أغلب الإعلام الغربي ظالم لفلسطين د. أحمد القديدي

عندما كنا طلابا في باريس في مطلع السبعينيات أتذكر أننا كشباب عربي كان هاجسنا المشترك الرد على عديد الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية والإذاعات بنفس حماس اليوم ونحن في عام 2022 لأن المعضلات ظلت كما كانت بل تفاقمت وكنا كما نحن اليوم نتحرك لإنارة الرأي العام الفرنسي بما نملك من حجج تاريخية وحقوقية لتأكيد حقيقة غابت وما تزال عن عقول الناس العاديين بعد أن غسلها إعلام في أغلبه غير أمين ومنحاز للقمع الإسرائيلي بلا حياء وهو ما كنا وما نزال نسميه بالمعيارين أو بالمكيالين في اللغة والتدليس والكذب.

وللحقيقة فإن سلوكيات اليأس لدى بعض فصائل المقاومة الفلسطينية والتي دفعت أفرادها إلى ردود فعل غير عقلانية ألبت على العرب أغلب الرأي العام الفرنسي والغربي عموما وكان التحول في مواقف الإعلام هناك بدأ من حادثة الألعاب الأولمبية بمدينة ميونخ بألمانيا سنة 1972 وهجوم مسلحين فلسطينيين على رياضيين إسرائيليين ثم جاءت عملية اختطاف طائرة فيها مسافرون إسرائيليون من قبل كوماندوس فلسطيني لا ينتمي إلى أي فصيل مقاوم وأنزلوا الطائرة في مطار (عنتيبي) في أوغندا ثم عملية إسرائيلية نزلت بكوماندوس إسرائيلي وقتلت أفراد الكتيبة الفلسطينية وخلصت الركاب إلى درجة أن هوليود أنتجت شريطا سينمائيا يصور هذه الحادثة مما زاد من إحراجنا نحن الشباب الطلابي العربي من جميع البلدان العربية. لكننا كنا نتوقع بعد جنوح القيادة الفلسطينية للسلام وانخراطها في مفاوضات أوسلو ثم مدريد ثم زيارة السادات إلى كامب ديفيد وبعدها إلى الكنيست سوف تشفع للقضية الفلسطينية فتغير من نظرة الإعلام الغربي إلى جوهر الملف كقضية آخر استعمار استيطاني في العالم، ورأينا كيف نقلت قنوات الغرب العدوان الأخير على غزة وقتل الأبرياء والأطفال في مايو 2022 بنفس المغالطات ونفس تدليس الحقائق بالأباطيل. في هذا الصدد نشر موقع “موندويس” الأمريكي مقال رأي للكاتب الفرنسي (إيفان إيكيلاند) تحدث فيه عن المعايير المزدوجة في خطابات قادة الغرب عندما يتعلق الأمر بفلسطين. وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته “عربي21” مشكورة: “إن إسرائيل شنت هجوما جويا وصفته وكالة الأنباء الفرنسية “كإجراء وقائي” على غزة أسفر عن مقتل 46 شخصا بينهم 16 طفلا! لكن كيف يمكن اعتباره “وقائيا” طالما لم تحدث أي هجمات في إسرائيل ولم يتم إطلاق أي صواريخ على أراضيها لأسابيع. وذكر الكاتب أن البيان الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية تغاضى عن القصف الجوي على المدنيين بينما أدان “إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية” كرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وذكر بـ “التزام فرنسا غير المشروط بأمن إسرائيل”. وأضاف الكاتب أن غزة عبارة عن سجن في الهواء الطلق حيث يطلق القناصة الإسرائيليون دون سابق إنذار النار على أي فلسطيني يقترب من السياج، وتحلق الطائرات الإسرائيلية بدون طيار فوق غزة في جميع الأوقات. فكيف يكون أمنها مهددا إذا كان الجيش الإسرائيلي دخل القطاع خمس مرات ونشر الموت والدمار.

وأشار الكاتب إلى أن الفلسطينيين يوصفون بأنهم “إرهابيون” من كبيرهم إلى صغيرهم، لا لشيء سوى لأنه يجب على المرء ألا يثق بهم ومن الأفضل إبقاؤهم تحت الحصار.
في المقابل توصف إسرائيل بأنها دولة “ديمقراطية”، وهذا يعني أنه لا يمكن اتهامها بالفصل العنصري حتى لو كان دستورها ينص على أحقية اليهود فقط بتقرير المصير، وكل من يجد هذا الأمر مزعجا، مثل النواب الفرنسيين الذين اقترحوا إدانة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل، يعتبر “معاديًا للسامية” بل ويهددون بقانون (غايسو) الفرنسي والجاري به العمل وهو الذي يحكم بالسجن على كل من يشكك في المحرقة وفي أحقية إسرائيل بأرض فلسطين وبه حوكم صديقي رحمه الله المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي ويواصل موقع (موندويس) قائلا: “قد تمتلك إسرائيل أسلحة نووية وبرامج تجسس إلى جانب التمتع بدعم غير مشروط من قِبل الإمبراطورية الوحيدة في العالم، ولكنها مع ذلك “مهددة”. وإذا قصفت قواتها الجوية سكانًا لا يملكون سوى الحجر والبنادق للدفاع عن أنفسهم، فهذا يعني أنها بالضرورة تدافع عن بقائها.

ويبدو أنه إذا أرسلت الحكومة الإسرائيلية طائراتها لقصف غزة فذلك جزء من استعداداتها للانتخابات المقبلة، حيث يريد كل حزب إثبات مدى تعنته مع الفلسطينيين. فهل يموت الأطفال في غزة حتى يصوت الإسرائيليون للحزب الصحيح أعني الأشد عنصرية؟ وأغرب عنوان في أكبر اليوميات الباريسية كان (قصف غزة تمهيد للانتخابات الإسرائيلية القادمة)! إن فقدان المصطلحات للمعنى الحقيقي أو تزييف معاني كلمات مثل الإرهاب والمقاومة والاستعمار والوطن – هو حرب نفسية وفي حالة فقد العبارات معانيها فكل ما يبقى هي القوة. وإعادة المعاني للكلمات هي التي تستعيد العدالة والسلام.

وهذا هو سبب أهمية الدفاع عن فلسطين: ذلك أن القضية لا تتعلق فقط بمصير الملايين من سكان تلك الأرض من مسلمين ويهود ومسيحيين، وإنما أيضا بإعطاء الكلمات المهمة معنى – مثل الإرهاب والديمقراطية والاستعمار ومعاداة السامية – التي تُستخدم في سياقات أخرى تنحرف بالحقائق الى الأكاذيب ويرى الكاتب أن الأولوية في الوقت الحالي تتمثل في وقف حصار غزة والوقوف بوجه عمليات بناء المستوطنات المستمرة في فلسطين. وما قُدم لأوكرانيا من معونات غربية يؤكد أن أوروبا يمكنها أن تتحرك ضد العدوان الروسي الذي انطلق منذ ستة أشهر لكن الغرب لا يستطيع التصدي للاستعمار الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاما. والشكر لصحيفة عربي 21 التي قدمت هذا المقال المنصف لقضية العرب الأولى: فلسطين.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري