لجولة بايدن التي أتت نتيجة للحرب الدائرة في اوكرانيا وما سينتج عنها من نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وبالتالي تقاسما جديدا لمناطق النفوذ على الساحة العالمية اهدافا رئيسية تمثلت في :
أولا : ضمان إستمرار الهيمنة والنفوذ الأمريكي لأهم منطقة في الشرق الأوسط تتميز بموقعها الإستراتيجي وثرواتها الطبيعية وفق المعادلة المعمول بها منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية .
ثانيا : إدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي بإستراتيجيته التوسعية العدوانية العنصرية في الوطن العربي دون إنهاء إستعماره الإحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة وللجولان .
ثالثا : تشكيل حلف أو محور أو غيرها من المصطلحات بمشاركة ” إسرائيل ” كعضو رئيس تحت عنوان التصدي لإيران .
رابعا : الطاقة وممارسة الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لرفع مستويات إنتاجها بما يكفل إنخفاض أسعارها خدمة لمصالح الحزب الديمقراطي الإنتخابية التي تراجعت شعبيته نتيجة لإرتفاع اسعار النفط وكلفة الحياة على المواطن الامريكي .
بعد إستعراض الأهداف الرئيسية لجولة الرئيس بايدن لمحطاته الثلاث من المهم أن نرصد نتائج جولته نجاحا وفشلا :
● المحطة الأولى :
جسدت ورسخت المحطة الأولى في جولته الإنحياز الاعمى والدعم المطلق للكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري وما البيان المشترك الامريكي الإسرائيلي المسمى إعلان القدس بعنوانه ومضمونه إلا عنوان ورمز ودلالة على تحدي والإنتهاك الصارخ لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي وللعهود والإتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية و لمنظومة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل يمكن إعتباره بمثابة إعلان حرب على الشرعة الدولية .
كما أن ما تضمنه البيان المشترك من إلتزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن ” إسرائيل ” وضمان تفوقها العسكري النوعي إلا رسالة موجهة إلى دول عربية مستهدفة بالزيارة بأن القيادة الفعلية للمنطقة وفق الإستراتيجية الأمريكية هي إسرائيلية .
كما خلا البيان المشترك من موافقة القيادة الإستعمارية الإسرائيلية على حل الدولتين اي إقامة الدولة الفلسطينية الذي يدعو له الرئيس بايدن كما تنص عليه القرارات الدولية ذات الصلة والإكتفاء بنص ” الرئيس بايدن يعيد التأكيد على دعمه الطويل الأمد والمتواصل لحل الدولتين ” وهذا يعني دعما عمليا للسياسة الإستعمارية الإسرائيلية بتابيد إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967 وما قبله خلافا لقرار التقسيم رقم 181 الذي بموجبه ووفقا له تم قبول ” إسرائيل ” عضوا في الأمم المتحدة والذي يعني تلقائيا الإعتراف بالدولة العربية الفلسطينية وقبولها عضوا كامل العضوية بالأمم المتحدة عملا وتنفيذا للشطر الثاني من ذات القرار .
المحطة الثانية :
فلسطين كانت المحطة الثانية من جولة الرئيس بايدن التي أرادها أن تكون شكلية ودون مضامين أو أهداف سياسية ولكن حكمة وصلابة موقف الرئيس محمود عباس واركان القيادة الفلسطينية حال دون ذلك فحاولت عندئذ الإدارة الأمريكية بممارسة ضغوط لتضمين البيان المشترك الفلسطيني الأمريكي بندا على إعتبار أن توسيع علاقات التطبيع العربية مع ” إسرائيل ” تساهم بحل القضية الفلسطينية الذي رفضته بقوة وشجاعة القيادة الفلسطينية إلى جانب عدد من النقاط التي لا تستجيب وتتوافق مع المبادئ الرئيسية للإستراتيجية الفلسطينية التي عرضها الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الاخيرة بايلول الماضي وما قبلها .
كما كان للموقف الصلب للدبلوماسية الفلسطينية بضرورة أن يبين الرئيس الأمريكي أن الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران لعام 1967 وهذا ما كان في كلمة الرئيس بايدن في المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين الفلسطيني والأمريكي .
كما أن لرفع العلم الفلسطيني على سيارة الرئيس بايدن دلالة سياسية ورمزية هامة لما تمثله من إضفاء بعد سياسي مفاده إعتراف أمريكي بالدولة الفلسطينية وأن اللقاء الفلسطيني الأمريكي هو لقاء قمة لرئيسي دولتين تقع إحداهما تحت نير إستعمار إسرائيلي يتطلب من الرئيس الأمريكي الإضطلاع بواجباته جنبا إلى جنب مع باقي الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن العمل على إنهاءه وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير بالحرية وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
المحطة الثالثة :
بتقديري أن المحطة الثالثة في المملكة العربية السعودية كانت الأهم في الجولة الأمريكية للرئيس بايدن في شطريها الثنائي بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية التي ترأس وفدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي لم يدر في خلد فريق بايدن قبل الزيارة سوى لهفة الأمير محمد بن سلمان للقاء بايدن والإستجابة لمطالبه التي تخدم فقط المصالح الأمريكية والإسرائيلية ففوجئ الوفد الأمريكي ورئيسه بايدن بقائد شاب ذو شخصية قيادية بنظرة ثاقبة ورؤية متقدمة للتعامل مع الإدارة الأمريكية كغيرها من الدول من منطلق الندية والمصالح المشتركةالسعودية والعربية على حد سواء .
اما على صعيد القمة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق التي غاب عن جدول أعمالها المعد امريكيا القضية الفلسطينية فقد ارسلت رسالة واضحة للرئيس بايدن وإدارته :
— بأن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني الأساس بالحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة على حدود 4 حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس موقف مبدئي إستراتيجي لا تنازل عنه وهذا ما أكدت عليه كلمات ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية المشاركة .
– – أن محاولة إستدراج الدول الخليجية والدول المشاركة عبر تشكيل حلف أو محور أو مجلس دفاعي بمشاركة أو بقيادة إسرائيلية لخوض حرب مدمرة مع إيران خدمة لكيان إستعماري مرفوض مع التأكيد على إتباع الوسائل الدبلوماسية والسلمية لإرساء السلم والإستقرار الإقليمي عبر دعوة إيران لعدم التدخل المباشر وغير المباشر عبر وكلاء للتدخل بشؤون الدول العربية وتهديد أمنها وإستقرارها وخاصة تلك التي تهدد امن وإستقرار المملكة العربية السعودية .
إذن منيت زيارة الرئيس الأمريكي بالفشل الذريع لتحقيق أهداف الزيارة بإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي بالمنطقة دون إنهاء إحتلاله الإستعماري لفلسطين والجولان وتشكيل حلف عربي إسرائيلي وإقصاء القضية الفلسطينية وإنكار حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير .
لقد كان لجلالة الملك عبدالله الثاني الدور الأبرز عبر الإتصالات قبيل القمة وما البيان السعودي الأردني المشترك الذي صدر عن إجتماع قمة عمان الذي جمع الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير محمد بن سلمان بالتأكيد على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس إلا دلالة على مكانة القضية الفلسطينية المركزية في العقل العربي الرسمي والشعبي .
تجلى قول الملك عبدالله الثاني للرئيس محمود عباس أن القضية الفلسطينية هي الأهم بالنسبة للأردن وقول الرئيس ابو مازن لجلالة الملك حيثما حضر الأردن تكون القضية الفلسطينية حاضرة إلى واقع سياسي فرضته المصالح القومية عبر توافق وتنسيق عربي مشترك في قمة جدة التي قادها سمو الأمير محمد بن سلمان بقدرة عالية بمشاركة أمريكية وليس بقيادتها…. ؟