عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
“الجود من الموجود، واتقي النار ولو بشق تمرة”..
اتصل بي مثقف باكستاني كان ترجم كتابي عن السلطان قابوس “السلطنة والسلطان” الى اللغة الاوردية، وهو يتقن العربية فقال: لقد دق قلبي وصفقنا كثيرا حين وصلت طرود المساعدات تحمل اسم فلسطين وعلمها لمواجهة كارثة الفيضانات التي غطت اراض واسعة من باكستان..
وقال احسان ان المساعدات العالمية العديدة وحتى من بلدان عربية ومسلمة لم تلفت انتباهنا كما المساعدة الفلسطينية التي رأيناها بداية في التلفزيون حين سلم السفير هذه المساعدات ثم وصلت الينا في بلدة الى الجنوب من البلاد، وقد غرقت معظمها تحت الماء ولم يبق الّا مدرسة أتى اليها المواطنون الذين جاءوا اليها بماشيتهم التي كانت مصدر الغذاء الوحيد لهم..
الاهالي هنا والكلام للباكستاني احسان ابتنوا مسجدا صغيرا من الواح الزينكو التي طفت على الماء والواح الخشب التي جرتها المياه الى الحافة حيث تجمع الماء على شكل بحيرة..
احسان قال ان اتصالاتنا المستمرة مع المدينة المجاورة مكنتنا من ان نحدد مكاننا لقدوم الطبيب لأن اطفالا عديدون اصيبوا بأمراض الجهاز الهضمي ولم يجد ادوية ..
وقال ان امام المسجد جاء بصندوق كرتونة من المساعدات الفلسطينية الى المسجد، ويبدو انها تحمل ادوية ووضعها امام المصلين، وخطب وبكى وذكر القدس وفلسطين واسراء النبي ومعراجه، وآلام الفلسطينيين الذين ينتزعون من افواههم ويرسلون لأنهم يحسون الألم والمكابدة..
والحقيقة ان ما قام به الرئيس محمود عباس من توجيه لإرسال المساعدات الفلسطينية على تواضعها الى الباكستان هي خطوة معلم، يدرك مدى اهمية المشاركة الفلسطينية لشعوب العالم ودوله من منظور انساني يجعل ولادة الدولة الفلسطينية اقرب زمنا..
نعم هذه الشعوب التي تشاركنا انسانيتنا بحاجة الى مساعدة امام الكوارث، وعلى الدول العربية والاسلامية ان تمد يد المساعدة والتطوع الى الباكستان، وان تجري تمرينا عمليا على التطوع والمساعدة قد يعيد زرع وانبات التضحية في نفوس الأجيال..
لا أريد ان اطيل ولكنني قبل اربع سنوات كنت في زيارة لاثيوبيا للحبشة، وقد دبت مجاعة قاسية على حدودها الشرقية التي تتبع لدول الأخرى، فذهبت مع التلفزيون حيث كنت اعد كتابا عن اثيوبيا بالعربية انجزته ونشرته بدعم من الحكومة الاثيوبية التي كانت وقتها تستقبل الصديق طالب الرفاعي وزير الاعلام الاسبق والذي اصبح الامين العام لمنظمة السياحة العالمية.. دخلنا الى معسكر للاجئين الصوماليين الهاربين من الحرب وجرائمها ومن الجوع والتصحر، مئات النساء اللواتي لا يملكن ما يواسين اطفالهن سوى اطراف الاردية الملبوسة لتخفيف الحر وطرد الذباب عن وجوه الاطفال المتضورين جوعا.. كانت امراة شابة تضع اصبعها في فم طفلها لتسكته عن الجوع، وكان يبكي.. وقد شدني المنظر القاسي ففتحت حقيبة الظهر واخرجت سندويشات كنت احملها من الفندق الذي اتيت منه بالطائرة ثم بالسيارة، لأنني لا استطيع ان اكل انواعا من الطعام الاثيوبي التي تتوفر في القرى الاساسية والمدن فقط، ولما اعطيت الطفل شطيرة بكت امه وقبلت الشطيرة قبل ان تديرها للطفل وثمنت بكلمات عربية لم افهمها ..
كان في الخيمة المجاورة مجموعة من الاجنبيات الممرضات المتطوعات، عرفت من الاعلام المعلقة على صدورهن انهن من السويد، وكان هناك متطوعين يتكلمون الفرنسية أيضا.. للأسف لم أجد عربيا واحدا قادما من بلادنا او البلاد العربية للتطوع او المساعدة، فانتابني حزن وطرحت السؤال.. لماذا تأتي هذه النساء المترفات هنا للتطوع في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد والخطر والامراض والطبيعة؟ ما الدوافع هل هي انسانية ام ماذا؟ ولماذا لا يكون متطوعون عرب ومسلمون؟ لماذا تختفي الدوافع؟ هل المساعدة الانسانية تدريب وتعليم ام وراثة ام ثقافة ام ماذا؟.
اترك الاسئلة للباحثين والقادرين على الاجابة واعود الى الدرس الباكستاني الذي يوفر فرصة للتدريب، فالعالم يحترق من ارضه وسمائه وما تفعله الولايات المتحدة وهي تهرب بالقطبية الواحدة وتحارب كل من يريد ان يتقاسم معها النفوذ، وهكذا نرى في زيارة رئيسة مجلس النواب الامريكي الى ارمينيا وهي تشبه زيارتها الى تايوان وايضا اشعال جبهة قيرغستان وطاجكستان.. والسؤال ماذا يريد الامريكان غير حماية اسرائيل التي لفظتها حتى تشيلي ويركض وراءها عرب؟.