عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
ما انجزه الدكتور رمزي خوري في الفترة الأخيرة ومن خلال رئاسة اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين كان كبيراً ومهماً ومؤثراً، فقد عمل معه فريق مميز من الشخصيات العامة التي ساندت دوره بأفكارها وجهدها لتضع اطارا جديدا فاعلا في التعامل مع الكنائس على اختلاف طوائفها في فلسطين..
وظف الدكتور خوري خبراته العميقة والمتصلة في العمل الفلسطيني في خدمة النهج الجديد الذي اراد للكنائس ان تتبناه وان تكون مشاركتها الوطنية واضحة ..
يسجل للدكتور رمزي تبصير الكنائس في فلسطين من خلال قياداتها الروحية الدينية على كل المستويات من بطاركة واساقفة ومطارنة وغيرهم بالدور الوطني، ولا اريد ان اقول السياسي فالسياسة عند خوري هي عمل وطني في الدرجة الاولى فان لم يكن ابتعد عنها رغم انه في موقع متقدم منها، حيث يشغل عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ويتولى رئاسة الصندوق القومي الفلسطيني..
اراد خوري وانفاذا لرغبة القيادة واجتماعاتها ان يكون دور الكنائس ملموسا سيما وأن اتباع الكنائس في فلسطين (مسيحيو فلسطين) يعيشون تحت الاحتلال ويواجهون ما يواجه ابناء شعبهم الاخرون من ظلم واضطهاد وتضييق..
كنت اتتبع الدور الذي تقوم به اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، والتي اعطاها الرئيس ابو مازن صلاحيات واسعة ومنحها الثقة في مبادراتها وما تقوم به بعد الاضافات النوعية التي اصابت مسيرتها ..
لقد ادركت بعد بحث اعمل عليه يتعلق بالكنائس ودورها ورسالتها في فلسطين وخاصة في القدس تحديدا، اذ اردت ان يكون لي كتاب عن القدس العربية المسيحية بعد ان انجزت كتابي عن القدس الإسلامية، والذي استحق جائزة احسن كتاب في سنة نشره على المستوى الاردني من خلال جامعة فيلادلفيا التي رشحته، وكذلك ترشيحه على مستوى منظمة المؤتمر الاسلامي بعد تزكية من الدكتور عدنان بدران رئيس الوزراء السابق، في دراستي اكتشفت ان الكنائس التي يضمها القدس الشريف داخل السور حيث تختلط الكنائس مع المساجد والاديرة و المدارس في لوحة جميلة ان المساحات الاوسع في الـ كم المربع داخل السور يحوي عشرات الكنائس فاذا اضيف لها الكنائس القائمة خارج السور على امتداد القدس الشرقية فإنها تزيد عن تسعين كنيسة ودير ومكان مسيحي مقدس..
لقد ظل المسيحيون الفلسطينيون والذين منهم نواة المسيحية الاولى منذ جاء المسيح الى اليوم ظلوا ملح ارض فلسطين وعلامة فارقة في تكوينها السياسي والثقافي والحضاري، وظلت مشاركتهم واضحة وجلية على اختلاف كنائسهم ومذاهبهم ، وظلوا حريصين على دورهم الوطني وعلى الوحدة الوطنية ومقاومة كل الاشكال الاستعمار التي اصابت فلسطين عبر تاريخها وخاصة الاستعمار البريطاني وانتدابها والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والقدس..
حاولت في رصد دور مسيحيي فلسطين في القدس العربية (المسيحية) ان ارصد دور الكنائس وان اقرأ رسالتها وان اتعرف على حجم معاناة قادتها الدينيين ورعاياها، وتوقفت عند اشكال مقاومتها وشراكتها المخلصة لكل الشعب الفلسطينيين في كفاحهم..
ولفت انتباهي دور اللجنة الرئاسية العليا التي اطرت الى حد بعيد هذا الدور وكشفت عنه ودعمته وجعلته اكثر وضوحا ووطنية، وقرأت المذكرات والمواقف والاحتجاجات والرسائل والندوات التي قامت بها هذه اللجنة دفاعا عن ما واجهته كنيسة القيامة من حصار واغلاقات وما رغبت فيه من ترميم وعناية بالقبر المقدس، وكذلك ما واجهته كنيسة الروح القدس من اعتداءات من جانب المستوطنين ، واحصيت مائة اعتداء سافر على الكنائس في فلسطين منذ النكبة عام 1948، وهي اعتداءات اصابت المسيحيين مباشرة واماكن تعبدهم ولم تسلم حتى كنائس غزة من العدوان والقصف..
لقد بذلت اللجنة جهوداً كبيرة في الحفاظ على الارث الكنسي المسيحي وتثبيت حضوره باعتباره ارثا انسانياً، وقد جاء ذلك في رسائل الدكتور رمزي خوري، وقد شمل الاهتمام من جانب رئاسة اللجنة الاحتجاج على التعديات الاسرائيلية على المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، كما حدث في الاونة الأخيرة.
كما زارت وفود من الرئاسة العليا ولجان منبثقة الفاتيكان وحواضر اخرى كنسية لايصال رسالة الكنائس في فلسطين ورسالة المسيحيين الفلسطينيين، وكانت اللجنة قد حذرت ايضا من مخططات تهويدية خطيرة في القدس الشرقية، ومن اختراقات صهيونية لقيادات مسيحية او بيوع اراضي او اوقاف كنسية ، وكشف ذلك والتصدي له..
ولعل لقاءات الرئيس محمود عباس المستمرة مع قادة الكنائس وحرصة على المشاركة في احياء اعياد الميلاد في بيت لحم الدليل على ما تقوم به القيادة الفلسطينية من دور مشرف في هذا المجال..