية مع الشهيد “ابو جهاد” خليل الوزير، وقد نعاه بحرقة كما نعاه الرئيس الراحل عرفات ونعته منظمة التحرير الفلسطينية في بيان رسمي وبينت مدى خسارة الشعب الفلسطيني باغتياله.. كما زفته نابلس في خمسين الف مشيع من ابنائها خرجوا في جنازته، والامة لا تجمع على ضلالة بل ان الخمسين الفا وسواهم الكثيرون احسوا بالمرارة والفجيعة لاغتياله، وما زالت اصواتهم تقول: “الهامة اسقوني” ..
بيان الجبهة الشعبية عن اغتياله واعترافها بذلك وانتسابها الى الجريمة كان فعلا مخزيا وشائنا، فقد كلفت بذلك احد اعضائها الذي صدرت له اوامر فنفذها كأعمى رغم ان القاتل كان سجينا في سجون الاحتلال وعاد الى السجن المؤبد مرة اخرى..
ظافر المصري المناضل والذي لا يريد للحاكم العسكري الإسرائيلي ان يدير بلدية نابلس وان يتحكم في مواطنيها وفي ايقاع حياتهم اليومية وتزوير ارادتهم، فقد اقلقه ذلك وعمل بكل نشاط بعد ان اصيب رئيس بلدية نابلس من قبله بسام الشكعة باصابات بليغة بترت على اثرها رجليه في عملية اغتيال دبرها الاحتلال الإسرائيلي مع رؤساء بلديات اخرين..
ظافر المصري الذي استمزجته نابلس وناشدت فيه المروءة والعنفوان واستصرخت ضميره ليقوم بقيادة البلدية كعمل نضالي في مواجهة اشكال الاحتلال والوصاية والتدخل، وتأثير روابط القرى والحكم العسكري الإسرائيلي الذي جاء بضابط درزي من الجيش هو جبر الهنو ليدير بلدية نابلس بعد ضرب بسام الشكعة..
ظافر الذي كان يقود غرفة تجارة نابلس بحكمة وروية ورأى فيه المواطنون ضالتهم ذهب يستمزج القيادة الفلسطينية انذاك، وكانت قد خرجت من لبنان، وكانت لقاءاته المتكررة وخاصة الثلاثة الشهيرة منها والمدونة في اوراق الراحل ابو جهاد، هذه اللقاءات اسفرت عن الموافقة على تكليفه والاستجابة لرغبة المواطنين النابلسيين، وكان لقاء عمان بين ظافر المصري وابو جهاد قد اتم التفاهم على ذلك وان يقبل ظافر المصري رئاسة البلدية ويكمل المشوار ويؤسس لانتخابات تقليدية راسخة، وهذا ما كان..
ظافر جاء في ظرف صعب وهو لم يستفز سوى الاحتلال حيث كان الاحتلال من قبل ومن بعد قد فشل في ترويض القيادات الاهلية والشعبية الفلسطينية في قبول ان يأتوا من كم الاحتلال او عن طريقه اويقبلوا تصوراته رغم ان موشي دايان وزير الحرب الإسرائيلي حمل العديد من قيادات نابلس مكرهة الى مقر في بيت ايل وحاورهم وهددهم، وقد فعل شمعون بيرس ورابين من بعد مع العديد من القيادات النابلسية والفلسطينية الاخرى من مدن الضفة الغربية ومنهم الشاعرة الراحلة فدوى طوقان، وكلهم رفضوا واشاروا عليه ان قيادتهم في تونس (هذه في فترة لاحقة) وانه يمكن الاتصال بها وهذه الرواية ذكرها لي شخصيا اسحق رابين في مقابلة معه لم تنشر في الصحافة بعد دخول السلطة الفلسطينية الى فلسطين، وقال رابين انني بعد ذلك اضطررت ان ابعد اكثر من 400 فلسطيني الى مرج الزهور، ثم فوجئت ان الاردن يفك ارتباطه بالضفة الغربية حين بدأ الضغط عليه.. ليقوم بدور في وقف الانتفاضة وقد رفض وخذلنا..
اذن لم تنجح إسرائيل في ابقاء نابلس في قبضة رئيس بلدية يعينه الاحتلال، واستطاع نضال جماهير نابلس التي ودعت شهيدها ظافر أن تأتي بحافظ طوقان رئيسا للبلدية من عام 1986 – 1988 قبل ان تعود الادارة المدنية او الذاتية الاحتلالية..
جاء ظافر في مرحلة خلاف سياسي بعد خروج المقاومة من بيروت وقبل نشوب الانتفاضة الاولى، وكان هذا الخلاف بين الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية باتفاق عمان في شباط والذي الغاه الاردن من جانبه لتشدد المنظمة حول التمثيل..
لقد كانت سوريا في ظل نظام الاسد (حافظ) قد شقت فتح بعد الخروج من بيروت واستمالت فصائل اخرى وتوجه جورج حبش الى دمشق من بيروت ،وكان ذلك صدمة للرئيس عرفات الذي رحل عن بيروت وعاد يقاتل في طرابلس والمخيمات اللبنانية قبل ان يستقر في تونس، ورغم ان الملك الحسين قد القى بخشبة النجاة للرئيس عرفات ليبقى في نسيج العلاقات العربية حين سمح بانعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني 17 في عمان في فندق القدس، لتكون ردا على السياسة السورية الانقلابية واحتضاناً للقضية الفلسطينية التي كان يريد الاسد احتواءها وتوظيفها..
ومع فشل اتفاق شباط الاردني الفلسطيني الذي عقد في 13 شباط 1985 تعكرت الاجواء رغم ان الاتفاق كان ثمرة لعلاقات تحسنت في ظل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في 29/11/1984 ، ولم تمر الا فترة قصيرة حتى انعقدت قمة الوفاق والاتفاق في عمان في 8/10/1987. حيث كانت العلاقة متوترة جدا بين سوريا والعراق وبين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولذا حملت اسم الوفاق دون ان تدركه، واحس الرئيس عرفات في القمة بالاهانة والتجاوز خلال حضوره القمة ومواقف الاسد السلبية منه ومهاجمة عبد الحليم خدام له ، وقد احتج على ذلك وما ان انفضت القمة حتى تطورت الخلافات وكان رد الشعب الفلسطيني على هذه التدخلات والتجاوزات بإعلان انتفاضته التي هندسها الراحل الشهيد ابو جهاد ليجدد الفلسطينيون نضالهم ويكنس ما علق بقضيتهم، فكانت في 8/12/1987 قد بدأت لترد على البطش الإسرائيلي وممارسات روابط القرى وتضع حداً للتدخل في شؤون الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، ولذا اغتالت سلطات الاحتلال الشهيد ابو جهاد في تونس في 16/4/1988 بعد نشوب الانتفاضة التي هندسها بأربعة اشهر، وكانت من قبل قد اغتالت الشهيد ظافر المصري لتوقع بين الاردن وفلسطين على خلفية فشل اعلان شباط .
وقد استمرت الجبهة الشعبية ما اعتقدت انه خلافات فدبرت بتوجيه سوري اغتيال ظافر المصري لترد على الموقفين الاردني الذي عقد المجلس الوطني في عمان والفلسطيني الذي ابتعد عن القيادة السورية واسس الانتفاضة محرجة لنظام حارب الفلسطينيين في لبنان وساهم في اخراجهم.. في مثل تلك الظروف الموضوعية جرى اغتيال ظافر المصري من جانب الجبهة الشعبية التي نفذت رغبة اطراف عربية ، وكانت بمثابة حصان طروادة في ذلك العمل…
وكانت اطراف قد زجت اسم ودور جماعة ابو نضال المدعومة من ليبيا والمشتركة في ما سمي جبهة الرفض في اغتيال ظافر المصري، ولكن الجبهة الشعبية عادت وأكدت انها هي التي قامت بهذا العمل الجبان..
واليوم وقد مضى على اغتيال الشهيد ظافر المصري 36 عاما وقد كرمته القيادة الفلسطينية من الرئيس محمود عباس “بوسام الاستحقاق والتميز الذهبي في ايلول العام 2015، تقديرا لدوره الوطني المشرف خدمة لابناء شعبه ووطنه وتثميناً لمسيرته في العطاء والبناء” وقد جاء التكريم للشهيد المصري عام 2015 بعد 29 سنة من استشهاده.
واليوم ما زالت روح الشهيد ظافر تستصرخ احرار الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى رأسها الرئيس عباس في ان تعود الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الى رشدها وتصدر قيادتها بيان اعتذار رسمي عما اقترفت وتقترف بالخطأ التاريخي ، ليبقى لها شيء من الاحترام لدى فئات الشعب الفلسطيني خاصة وان للشعبية مناضلين وشهداء واسرى وعلى رأسهم امينها العام المناضل سعدات في سجون الاحتلال..
انني شخصيا وقد امضيت عامين في البحث في شخصية الشهيد ظافر المصري واثلج صدري تكريمه من الرئيس عباس، اناشد الرئيس عباس وهو رئيس كل الشعب الفلسطيني ان يعمل بكل جهد وارادة لإعادة الاعتبار للشهيد ظافر وان يمكّن الشعبية من الاعتذار والكشف عن ملابسات اغتيال الشهيد، ومن هي القوى التي وقفت وراء ذلك ففي الملفات ما يمكن ان يكشف ويساعد على ذلك..
ان روح الشهيد تستصرخ كل ذي ضمير، وقد كان الدكتور اسعد عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية الاسبق قد كتب في ذلك وطالب بذلك، واتهم قتلة المصري بأنهم خدموا الاهداف الإسرائيلية وعليهم ان يعتذروا فالرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل..
رحمك الله يا ابا الفقراء وتغمدك برحمته ..ولا بد للحقيقة ان تظهر ولو بعد حين..

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

وفاة الشاب علاء عطا الله خيري، نجل سفير فلسطين في الأردن