“دوزاينر” الفوسفات..!!

 عروبة الإخباري –  كتب سلطان الحطاب  

 دزاينر هي عملية تسمى “الدوزان” تستهدف اعادة برمجة او تأهيل او إصلاح” البيانو” كآلة موسيقى او حتى آلة العود، حين يبدأ العازف قبل ان يبدأ العزف باختبار العود وعمل دوزان او “دوزنة” أي جعل الاوتار متناغمة اثناء العزف، وان لا يكون في الصوت نشازاً.. وما ينسحب على الالات الموسيقية اردته من خلال استعمال نفس المصطلح ان ينسحب على كل آلة او مرفق او حتى شركة تحتاج الى ان يتناسب عملها مع جدواها، وهي محاولة قد تكون سهلة او صعبة لاستعادة الاشياء الى طبيعتها..

 حين جاء الدكتور محمد الذنيبات من موقعه الاداري البيروقراطي كنائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات الى شركة الفوسفات وجدها تخسر، هو نفسه كان مستغربا في البداية وتساءل كيف يخسر من يبيع ترابا؟! وما ان استقر به الأمر حتى رأى وعاش عجبا، وقد روى لي حينها ما كان، ولكنه قال أعطوني سنة واحدة لأشخص الخلل وابدأ في العلاج، و بالفعل غبنا و احسست باليأس الى ان اعلنت النتائج ووجدنا ان الفوسفات التي كانت خسرت 90 مليون دينار تربح، وكان هذا الامر بحاجة الى تفسير، فلم يكن سهلا وقف النزف الذي احتاج وقفه شجاعة اصبحت في عهده..

 كنا نتوقع ونحن نرى حجم التراجع في الشركة قبل خمس سنوات ان تصفي او تغلق او تعلن افلاسها او يقترف بحق العاملين عمليات فصل ووقف عن العمل، او ان تلجأ الى البنوك لطلب قروض وديون او فتح رأس المال للاكتتاب مجددا، ولكن الشركة لم تفعل شيئاً من هذا.

 أمضى الذنيبات كما عرفت من احد موظفي الشركة اربعة اشهر لا يعود الى البيت قبل الساعة التاسعة مساء، واحياناً بعد ذلك، وقد امضاها نهارا وليلا يسهر في شركة الفوسفات يقرأ الملفات و يطلع على ملفات الموظفين و يناقش القوى البشرية وملفات التعدين.. والصناعات الحليفة والموازية..

 امس الاول وعلى مدار حوالي ساعة سرد الذنيبات في المنتدى الاقتصادي الاردني قصة الفوسفات وكرر بعض الجمل وبدأ مادحا لمن سبقوه ومثنيا على جهودهم، فقد ظل عف اللسان رغم المرارات التي احاطت بالشركة، و ظهرت اثارها جلية، الا أننا بقينا كمراقبين ونحن نرى عفة لسان رئيس مجلس الادارة عن ذكرى من سبقوه الا بالحسنى، وكأنه من كاظمي الغيظ ..

من أين يبدأ الذنيبات وفي القميص اكثر من رتق، وبعضها قد اتسع لتحمل الشركة الكثير من الديون ويلزمها مال لتدور عجلة الانتاج مجددا..

 يروي قصصا ووقائع توجع القلب فآليات ضخمة بعضها غارفات يصل ثمنها مئات الالاف من الدنانير متعطلة، او مؤجرة لأشخاص يعملون مع الفوسفات والشركة نفسها لا تشغلها، بعضها كان بحاجة الى قطعة غيار صغيرة قد تحمل في الجيب، لكن المراسلات تعطلت وبقيت تؤخر التصليح والكشف الذي احتاج الى اوقات ممتدة يستفيد منها المقاولون..

 كثيرون توقعوا ان يحدث رئيس مجلس الادارة بعد منصبه الجديد الذي تولاه حالة انقلابية على كل ما هو قائم، وان يعمد الى فصل موظفين وعاملين واداريين خاصة و ان حجم العمالة قد وصل الى (3400) موظف وموظفة، ولكنه بدل ذلك اوقف التعيين واعاد تسمية كثير من المواقع والوظائف، وجرى تعشيب بعض الحقول وتكثيف اخرى، اي اعادة التوزيع الهادئ لبعض المواقع غير المنضبطة..

 ظل الذنيبات حتى قبل المرحلة الفوسفاتية يؤمن ومن خلال ما تعلمه في الادارة ان “الاقتصاد في النفقة نصف العيش” ولذا وضع عينه على مواقع الهدر والثقوب التي اعتلت ثوب الفوسفات ليسدها او يرقعها بعدما انجز الثوب الراتق، وبدون اعادة هيكلة او تدوير او زيادة في رأس المال ضغط النفقات جديدا في الاماكن المؤثرة، وليس في كلف الشاي والقهوة ومحارم الورق فقط خاصة ، حين رأى ان تعدين الطن الواحد من الفوسفات هو الاعلى عالميا وانه يصل الى 78 دولار للطن الواحد..

 وكانت تلك المعركة الاولى وقد خاضها وانتصر فيها حين فكك عوامل ارتفاع الاسعار وفك قبضة مقاولي التعدين عن عنق الشركة، اذ كانت شركتان تحتكران ذلك وتضعان السعر الذي يناسبهما.. وحين اعاد النظر في اعمال مقاولي التعدين فتح على نفسه “عش دبابير” لكنه سارع لإغلاقه بالتوجه الى القضاء ليبت ولم يسمح بتصدير الازمة الى الشارع والواسطات والدخول في دائرة المصالحة بالمناسف حيث استطاع المنسف الأردني احيانا في بعض الحالات ان يلغي قضايا بمئات الالاف بل و بالملايين..

 اعادة ضبط كلف الانتاج في التعدين اعطى الشركة وفراً هائلا جرى لمسه في ارقام ارباحها ، كانت الشاخصة الاخرى امام الذنيبات التي تغلق على الادارة الطريق السالك هي المديونية الكبيرة المترهلة التي ظلت كفيلة بشل حركة الشركة واعاقة نموها وتطورها والاستثمار فيها، ولها اي للمديونية نصب الذنيبات خيمته امام الخسائر واصر على دحرها وتوجيه الضربات لها بالعمل وليس بالامنيات فقط، و قامت الادارة الجادة و توفرت الوسيلة المناسبة فتراجعت المديونية من 90 مليون عام 2016 الى 46 ، فأغراه ذلك فعاود الكرّه مرة اخرى عام 2018 ووجد نفسه يوزع ارباحا ، ودخل العام 2021 ووعد الجالسين في اللقاء امس انه سيوزع في نهايته اكثر وان الارقام ستنفر بشكل اوضح..

 كانت الخزينة المالية تنتظر فالكلام لا قيمة له حين تخذل الارقام الموازنة، وقال بعض المشككين :”بس نشوف الصبي بنصلي على النبي” واذا بالدفع للخزينة يصل الى 367 مليون دينار خلال اربع سنوات، فقال اعضاء الهيئة العامة وهم يسمعون الارقام “اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد” واوفى “ابو المعتصم” وصحبه بما وعدوا و “كرجت” الفوسفات على مدارج التصدير من اوسع ابوابه بشركاء مختبرين واسواق تحسّن فيها سوق صرف الفوسفات واسعاره..

 وقبل ان يمد يده بعيدا او يهرب الى الامام عاد يتفقد واقع الشركة التي كانت فيها كميات هائلة من الفوسفات المعدن بنسب منخفضة وكان يتطلب اعادة تعدين لما يحويه من مادة الفوسفات، وهذا ما سمي باعادة ترتيب بيت الانتاج الداخلي، وبالتالي جرى اعادة بيع وتصدير كميات كبيرة كانت مركونة او جرى تجاوزها او اهمالها..

 ولأن العالم يبيع الاشياء المصنعة لجدواها ولم يعد يبيع المواد الخام فقط التي يُصنعها المشترون، فقد عمد الى الدعوة وتجنيد القرار في الشركة لصالح انشاء مصانع اضافية تعمل في مشتقات الفوسفات وتحويله الى سماد واخرى مهمتها “غسل الفوسفات” وكان عليه ان يخوض معارك من الجدل والاقناع والمنطق لم يشهدها افلاطون و ارسطو، حين كان يخرج من اجتماعاته منتصرا بقرارات عليها اجماع ودون اغضاب او استفزاز احد اطراف.. وكان الهدف اعادة وضع الشركة على سكة الانتاج والتسويق الصحيحين..

 كنت أدقق في وجوه الحاضرين الذين اتسعت مآقيهم وبعضهم كان فاغر الفم، والذنيبات يشرح طريقته السحرية في الخلاص باستعمال الادوية دون الجراحة وبالتوجيه الهادئ والمبصر دون الزجر او التهديد..

 كان العمل كثيفاً ومجزيا وعزيزا، و لما كنا نجلس امس ونتحدث عن انجازات وقعت ونكتب عنها اليوم بشكل معلن قابل للمحاججة..

 العملية الاصلاحية في الفوسفات جديرة ان تسجل وان تدرس في كليات ادارة الاعمال، و لولا انني اخش ان أظلم الرجل او اسبب له الاحراج لقلت انه يجب تأسيس حقيبة وزارية للشركات المتعثرة يتولاها الذنيبات او من يؤمن بطريقته في العمل، ويكون لها ما يوازيها من اساليب في القطاع الخاص، بعدها تحولت كثير من الشركات المساهمة العامة الى شركات على شكل قربة مخزوقة لم تلبث ان تخسر ثم تموت اسهمها وتدخل الى غرفة التصفية او قريبا منها..

 اذن الادارة النابهة هي كل شيء ويمكن الخروج بدروس شاهدة حين تتوفر الادارة الناجحة والحريصة والواعية ، وعندها لا حاجة للمخاوف وحتى يكون ذلك يجب وقف التنسيب والمحسوبية وكوتات المناصب والتنفيع حين تشكل الادارات او تسمى اعضائها، فكثير من الشركات كانت واعدة ودمرتها اداراتها التي لم تحاسب والملكية الاردنية نموذج على ذلك، ولابد من فتح ملفها لمعرفة اين مواقع التسريب والخلل وكشف ذلك والاشارة اليه، والا سنبقى نغلق على جرح فيه صديد، او دون تنظيف.

 نفى الذنيبات حين واجهة اسئلة حاولت ان تحاصره ان يكون ثمة ضغوط عليه من جهات داخلية او خارجية او منافسة فهو ليس بحاجة اثناء مشواره الاداري الاخير الشفاف ان يخلق ذرائع او مشاجب يعلق عليها الخسائر، اذ ان نجاحه في الشركة من اعلان الارباح وفر عليه كل اشكال الذرائع والحجج التي ظل يختبي خلفها كثيرون حين كانت النتائج صفرا او خسارة

اختصر الذنيبات القول الذي استحق عليه المقدمة الجميلة  من رئيس المنتدى النائب خير ابو صعيليك الذي ادار اللقاء بحرفية عالية بحضور اعضاء بارزين من المنتدى يحملون اسماء مميزة..

Related posts

انطلاق أول رحلة سياحية إلى أم الجمال بحضور دبلوماسيين أردنيين السبت

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

التحضير لافتتاح بنك البذور الوطني رسميا بعد إتمام الأعمال الإنشائية