عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
أحيا الدكتور محمد البرغثي اربعين شخصية او زادها حيوية بالكتابة عنها في كتابه المعنون “شخصيات” هو كتب عن كل شخصية منها وهي متعددة في المكان والزمان لا يجمعها جامع سوى انه جالسها او تعرف عليها، وايضا شهرتها فهو لم يكتب عن مغمورين وانما عن شخصيات اصابتها الشهرة بدرجات متفاوتة وفي حقول متعددة..
شخصيات البرغثي بعضها ما زال حيّا يرزق يواصل حياته ونشاطه ويعكس ما كتب عنه، وبعضها رحل ليترك للناس ما يتحدثون عنه ويكون كتاب البرغثي شاهدا..
البرغثي كتب عن كل واحد منهم ولكنه هو شخصيا حين اشهر كتابه تحت رعاية سمو الاميرة بسمة بنت طلال حظي بست شخصيات قالت عنه ما يمكن ان يشكل كتابة يمكن ان يضمها الى كتابه ، وان في الجزء الثاني الذي وعد باصداره..
الشخصيات المتحدثة عن الكتاب في فندق “فيرمونت عمان” على مدار ساعتين جرى تقديمها من الاعلامي المبدع مهند المبيضين وكانت شخصيات مرموقة تناولت حياة المؤلف البرغثي من حيث كان يحتسب اولا يحتسب، ولعل اكثر الكلمات دفئا وانسانية في اعتقادي كانت كلمة الاميرة بسمة التي وصفته بالصديق، في حين انبرى المتحدثون الاخرون ليتحدثوا عن حياته باحتراف ومنهم ما قاله نادر الذهبي رئيس الوزراء السابق الذي جاء البرغثي الى السفارة في عهده، وقد احتفظا بعلاقات مميزة جرى صياغتها في الديوان الملكي كما قال البرغثي، فكانت كلمه نادر عن كتاب البرغثي عميقة وداعية ومصيبة، فقد تابع الذهبي صداقته مع البرغثي وكان جاره وجارنا ايضا ، وكان لهذه الجيرة ما اكسبها التواصل المستمر..
ومن الحديث ايضا ما قاله الدكتور عبد الرؤوف الروابدة وكذلك ما قاله الدكتور عادل الطويسي والدكتور امين محمود الذي كشف عن اطماع صهيونية مبكرة في ليبيا وتحديدا في منطقة الجبل الاخضر .. وكانت كلمة الدكتور احمد عتيقه ابن الشخصية العلمية البارزة علي عتيقه الذي عرفته عن قرب واحببت فيه دماثتة وخلقه وحبه للاردن، فقد جاءت لتنقد الحالة الليبية في زمن العقيد القذافي بشكل واضح رغم ان المؤلف كان محسوبا على العقيد وأحد الذين روجوا لفكره.. وان كان لا يلتقي معه في كثير من المواقف..
الكتابة عن الشخصيات مسألة شائكة تحمل كاتبها فوق ما يعتقد، فقد ترده مورد المجاملة او النفاق او الغمط او المبالغة، ولكن البرغثي في اعتقادي كان يهرب الى السرد السلس، ولم يكن يحلل الشخصية او يدخلها في مختبر المحاكمة او التقديم وانما كان يقدمها كما رآها باحترام ذاكرا فضائلها ودورها في السياق العام، وقد نجح ذلك فكان كالجراح البارع الذي ينهي العملية بنجاح دون ان يصيب مقتلا او يحدث عطبا..
البرغثي صديق قديم أعرفه حين كنت في ليبيا مطلع السبعينيات بعد تخرجي من الجامعة، وقد عملت في مدينة بنغازي في التعليم والاعلام ، كان طالبا نشيطا في الجامعة وكان يسعى لتثقيف نفسه وكان مجموعة من الطلاب واعية راهن عليهم العقيد القذافي ليخرجوا افكارا الى رحابه الواقع في وقت كان هناك طلبة بعضهم يساريون جرى معاقبتهم في الزحف وفي احداث 7 ابريل التي برز فيها الدكتور مصطفى الزايدي الذي اصبح وزيرا للصحة فيما بعد، في حين جرى سجن مجموعة اخرى يسارية كمصطفى الهاشمي وبوشناق وغيرهم، ولكن البرغثي رأى في الثورة وتداعياتها حاضنة يمكن الاستفادة منها وتوجيهها والابتعاد عن العنف او ردود الفعل، وهي مهمة صعبة لكنه صمد فيها وواصل دراسته وتفوقه وحصل على دكتوراه في الاجتماع من جامعه لندن على ما اعتقد..
كان البرغثي ريفيا اكثر منه مدنيا فقد عاش في منطقة شرق بنغازي على اطراف الجبل الاخضر في الحد من الصحراء في منطقة تسمى “سلوق” حيث ميدان القائد الشهيد عمر المختار الذي تأثر به البرغثي.. وقد زرته في بلدته ومجموعة من الاصدقاء ورحب بنا واكلنا عندهم العصبان والمكبكبة واشكال اخرى متنوعة من الطعام عكست كرم اهل المكان واصالتهم ..
وبقينا على صلة ذات طبيعة ثقافية وكان البرغثي يحظى منا نسخ من مجلة الحرية التي كانت تأتي من بيروت ، وهي مجلة يسارية وبعض الكتب والحوارات وظل في مواقفه يسند القضية الفلسطينية ويبشر بها ويعمل على المزيد من التوعية بجوانبها، وتعرف في مسيرة ذلك على العديد من الشخصيات وكانت له ملاحظات مخالفة لطريقه العقيد القذافي في التعامل مع القيادات الفلسطينية ومهاجمتها والانصراف للتعامل مع القيادات التي كانت تعارض منظمة التحرير الفلسطينية، فكان العقيد في سياسته المرتجلة يميل للتعامل مع احمد جبريل من القيادة العامة ومع الدكتور جورج حبش واخرين من القيادات اللبنانية بمزاج متقلب وقعت في خضمه مشكلة الامام الصدر..
كان الاعلام الليبي يهاجم فتح وعرفات ولم يكن البرغثي مع ذلك، ولذا نراه يتناول شخصية الرئيس محمود عباس في كتابه بمحبة وتقدير عال رغم المعاملة الجافة التي جرى التعامل فيها مع الرئيس عباس حين وصوله الى القمة العربية في مدينة سرت الليبية والمزايدة عليه..
وكان البرغثي رغم موالاته يمرر أفكاره بصعوبة ، فقد كان يريد من الثورة أنبل ما فيها والابتعاد عما يشينها من تطبيقات وكان قريبا من القذافي وناصحا له وجريئا في الحديث معه ولم يسلم من الاستعداء عليه من أطراف أحاطت بالعقيد..
وحين وقع التغيير في ليبيا كان البرغثي سفيرا لليبيا في الأردن ، وفي زمنه تعززت اللقاءات والزيارات وقد قام رئيس مجلس النواب الأردني أنذاك عبد الهادي المجالي على رأس وفد نيابي وشخصيات عامة منها الدكتور عبدالله النسور بزيارة إلى مدينة سرت لملاقاة العقيد في خيمته، وكنت في معية ذلك الوفد حيث هبطت بنا الطائرة الأردنية في مطار عسكري بصعوبة، إذ أن المطار لم يكن معدا لذلك كما جرى استضافتنا في فندق عسكري “معسكر” وقد قابلنا العقيد وتعشينا لحم جمل جرى ذبحه في استقبالنا، وقمنا بجولة في اليوم التالي زرنا فيها النهر العظيم ومواقع أخرى..
ظل البرغثي سفيرا الى ان قام في ليبيا من اخذ بسلوك النبذ والفصل والتهميش، فخرج ثم عاد ثم خرج وهكذا بقي البرغثي يمسك بليبيا اكثر من امساكه بالمواقع، وظل يحتفظ بخيوط وطنية مع جميع القوى وينصحها، وكان يمارس العمل الاكاديمي والكتابة فانجز كتابين في مجال الاجتماع وعن الوحدة العربية كنت كتبت عنهما..
في الاردن اقام البرغثي علاقات ممتازة مع كل الاطراف ومع القصر ورؤساء وزارات وشخصيات، والتقى جلالة الملك اكثر من مرة وقدم ليبيا خير تقديم، وما زال يطمئن كل من يقلق على ليبيا انها قادمة بعافية .. اليس في التاريخ من قال: من ليبيا يأتي الجديد..