الزعيم الراحل حيدر علييف ..صانع التاريخ المعاصر لأذربيجان بقلم ؛ الدكتور مختار فاتح بي ديلي

بقلم ؛ الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طبيب – باحث في الشأن التركي وأوراسيا

الزعيم الراحل حيدر علييف ..صانع التاريخ المعاصر لأذربيجان
الزعيم الراحل حيدر علييف رجل بحجم الوطن وعظيم في تاريخ أذربيجان.. قاد الشعب الأذربيجاني على مدى عقود وأصبح بذلك الزعيم التاريخي والشخصية الخالدة في ذاكرة شعبه، منع أذربيجان من التفكك والتشرذم وقاد البلد إلى الوحدة والاستقرار، ومن الفقر والتخلف إلى التقدم والازدهار في كل مناحي الحياة، فأصبح الزعيم التاريخي الخالد ومؤسس نهضة أذربيجان الحديثة – الذي توفي يوم 12 ديسمبر 2003.
قبل ثمانية عشر عاما، ودع الشعب الأذربيجاني بالحزن والآسى قائده ومؤسس جمهورية أذربيجان الحديثة واعترافا من الشعب الأذربيجاني بفضل هذا الزعيم في تأسيس وبناء دولة أذربيجان الحديثة، فان الشعب الأذربيجاني وأصدقاءه من مختلف دول العالم يستذكرون هذا القائد العظيم بالمزيد من الفخر والاعتزاز لانجازاته العظيمة والذي له الفضل الأول والأخير في وضع أذربيجان على خارطة العالم الحديث كدولة قائمة على اساس التعددية السياسية والديمقراطية.
لذلك في كل عام بتاريخ 12 ديسمبر، تحيي جمهورية أذربيجان حكومة وشعبا ذكرى رحيل زعيم الشعب الأذربيجاني الراحل حيدرعلييف، وبهذه المناسبة يتم تنظيم مراسم تذكارية في جميع المدن والمناطق في جمهورية أذربيجان الشقيقة. حيث يقوم ممثلو الهيئات الحكومية والأحزاب السياسية والمنظمات الحكومية والغير الحكومية، بزيارة قبر الرئيس الراحل حيدرعلييف لوضع اكاليل من الزهور ، وتقام ايضا في كافة السفارات الأذربيجانية في جميع أنحاء العالم مع منظمات المجتمع المدني الاذربيجاني في الشتات، مراسم تأبين بهذه المناسبة الحزينة. حيث ان إحياء ذكرى الزعيم الراحل حيدر علييف إنما يؤكد تواصل مشاعر المحبة والانتماء والولاء لهذه الشخصية الوطنية الكبيرة مكانةُ وطنيَّةً ودولية لدى الشعب الاذربيجاني ولدى اصدقاء الشعب والحكومة الاذربيجانية.
حياة الزعيم الراحل تحتاج إلى موسوعة كاملة لكتابتها وتوثيقها، فكل جانب من جوانب حياته وسيرته الحافلة بالعطاء بمثابة إرث وطني ومفخرة للشعب الأذربيجاني الشقيق، لانه صنع التاريخ المعاصر لأذربيجان.
ولد الرئيس الراحل حيدر علي رضا أوغلو علييف في 10 مايو 1923،في ناختشيفان الاذربيجانية العريقة التي أنجبت الأدباء والمفكرين والمعماريين الذين أثروا التاريخ الأذربيجانى بالعلم والمعرفة ومعطيات الحضارة، وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره قدم إلى باكو والتحق بمعهد الصناعة الأذربيجانى ليصبح معماريا لكن الحرب العالمية الثانية أبعدته عن المعهد لفترة زمنية، ثمدرس وفي عام 1957 تخرج من كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية إلى جانب حصوله على شهادة التخصص في مجال عمله في جهاز أمن الدولة الأذربيجانية.في عام 1967 أصبح رئيس لجنة أمن الدولة في مجلس الوزراء لجمهورية أذربيجان، وبعد انتخابه في الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني، في يوليو 1969 كسكرتير أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني، ترأس حيدر علييف الجمهورية.
ومع المأساة التي ارتكبت في 20 يناير 1990 في باكو من قبل القوات السوفييتية، ظهر في اليوم التالي في ممثلية أذربيجان في موسكو، بيان طالب بمعاقبة منظمي ومنفذي الجريمة، المرتكبة ضد الشعب الأذربيجاني الاعزل. والتي تمثلت بدخول الجيش السوفياتي إلى العاصمة باكو وسقوط الاف القتلى من الابرياء الشعب الأذربيجاني على يد الجيش الاحمر السوفياتي وما تلاها من عدوان جمهورية أرمينية على الشعب الأذربيجاني باحتلاله اقليم ناغورني قاره باغ واحتلال 20% من مجمل مساحة الأراضي الأذربيجانية بدعم من الجيش السوفيتي حينها، وما ترتب على ذلك من مآساة اللاجئين والمشردين من ديارهم في منطقة قره باغ الاذربيجانية ومحاولة طمس هوية الشعب الأذربيجاني وخلق الأزمات سياسية والاقتصادية واجتماعية بين ابناء المجتمع الاذربيجاني مع كل ذلك حافظ الشعب الأذربيجاني على هويته القومية والوطنية والتف حول قيادة الرئيس الراحل حيدر علييف والذي يعود له الفضل الكبير في حفاظه على وحدة التراب الوطني وسيادة أذربيجان والدفاع عنه ضد كل المعتدين المتربصين .
ونتيجة لمعارضته لسياسات الرئيس السوفيتي انذاك مخائيل غورباتشوف التعسفية التي اتسمت بالتناقض بين الاقوال والافعال فقد قدم حيدر علييف استقالته من المكتب السياسي للحزب الشيوعي بعد الاحداث الدموية في أذربيجان عام 1990 وكدليل على الاحتجاج على سياسة قيادة الاتحاد السوفييتي، في ما يتعلق بالصراع الخطير في ناغورنو كاراباخ، في يوليو 1991.
فرض على جمهورية أذربيجان حصار اعلامي من قبل السوفييت في حين كان الراحل علييف يحاول العودة إلى أذربيجان ليكون مع شعبه في تلك الظروف الصعبة لكن السلطات السوفياتية لم تسمح له بالعودة إلى الوطن ومع ذلك عاد إلى أذربيجان في يوليو 1990، وعاش الراحل علييف في البداية في باكو، ثم في ناختشيفان، وبين عامي 1991-1993 انتخب رئيسا للمجلس الأعلى لجمهورية ناختشيفان ذات الحكم الذاتي، وفي الوقت نفسه كان نائب رئيس مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية أذربيجان. وفي عام 1992 في المؤتمر التأسيسي لحزب أذربيجان الجديدة في ناختشيفان، انتخب حيدر علييف رئيساً للحزب.
وفي 15 يونيو 1993 تم انتخاب حيدر علييف رئيساً لمجلس السوفييت الأعلى لأذربيجان، وفي 24 يوليو وبناءً على قرار المجلس الوطني لجمهورية أذربيجان، تمكن من تنفيذ صلاحيات رئيس جمهورية أذربيجان، وفي تاريخ 3 أكتوبر عام 1993 نتيجة الاقتراع العام، انتخب حيدر علييف رئيساً لأذربيجان.
تم إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة ليصبح رئيسا لخمس سنوات أخرى.
لقد عمل الرئيس الراحل حيدر علييف طوال فترة حياته على تعزيز سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية أذربيجان الشقيقة وقد كان عهده يمثل فترة التغيرات والتحولات الجذرية على طريق بناء الدولة الحديثة، وبذلك دخلت أذربيجان بقيادة حيدر علييف مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر وأصبحت دولة فاعلة في المجتمع الدولي ولفتت أنظار العالم إلى هذه الدولة الصاعدة في منطقة القوقاز .
تحظى أعمال الزعيم الوطني الراحل حيدر علييف، بتقدير كبير من قبل الشعب الاذربيجاني خلال قيادته لكل من أذربيجان السوفييتية (1969-1982) وأذربيجان المستقلة (1993-2003).
حيث حول جمهورية أذربيجان السوفييتية من بلد زراعي متخلف إلى بلد صناعي متقدم ، خلال فترة رئاسته لجمهورية أذربيجان المستقلة منع الحرب الأهلية في البلد ، ونفذ بنجاح استراتيجية استخراج النفط والغاز وتصديرها الى العالم التي شكلت أساس التنمية المستقبلية لأذربيجان، عبر خط أنابيب النفط باكو – تبيليسي – جيهان، الذي يعمل على تحسين رفاهية الشعب الأذربيجاني وازدهار الدولة باكملها.
خلال فترة رئاسته لاذربيجان بذل الرئيس الراحل حيدر علييف جهودا جبارة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى قضية ناغورنـــي قره باغ الاذربيجانية العادلة ولفت نظر المجتمع الدولي الى عدم تصديق الدعاية والأكاذيب المضلله الارمينية حول قضية النزاع على ناغورني قره باغ.
ومن النجاحات الكبيرة التي تحققت خلال فترة قيادتة للدولة وعلى مختلف المستويات والأصعدة،كان يؤمن دائما بانتماء جمهورية أذربيجان إلى العالم الاسلامي لذلك سعى دائما إلى توطيد العلاقات الأخوية مع الدول الاسلامية الشقيقة، وقد بدأت في عهده تتوسع العلاقات بين أذربيجان ومنظمة التعاون الإسلامي حيث شارك لاول مرة في لقاء قمة المنظمة في المغرب سنة 1994, خلال مؤتمر القمة دعا إلى الوحدة بين الدول الاسلامية لإزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق التطور والتقدم في دول الاسلامية، ودعا الى توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين جمهورية أذربيجان والبلدان العربية والإسلامية.
الزعيم القومي الأذربيجاني الرئيس الراحل حيدر علييف كان يريد أن يرى بلاده كمركز اسلامي دولي متقدم في منطقة القوقاز ليساهم في توعية وتثقيف الشعب الأذربيجاني في الإتجاه الإسلامي الصحيح ويدعو الى تحول البلاد كنموذج عملي للغير ومحاربته للجهل وتمسك الشعب بالأخلاق المنبثقة من تعاليم الإسلام الصحيحة.
واستمرت سياسة الرئيس الراحل علييف بنجاح منذ عام 2003 بعد انتخاب ابنه فخامة الرئيس المظفر إلهام علييف رئيسا للجمهورية متمشيا مع تطلعات الشعب الأذربيجاني وامتدادا لمواصلة مسيرة والده الراحل حيث تعهد في خطاباته اثناء حملته الانتخابية بمواصلة سياسة ابيه الخارجية والداخلية والتمسك بمبادئه التي تمثل آمال وتطلعات الشعب الأذربيجاني، وأصبح لأذربيجان مكانة كبيرة اقتصادية وعسكرية في المنطقة.
نجد أن الزعيم المظفر الرئيس الحالي إلهام علييف، يعتمد على رؤية وإرث والده الراحل حيدر علييف، في تحقيق بلد ينمو بديناميكية، مع معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة وحولها إلى دولة رائدة على الصعيد الإقليمي وشريك يعتمد عليه في العلاقات الدولية، حيث قام الرئيس الهام علييف بتنفيذ وصايا الزعيم القومي الراحل حيدر علييف حول تحرير أراضي أذربيجان التي كانت محتلة من قبل ارمينيا وضمان سلامة ورفاهية الشعب الأذربيجاني على كافة الاصعدة .
وفي عام 2020 بفضل الله، حقّق الشعب الأذربيجاني أكبر انتصار له في ظل قيادته، وتم تحرير منطقة ناغورني قره باغ وعلى رائها مدينة شوشه التاريخية ، الذي احتلته أرمينيا في بداية التسعينات، ستلعب منطقة قره باغ المحررة والتي تعد مهد التاريخ والثقافة الأذربيجانية، دوراً رئيسياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية للشعب الاذربيجاني الشقيق.
وسيبقى الحكومة والشعب الأذربيجاني وفيا ومكملا لمسيرة النماء والعطاء التي أسسها ووضع لمساتها الاولى القائد الراحل علييف ولن يحيد عن خطاه ومبادئه التي رسمها في بناء مستقبل الشعب الأذربيجاني، وسيبقى دائما يستذكر الزعيم علييف في وجدانه ويجدد العهد للسير على خطاه.
وبخلاصة القول إن الزعيم التاريخي الراحل جسد أمال وطموحات الشعب الأذربيجاني بقيادته ومسيرته خلال أكثر من ثلاثين عاما من العطاء والبناء إلى أن أوصل أذربيجان إلى بر الأمان . وكان الراحل علييف يردد دائما أن أذربيجان هي جسر بين أوروبا وأسيا، وبين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية ، وكان يتمنى أن تنضم بلاده وبنشاط كبير إلى موكب التطور والحداثة المعاصر.
لقد كان طموحاته لا حدود له في نطاق توجهه الدائم نحو تطوير بلاده حيث كانت لديه خطط مستقبلية واسعة ولكن حالته الصحية حالت دون امكانية مواصلة نشاطه ومسيرة عطائه الذي استمرت طوال فترة حياته.
توفي الزعيم الوطني لأذربيجان حيدر علييف، في مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة الأميركية في 12 ديسمبر 2003 عن عمر ناهز 80 عاما .
وانني بهذه المناسبة اتمنى للشعب الاذربيجاني الشقيق دوام التقدم والازدهار ومع الاحترام والتقدير العميق إلى كل الدول، التي تبتهج بالنصر والنجاح لأذربيجان في قضاياه العادلة في المنطقة.
رحم الله الزعيم الوطني الراحل حيدر علييف الذي لا يزال يعيش وسيبقى اسم الزعيم الوطني حيدر علييف إلى الأبد في تاريخ وذاكرة كل مواطن أذربيجاني بكل فئاتهم في التاريخ الأذربيجاني المعاصر.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري