عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
لا أريد التنظير فقد شبعنا وارتوينا منه خاصة في موضوع الإصلاح السياسي.. وانتظرنا وتابعت تشكيل و أعمال اللجنة الملكية التي أصلحت المنظومة القانونية السياسية، وقد وصل عدد المنضوين في ورشتها التسعين من كل الألوان والاطياف..
استطيع أن اكتب براحتي حول اللجنة التي لم أتشرف بعضويتها ليتاح لغيري ذلك الشرف، فقد كنت في مثلها قبل ثلاثين سنة في” اللجنة الملكية للميثاق الوطني” التي شرعت للأحزاب وفتحت آفاق الحياة السياسية لأكثر من عقدين..
ما أن أقرت أعمال اللجنة بمصادقة ملكية اكتسبت الضمانات والكفالات لعدم التدخل فيها، حتى بدأت موجة من النقد الذي لم يكن بعضه للمصلحة الوطنية، ولم يراع إلاً ولا ذمة، بل انه تجاوز أحيانا المنطق والحاجة والمصالح الوطنية ومكّن البعض من التطاول والإساءة والعبث..
لقد حظيت الموضوعات التي ناقشتها اللجنة في لجانها الفرعية المتعددة بالوقت اللائق والكافي، واستغرق النقاش أوقاتا مفتوحة.. بعضها آخذ الطابع الرسمي وبعضها كان ثنائيا مع رئيس اللجنة أو رؤساء اللجان الفرعية لمزيد من الاستفسار والشرح والتوضيح والرد على الأسئلة..
لقد مرت الخلاصات في البرلمان صاحب الشرعية في إقرار القوانين.. و حازت على الموافقة لتصدر على شكل قوانين..
الآن وقد دخل “المحاربون” الاستراحة وهم يتابعون خلاصة أعمالهم وسريان هذه الخلاصة في القوانين، و إرادة المشرعين فما العمل؟ وأين تتجه الأمور؟ وهل ستستمر الحملات المغرضة التي حملت ما انجز فوق ما تحتمل؟ وذهب البعض في الاتهامية حد التخوين والادعاء أن ذلك يخدم قوى أجنبية أو يكرس حلولا غير وطنية، ويشرع أبواب الوطن للأجنبي..
عملية أسقاط التهم ليست جديدة فأمام كل ورشة إصلاح يبتدع بعض الفئات الرافضة والمعارضة فنونا من الاتهامية التي تشغل الناس وتدمر ثقتهم..
ولما كان من قاموا على الورشة وفي مقدمتهم الرئيس سمير الرفاعي هم الاعلم والادرى بما أنجز، ومواقع القوة فيه وكيف يمكن الأخذ بها، فإن هذا يدفعنا للمطالبة بأن يكلف الرجل بانفاذ ذلك من خلال سطوة ونفوذ الحكم والصلاحية والمسؤولية والولاية، وإلا فإنه سيظل إحالة النتائج على الاخر لتطبيقيها شكل من أشكال المراهنة التي قد لا تنجح..
لم تنجح المعتزلة في التاريخ الإسلامي إلا حين أعتقد الخليفة المامون الاعتزال، ولم تنجح الماركسية أو حتى أي مدرسة سياسية إلا حين اخذ أصحاب النظرية مكانهم في التطبيق وآالت إليهم السلطة..
وإذا كانت الحكومة الحالية قد مررت خلاصات عمل اللجنة على شكل تشريعات في البرلمان، ونجحت في ذلك فإن العبرة هي في التطبيق وليس خلق الذرائع للهروب منه..
لا تتركوا طبيخ اللجنة مكشوفا ولا جهودها عرضة للتمزيق والمساومة، فقد اكتمل النقاش وصحت العزيمة و توفرت الإرادة واستوت القوانين على سوقها وخاصة في الأحزاب والإنتخاب، والعبرة الآن في التطبيق واستلهام النموذج والأخذ بما تم دون زيادة أو نقصان.
هذه فرصة قد لا تطول، وأعتقد أنها الفرصة الأخيرة التي كفلها الملك وقدم لها الضمانات، ولذا يجب ضرب الحديد وهو ساخن لتشكيلة كما الرؤية الملكية في الأوراق النقاشية، وكما تمخضت عنه النقاشات في البرلمان وعبر القوانين الصادرة الناظمة للحياة الحزبية والنيابية..
ثمة خطوات تدريجية صحيح ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة والعد يبدأ حين تكون البداية، ولكني أرى انه رغم إطلاق الصافرة بإقرار النتائج إلا أن الرحلة لم تبدأ بعد ليلمس الجمهور بداياتها، والذي تحقق حتى اللحظة ليس كافيا وقد لا يكون مطابقا طالما أن هناك نوايا لا تحلب صافي ولا تقف وراء عملية الإصلاح بنفس الحماس والإندفاع والرغبه الملكية..