عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
يرحل ايليا نقل بميراث خصب وغني من الانجاز.. يرحل العصامي الذي بدأ حياته البسيطة ببيع المفرق حيث كان يبيع المواد الغذائية في سوق السكر بعمان، ليرتقي بعد ذلك إلى عشرات الشركات الصناعية والخدمية والتجارية ، ويبني جسما اقتصاديا مميزاً أصبح محط دراسة لمن يتابعون الاقتصاد الأردني ويلاحظون تطوره..
ايليا اللاجىء من الرملة كانت طريقه مليئة بالاشواك وهو يحط في أكثر من محطة باتجاه المنفى والشتات.. فقد اقتلع الاحتلال منذ النكبة الاف الأسر الفلسطينية من كافة المدن والقرى والبوادي ، وكان ايليا نقل واحداً مما أصابتهم النكبة وخرجوا مجبرين من ديارهم لتكون محطته في لبنان ثم يستقر في به المقام في عمان..
في بلده كان متفوقا في الدراسه وقد كان في صفوف الأوائل ، ولكنه لم يحظ بدراسة كمنحة لعدم توفر الواسطة التي توفرت لغيره فجرى تجاوز حقه كان من المفترض أن يدرس في الجامعة الامريكية في بيرت ولكن ضيق الحال وعدم توفر الامكانيات في العائلة جعلته يرتد إلى عمان ليقيم “بسطته ” المتواضعة في سوق السكر، “سوق السكر” يقال أخذ أسمه من مؤسس إحدى الشخصيات السلطية من بيت السكر، حيث حمل السوق الاسم..
تجربة ايليا نقل تستوقف كل الذين يبحثون في سيرة العصاميين جمع عصامي، وأولئك الذين قدموا سيرة ناجحة .. فـ أيليا وجدته يشبه عبد الحميد شومان ويشبه سعيد خوري في سيرتهما الناجحة.. فقد عاش نفس الحالة من المعاناة وعذاب الطريق للوصول الى النجاح..
ابو غسان قيل لو أنه لو كان يمسك التراب لأصبح ذهبا ، أفنى عمره في العمل ولم يكن يخلد للراحة أبداً، بل كان يسابق النجاح ليسجل اسمه في قوائمه..
كان صاحب ايدي بيضاء أورثها لأبنه الأكبر غسان الذي زاد في البناء مداميك عالية ، فقد ابتنت العائلة مؤسسة للمساعدة وخاصة الطلبة والأسر المعوزة ، ولدى غسان قوائم تزيد عن (350) ممن يتلقون المساعدات وربما ضعف ذلك في منظمات مدنية ومؤسسات خيرية انتظمت في أطر مؤسسية ورسمية لتصرف اعمالها بصورة فاعلة..
الذين عرفوا ايليا نقل عرفوا نزاهته وصدق تعامله واخلاصه والتزامه ، وعرفوا عشقه لوطنه الأردن الذي أخلص له وآمن بخدمته، وكان يقول دائما هذا البلد أعطانا الكثير وعلينا أن نعطيه كل ما نستطيع ، ولذا ربى ايليا نقل أولاده (ابنيه غسان ومروان)وبناته لينا ورندا الاثنتين على محبة الاردن والاخلاص لقيادنه والالتزام الوطني الواضح..
لم ينس ايليا نقل أن يتحدث عن نفسه وعن مسيرته التي لم تكن سهلة بل كانت صعبة، ولكن النجاح معها جعله يعتز بها..
حظيت بمجالسته مرتين كان ذلك قبل أن يحجبه المرض طويلا، وقد حاولت أن أسجل له سيرة حياته ولكنه استمهلني، فقد قال لي ما زال الوقت مبكرا ، لكنه في الجلسة الثانية العابرة في مكتبه تحدث لي عن محطات مميزة في حياته، ولم يكن هناك نصيب أن أكتب مذكراته التي لم يخصص لها وقت، فقد استنزفه العمل الذي وصفه بأنه كالهواء الذي يتنفسه، فلم يكن يترك فرصة للنجاح إلا وجربها وحين كان الاخرون يهربون من مشروع يتعثر كان هو يلتصق بالتجرية ويمسك بالفرصة ولا يدير الظهر حتى يخرج منتصرا..
كان ايليا مثلا أعلى لـ”غسان” وقد حفظ غسان لوالده كل اسباب المنعة والكرامة وصون الشيخوخة وظل وفيّا لمسيرته ووصاياه حتى اخر لحظة..
بنى ايليا أسرة متماسكة وقال ان زوجته لم تشاركه مسيرة العمل، ولكنها قامت باسناده والوقوف إلى جانبه وتمكينه وفتح باب الأمل له ، فكانت نعم الزوجة في رعايتها ووفائها وعلى طريقها سلكت ابنتاه في بناء اسرتيهما..
لا تذهب هذه المقالة إلى حصر مجموع الشركات والمساهمات الكبيرة التي انجزها ايليا ولا إلى اسلوب المأسسة والتنظيم الذي نقل به عسان نقل ابنه الأكبر العمل لينطلق به بشكل أفعل ويعزز الدور الخيري والاجتماعي من خلال مؤسسات تحمل اسماء مثل “نوى” في مظلة مؤسسة ولي العهد التي يشغل غسان رئيس مجلس أمنائها..
ما زال ميراث ايليا نقل ماثلا ومساهما في الاقتصاد الاردني وحتى شركات الخارج في أكثر من بلد عربي وأجنبي تصب هنا ، وقد قال لي غسان (ربما ممازحا) شركاتنا في االخارج تسند شركاتنا هنا وتغطي كثيرا من العجز..
سيبقى ايليا نقل رمزا اقتصاديا ووطنيا في الاجيال، وسيبقى شاهدا على هذه المسيرة الأردنية التي انطلقت من الصفر حين أتاح لها الهاشمون المناخ والفرص المواتية..